ألقى الشيخ إسماعيل حسن خطبة الجمعة في مسجد وزارة الداخلية بعنوان «حب الوطن» وشدد على أنَّ مِنْ أَعْـظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْـنَا هَذَا الوَطَنَ الَّذِي نَتَفَيَّأُ ظِلالَهُ، وَنَعِيشُ أَجْوَاءَهُ، وَنَتَنَفَّسُ هَوَاءَهُ، نَجِدُ فِيهِ مَعْـنَى السَّكِينَةِ، وَحَقِيقَةَ الطُّمَأْنِينَةِ، مؤكدًا أنَّ مَحَبَّةَ الوطَنِ تَقْتَضِي عَدَمَ الإتْيَانِ بِمَا مِنْ شَأنِهِ المِسَاسُ بِوَحْدَتِهِ وَلُحْمَتِهِ، فَالتَّفْرِقَةُ والتَّشَرْذُمُ -لأَيِّ اعْتِبَارٍ كَانَ- وَبَالٌ وَمَهْلَكَةٌ، لأَجْلِ ذَلِكَ حَذَّرَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ مِنْهَا كَثيرًا فِي كِتَابِهِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ». الحَمْدُ للهِ ذِي الآلاءِ وَالنِّعَمِ، المُتَفَضِّـلِ عَلَى خَلْقِهِ بِأَنْوَاعِ العَطَايَا وَالكَرَمِ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، غَرَسَ فِي النُّفُوسِ حُبَّ الوَطَنِ، فَوُجِدَتْ فِي رُبُوعِهِ الرَّاحَةُ وَالسَّكَنُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كَانَ لِوَطَنِهِ وَعَشِيرَتِهِ بِمَكَّةَ مُخْـلِصًا وَدَاعِيًا، وَصَارَ بِمَدِينَتِهِ مِنْ بَعْدِهَا هَادِيًا وَبَانِيًا، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ كَانُوا لأَوطَانِهِمْ بُنَاةً، وَلِحِمَاهَا حُمَاةً، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ وَسَارَ سِيرَتَهُمْ إلى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَالتَّقْوَى أَسَاسُ الفَلاحِ وَمِفْتَاحُ النَّجَاحِ، فَمَا بُنِيَ تَقَدُّمٌ مِنْ غَيْرِ تُقًى إِلاَّ انعَدَمَ، وَمَا شُيِّدَ بُنْيَانٌ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ انهَدَمَ، فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ تَكُونُوا مِنَ الفَائِزِينَ، وَاشكُرُوهُ عَلَى فَضْـلِهِ وَعَطَائِهِ تُكْـتَبُوا مَعَ المُفْـلِحِينَ، «ولَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فإن لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا»، وَاعلَمُوا -أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ- أَنَّ الوَطَنَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِهَا وَتُرْخَصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا. إِنَّ الوَطَنَ كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ فِي مَبْـنَاهَا، عَظِيمَةٌ فِي مَعْـنَاهَا، كَلِمَةٌ مَا إِنْ تُذْكَرُ حَتَّى تَتَحَرَّكَ لَهَا المَشَاعِرُ وَتَتَفَاعَلَ مَعَهَا الأَحَاسِيسُ؛ كَيْفَ لا، وَحُبُّ الوَطَنِ حُبٌّ فِطْرِيٌّ مَغْرُوسٌ فِي النُّفُوسِ، مَجْبُولَةٌ عَلَيْهِ الخَلِيقَةُ، حَتَّى الحِيتَانُ فِي أَعْـمَاقِ بِحَارِهَا، وَالوُحُوشُ فِي غَابَاتِهَا، وَالطُّيُورُ فِي سَمَائِهَا، تَحِنُّ إلى أَوْطَانِهَا، وَلأَجْـلِ هَذَا كُلِّهِ -عِبَادَ اللهِ- كَانَ لِفَقْدِ الوَطَنِ فِي القَلْبِ أَلَمٌ قَلَّ أَنْ يُحْـتَمَلَ، وَلِفِرَاقِهِ فِي النَّفْسِ جُرْحٌ لا يَنْدَمِلُ. عِبَادَ اللهِ: لَمَّا كَانَتْ مَحَبَّةُ الوَطَنِ فِي النَّفْسِ عَظِيمَةٌ، وَكَانَ فِرَاقُهُ عَلَى القَلْبِ مُؤْلِمًا، نَجِدُ أَنَّ أَعَدَاءَ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ يُهَدِّدُونَ أَنْبِياءَهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَوْطَانِهِمْ وَحِرْمَانِهِمْ مِنْ نِعْمَةِ الوَطَنِ، قَالَ تَعَالَى: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ»، فَهَذَا شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ- قَالَ لَهُ المَلأُ الَّذِينَ استَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: «لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ»، وَهَذَا نَبِيُّ اللهِ لُوطٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وَمَنْ مَعَهُ قَالَ عَنْهُمْ قَومُهُمْ: «أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ»، وَقَدْ لاقَى سَيِّدُ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الإِيذَاءِ البَلِيغِ، فَهَا هُوَ يَلْتَفِتُ إلى مَكَّةَ، وَطَنِهِ الحَبِيبِ إلى قَلْبِهِ، «إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا»، قَائِلاً: ((مَا أَطْـيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ))، إِنَّهُ الوَطَنُ سَكِينَةُ النَّفْسِ، وَرَاحَةُ البَالِ، وَمَجْمَعُ الأَحِبَّةِ، وَمُنْطَلَقُ البِنَاءِ؛ اسْـأَلُوا عَنْ نِعْمَةِ الوَطَنِ مَنْ فَقَدَهَا، وَانظُرُوا إلى قِيمَتِهَا فِي مِيزَانِ مَنْ حُرِمَهَا، تُدْرِكُوا حَقِيقَةَ النِّعْمَةِ، وَعَظِيمَ المِنَّةِ. كُونُوا لِوَطَنِكُمْ خَيْرَ بُنَاةٍ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْـظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْـنَا هَذَا الوَطَنَ الَّذِي نَتَفَيَّأُ ظِلالَهُ، وَنَعِيشُ أَجْوَاءَهُ، وَنَتَنَفَّسُ هَوَاءَهُ، نَجِدُ فِيهِ مَعْـنَى السَّكِينَةِ، وَحَقِيقَةَ الطُّمَأْنِينَةِ، فِيهِ تَتَّصِلُ أَمْجَادُ الأَجْدَادِ بِالأَحْـفَادِ، وَتَتَلاحَمُ قُلُوبُ الجَمَاعَاتِ وَالأَفْرَادِ. لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَطَنٍ ضَارِبَةٍ جُذُورُ مَجْدِهِ فِي أَرْضِ التَّأْرِيخِ، وَبَاسِقَةٍ غِرَاسُ تَسَامُحِهِ وَسِلْمِهِ فِي سَمَاءِ العِزِّ، قَدْ أَرْخَى اللهُ فِيهِ رِدَاءَ الأَمْنِ، وَقَوَّى بُنْيَانَ وَحْدَتِهِ، وَفَتَحَ عَلَيْـنَا أَبْوَابَ رِزقِهِ، فَلَهُ تَعَالَى الحَمْدُ وَالمِنَّةُ، إِنَّ الوَطَنَ -عِبَادَ اللهِ- إذا اجتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ النِّعَمُ فَقَدْ حَازَ أُسَّ الرَّخَاءِ، وَنَالَ قِوَامَ الحَضَارَةِ، أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ إبراهيم الخَلِيلَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- يَوْمَ أَنْ دَعَا رَبَّهُ لِيُهَـيِّئَ بِمَكَّةَ أَسْبَابَ السَّعَادَةِ قَالَ: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ»، فَوَطَنٌ فِيهِ قُوتٌ وَرِزقٌ، وَتَوْحِيدٌ وَوَحْدَةٌ، وَأَمْـنٌ وَإِيمَانٌ، لَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْـتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَمِنَّةٌ تَسْـتَدْعِي الحَمْدَ. إِنَّ وَطَنَنَا المُبَارَكَ هَذَا -عِبَادَ اللهِ- لَيَسْـتَحِقُّ مِنَّا التَّمَسُّـكَ بِهِ، وَالاعتِزَازَ بِالانتِمَاءِ إِلَيْهِ، وَصَوْنَ مُقَوِّمَاتِهِ وَإنجازاتِهِ، وَالعَمَلَ الدَّؤُوبَ لأَجْـلِ رِفْعَتِهِ وَعِزَّتِهِ؛ وَلْتَعْـلَمُوا أَنَّ مَحَبَّةَ الوَطَنِ وَالحِفَاظَ عَلَى أَمَانَتِهِ لَيْسَتْ شِعَارَاتٍ مُجَرَّدَةً، وَلا عِبَارَاتٍ جَوْفَاءَ، بَلْ لا بُدَّ أَنْ تَتَغَلْغَلَ فِي القَلْبِ إِيمَانًا، وَتَسْـكُنَ فِي النَّفْسِ اقتِنَاعًا، وَتُتَرْجِمَهَا الجَوَارِحُ وَالطَّاقَاتُ سُلُوكًا وَعَمَلاً. فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَكُونُوا لِوَطَنِكُمْ هَذَا خَيْرَ بُنَاةٍ، وَلِمُقَوِّمَاتِهِ وَأُسُسِهِ حُمَاةً، رَاعُوا نُظُمَهُ وَقِيَمَهُ، وَأَوْفُوا بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ. اغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازَ به أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَحَبَّةَ الوطَنِ تَقْتَضِي عَدَمَ الإتْيَانِ بِمَا مِنْ شَأنِهِ المِسَاسُ بِوَحْدَتِهِ وَلُحْمَتِهِ، فَالتَّفْرِقَةُ والتَّشَرْذُمُ -لأَيِّ اعْتِبَارٍ كَانَ- وَبَالٌ وَمَهْلَكَةٌ، لأَجْلِ ذَلِكَ حَذَّرَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ مِنْهَا كَثيرًا فِي كِتَابِهِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، وَقَدْ أَخْبَرَ المُصْطَفَى فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوقِفٍ عَلَى أَهَمِّـيَّةِ التَّآلُفِ وَخُطُورَةِ التَّفْرِقَةِ وَالتَّنَازُعِ. فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ- وَقِفُوا صَفًّا واحِدًا فِي وَجْهِ كُلِّ مُرْجِفٍ، وَتَنَبَّهُوا لِسَعْيِ كُلِّ مُفْسِدٍ، اغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ الوَطَنِ وَالاعتِزَازَ بِإنجازاتِهِ الحَاضِرَةِ وَمَجْدِهِ التَّلِيدِ، حَتَّى يُحَقِّقُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعْنَى المُوَاطَنَةِ الصَّالِحَةِ، فَهُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَبُنَاةُ الغَدِ.
مشاركة :