عزلة أم هروب

  • 12/15/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ماذا يعني أن يحب أحدنا العزلة؟ مفارقة، في أغلب اللقاءات الاجتماعية الصبغة ينبري أحد الأشخاص وهو يرسم على ملامحه تكشيرة انزعاج، ليبادر ويعبّر عن أمنيته وهو يهمس في أذن صديق يجلس إلى جانبه: “ما أجمل أن أبتعد قليلا عن هذه الضوضاء وأعيش في عزلة جميلة”. أكثر ما يبحث عنه هذا الشخص ومن هم على شاكلته، أوقات قصيرة من الوحدة، الهدوء، الخصوصية، وربما السلام النفسي لممارسة بعض الهوايات الإبداعية التي تتطلب التركيز والهدوء والابتعاد عن الآخرين، تدفعهم إلى ذلك بعض من مسببات غير واضحة حتى لأصحابها. يقتنص بعض الناس أوقاتا قصيرة ليكونوا بمفردهم، ربما للحظات يستردون فيها أنفاسهم، يتمردون على الروتين أو يقطعون زمن الواجبات بوقفة قصيرة كفاصل قبل استئناف العمل. وهناك من يسرق أوقاتا يقضيها في العزلة والابتعاد عن الناس وتفادي اللقاء بأشخاص مزعجين، في محاولة لخلق بيئة آمنة لوصل حبل الود مع مشاعره المهملة، فقد لا يجد أحدنا بسبب تزاحم ساعات النهار، الوقت الكافي ليسأل نفسه كيف أشعر؟ هل أنا راض عن نفسي؟ أتستحق حياتي كل هذا العناء والجهد المتواصل لتحقيق الذات؟ هل ألقى مودة كافية من أحبائي؟ هل أملك أصدقاء يستحقون أن أهدر معهم ساعات مسروقة من عمر الزمن بين حين وآخر أم أن الوحدة أفضل؟ تؤكد نتائج دراسة حديثة أن طريقة إجابتنا على هذه الأسئلة هي ما يحدد مدى سلبية أو إيجابية الأوقات التي نطلب فيها العزلة؛ إذ أن اختيار العزلة لتجنب الاختلاط بالآخرين يعد أمرا مقلقا، في حين أن قضاء الوقت بحثا عن الهدوء والخصوصية لإنجاز عمل ما يشيع السعادة والرضا عن الذات، لا يعد عزلة بقدر ما هو وقت مثمر ومفيد يتطلب بعض التركيز والابتعاد عن الضوضاء، وهذا الأمر لا يتوفر إلا إذا كنا وحيدين لا أن نعاني الوحدة. تعتمد أهمية أن نعيش في عزلة قد تستمر لأوقات طويلة، على طبيعة ما تمثله لنا هذه العزلة. التمركز حول الذات والوحدة يعنيان للكثيرين تقديرا للخصوصية، إثارة مكامن الإبداع، الاستمتاع بالهدوء، محاولة في فهم الذات والبقاء على الاتصال بمشاعرنا، وهذا كله يوفر المناخ المناسب للقيام بنشاطات مهمة وممارسة هوايات ممتعة، قد يكون الإبداع البوتقة التي تصب فيها. في الغالب، فإن هؤلاء هم الأشخاص الذين لديهم فكرة واضحة عن أنفسهم، كما أن قضاءهم الوقت في عزلة لأسباب إيجابية لا علاقة له بجودة علاقاتهم مع الآخرين. لكن، عندما تكون إجابتنا على هذا السؤال هي أننا نلجأ إلى العزلة كحصن أخير لأننا نشعر بالقلق وعدم الارتياح عندما نكون مع الآخرين، لا نستطيع أن نكون أنفسنا، لا ننتمي إلى الآخرين ونخشى أن نتفوه بأقوال وأفعال قد نندم عليها عندما نكون معهم. هذه النتيجة، كما يؤكد متخصصون في علم نفس الشخصية، تعمق الشعور بالواحدة وينظر إليها وكأنها انسحاب من الحياة الاجتماعية، إذ أن بعض الأشخاص حين يكونون في حالة مزاجية سيئة يبحثون عن الوحدة ليتبينوا أفكارهم ومشاعرهم، وسرعان ما تطول هذه العزلة فتأخذ شكل الهروب، لتتحول إلى أسلوب حياة لن يكون بالتأكيد خيارا مناسبا للتعامل مع المشاكل التي يتطلب حلها مواجهة الآخرين.

مشاركة :