إذا تبنيت مشروعاً انتصر له.. هذا هو الشعار الذي استخلصته من ارتحالات واشتغالات معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار المتعددة والمتواصلة وربما المرهقة في أحيان كثيرة، إلى مناطق الفعل الثقافي في الوطن العربي وأوروبا من أجل الترويج للبحرين عاصمة للثقافة العربية عام 2012، أو الترويج للبحرين عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2018، فهي تغتنم أية فرصة تتاح أمامها من أجل تحقيق هذا الهدف الثقافي السامي، وإذا لم تتوفر مثل هذه الفرصة، تخلقها وتسعى من أجل تحقيق أهدافها بشتى السبل والإمكانات، مدركة بأن البحرين جديرة وبامتياز لأن تكون بؤرة ضوء ساطعة ومؤثرة في سماء الثقافة الخلاقة في الوطن العربي. وهي إذ تروج للبحرين تدرك في قرارة نفسها بأن هذا البلد المكتنز بغنى حضارته وثقافته، لا يحتاج إلى ترويج في الأصل، ولكنها تنشد من وراء هذا الترويج النوعي مد جسور ثقافية بين البحرين ومناطق الفعل الثقافي في الوطن العربي والعالم لا تستطيع في كثير من الأحيان السياسة الاضطلاع بها أو التأثير من خلالها كما هي الثقافة، كما أنها تسعى من خلال هذا الترويج إلى إقناع الواجهات السياسية ذاتها في الوطن العربي بالدور الذي تلعبه الثقافة في فضاءات المجتمعات العربية التي غزتها مخالب السياسة التدميرية إلى درجة كادت تودي بأي بصيص يمكنه أن يسهم في التنوير أو التغيير السسيوثقافي الخلاق.. إنها تمضي بمشروعها الثقافي العربي الإسلامي العالمي الكبير والمؤثر وهي غير آبهة بمحاولات إفشال بعض المثقفين المؤدلجين والمطئفنين هذه المساعي النبيلة، ذلك أنها ترى في الثقافة موقفاً مفتوحة مصاريع أبوابه على جدل خلاق لا يقبل التراجع أو الاختباء خلف الأبواب المغلقة التي تكره رؤية النور، إذ كلما استفحلت شراسة هذه المحاولات تجاه الثقافة أملاً في إعاقتها ووأدها، ازدادت بالمقابل قناعة أهل الفعل الثقافي الخلاق في الوطن العربي بهذا المشروع الثقافي التنويري وواجهت بالمقابل أيضا هذه المحاولات الفاشلة صدا لم تتوقعه من جمهور الثقافة في مختلف أرجاء الوطن العربي، إذ أن كل «اختلاقاتهم» الإفشالية البغيضة التي قرنوها برؤيتهم الثقافية والحقوقية المحدودة والتي تناهى صداها إلى جامعة الدول العربية دون رجع له، باءت بالفشل، ذلك أن هذا المشروع الثقافي لا يعني البحرين فحسب وإنما يعني كل مساحات الضوء الثقافية في الوطن العربي برمته، ومن يقف ضد الثقافة التنويرية فإنه حتماً سيكون عدوًا للوعي ومن دعاة الثقافة الظلامية التي برعت في استشرائها قوى التطرف والإرهاب والتخلف والجهل.. إن ربيع الثقافة في مملكة البحرين مثلاً، كما أشارت معاليها في ذات مؤتمر صحافي عقدته في بيت الفن بالرباط وغيره من بيوتات ومراكز ثقافية في دول عربية أخرى أثناء ترويجها للبحرين عاصمة للثقافة العربية، قد بدأ قبل عشر سنوات، أي مع مشروع جلالة الملك الإصلاحي، حيث انفتحت كل أبواب الخلق الثقافي في مملكة البحرين على مصاريعها لتتماهى وتتقاطع وتتحاور وتتفاعل مع كل ثقافات العالم الخلاقة والمضيئة في مختلف حقولها وأنهارها ومصباتها وجداولها، ومن خلال هذا الربيع مضت الشيخة مي بمشروع ثقافي لا يمكن التنازل عنه، مشروع يدشن ويتوج إنجازات هذا الربيع بإعلان البحرين عاصمة للثقافة العربية لعام 2012، وكذا الحال وبنفس الروحية مع مشروع البحرين عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2018، وقد اقتضى هذا التبني للمشروع جهوداً عملية جبارة لا تعرف الراحة أو الملل أو الكلل، وقد عاينت شخصياً بعض هذه الجهود أثناء دعوتها لي ضمن وفد ثقافي وصحافي للمشاركة في المؤتمر الصحافي الذي عقد بالرباط، فإذ كنا بانتظارها بالرباط، كانت بالجزائر قد شدت رحالها بحثاً عن مناطق ضوئية تثري فعل العاصمة الثقافية في البحرين، وكان أكثر ما يهمها أن تجد صدى لترويجها للعاصمة الثقافية قد يكون فعله وتأثيره أكثر أهمية من فعل مؤسسة ثقافية بكامل عدتها وعددها.. وإذ كنا بانتظارها بالرباط كان فريق عمل وزارة الثقافة يعمل ليلاً نهارا من أجل التحضير للمؤتمر الصحافي، وقد لمست كثافة هذا الجهد في الاتصالات المكثفة التي كانت تجريها وبشكل متواصل، قد يبدو مرهقاً أحياناً، مع أسرة السفارة البحرينية والإعلاميين والمراسلين والصحافيين والأدباء والمثقفين،، وذلك من اجل إنجاح هذا المؤتمر. وقد حرصت الشيخة مي على تشكيل فريق يعي أهمية ما تؤمن به من مشروعات ثقافية، فريق يذهب نحو فرح الثقافة الذي تنتصر له في كل مهرجان أو لقاء أو مؤتمر ثقافي تقيمه في البحرين أو خارجها، ولقد لمسنا بوضوح نتائج هذا الانتصار للفرح، من خلال الحوارات والأسئلة التي أثارها حضور المؤتمرات التي رأستها في دول عدة من مختلف جغرافيا العالم، وكيف أشاد بعضهم بالجهود التي تضطلع بها، وكيف تقبلت من يختلف معها في بعض الأمور الثقافية وقدرتها على إقناع هذا البعض بالدور الثقافي الحيوي والمهم الذي يستحق منها ضرورة السعي والعناء من أجل الترويج له.. كما لمسنا هذا الانتصار أيضا في اللقاءات غير الرسمية مع أهل الفكر والثقافة في هذه الدول، ومن بينهم المثقف الكبير، مؤسس مشروع أصيلة محمد بن عيسى الذي هيأ لنا في منزله الحميمي والدافئ فرصة إشعال ضوء الثقافة والفكر والحياة بعيدا عن أي رسميات أو بروتوكولات.. .. إن اهتمام معالي الشيخة مي أو سيدة الثقافة الأولى في البحرين بتجسيد رؤى البحرين عاصمة للثقافة العربية أو عاصمة للثقافة الإسلامية على أرض الواقع، لا يقف عند جهود هيئة البحرين للثقافة والآثار وبرنامجها لعامي 2012، 2018، وإنما تجاوزه ليجعل من كل مؤسسات البحرين الرسمية وغير الرسمية، ذات الشأن العام والثقافي، مساحة واسعة لنشر ولاستقطاب الضوء الثقافي، فأي عبء كبير تتحمله هذه السيدة.. ولكن كما بدأنا نختتم، بأن من يتبنى فكرة أو مشروعاً ينتصر له، وهكذا فعلت معالي الشيخة مي بجدارة واقتدار.. فها نحن في قلب الانتصار للثقافة، قبل إعلانها وأثنائها وبعدها..
مشاركة :