عندما اشترت "فيرايزون" شركة AOL في عام 2015 و"ياهو" بعد عام من ذلك، تساءل كثير من المراقبين عن السبب الذي يمكن أن يجعل أكبر شركة هواتف في أمريكا ترغب في شراء اثنتين من شركات الإنترنت القديمة. بعد عامين تبيّن أن هؤلاء المتشككين كانوا محقين، حين تبين أن الخطوة كانت غلطة كلفت تسعة مليارات دولار. الآن شطبت "فيرايزون" 4.6 مليار دولار من قيمة غزوتها على وسائل الإعلام الرقمية التي حدثت في وقت غير مناسب. في بيان قدمته إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات يوم الثلاثاء، اعترفت "فيرايزون" بأن علامتها التجارية الرائدة في مجال الإعلام، "أوث" Oath – التي توقع تيم أرمسترونج، الرائد في AOL، أنها ستصبح "أفضل شركة إعلامية استهلاكية" – أصبحت بلا قيمة تقريبا. لويل ماك آدم، الرئيس التنفيذي لشركة فيرايزون الذي أشرف على هذه الرهانات الكبيرة، غادر في نهاية تموز (يوليو) الماضي. قبل عامين استطاع أرمسترونج إقناع ماك آدم بفكرة دمج ياهو وAOL، وهما شركتان راسختان من التسعينيات، في إمبراطورية إعلامية معاصرة على الإنترنت. قال بريان ويزر، المحلل في شركة بيفوتال للأبحاث، إن الرهان على أن "ياهو" وAOL، اللتين كانتا من بين أكبر ضحايا الوتيرة المتقلبة للتغيير الرقمي، يمكنهما معا إيقاف صعود جوجل دائما ما كانت تمثل "تحديا". وقال: "من يظن عكس ذلك سيكون عليه أن يكون متفائلا بشكل بائس". توقيت أرمسترونج جاء في أسوأ وقت ممكن. في تلك اللحظة الساخنة تماما، شركات وسائل الإعلام الرقمية، مثل "بزفيد"، كانت تجتذب مليارات من الاستثمارات بتقييمات عالية. وكانت طفرة في الإعلانات الرقمية قد دفعت كثيرين إلى الإشارة إلى حقبة جديدة لشركات التكنولوجيا والإعلام، ما جذب انتباه الشركات العملاقة التقليدية، مثل ديزني وفيرايزون. هذا الحماس سرعان ما هدأ. وبحلول أواخر عام 2017 كانت "بازفيد"، محبوبة وسائل الإعلام الرقمية، قد عجزت عن تحقيق إيراداتها المستهدفة. وكان الألم ينتشر عبر القطاع بسبب الهيمنة الثابتة لـ"جوجل" و"فيسبوك" التي جعلت الحياة صعبة بالنسبة للشركات التي تعتمد على الإعلانات. كانت النتائج واضحة: عمليات تسريح، وتخفيض تقييم علامات تجارية منها ميك، وفوكس، وفايس، وماشابل، وإغلاق كامل لمواقع إلكترونية، مثل روكي. ولتعويض مبيعات الإعلانات المتعثرة، لجأت "بزفيد" إلى بيع أدوات الطهي لمتاجر وولمارت، وهي الآن بصدد فتح متجر ألعاب في نيويورك. قال كين دوكتور، المحلل في نيوزونوميكس: "كانت الذروة قبل عامين. حينها أظهرت فيرايزون سوء حُكم بشراء ياهو". الاعتراف بالفشل يوم الثلاثاء وجه أصابع الاتهام إلى الشخص الذي أنتج صفقة كان من رأي كثيرين محكوم عليها بالفشل منذ البداية. جون ليجير، الرئيس التنفيذي الصريح لشركة تي موبايل T-Mobile، التي انتزعت الزبائن من فيرايزون و"أيه تي آند تي" AT&T من خلال اشتراكات الهواتف الرخيصة، كان سريعا في الادعاء أنه كان "يقول لفيرايزون منذ أعوام" إن الصفقة هي غلطة. وتفاخر على "تويتر" قائلا: "في الواقع، لقد أخبرتهم في اليوم الذي اشتروا فيه تلك الشركات القديمة من حقبة التسعينيات". تلقت "فيرايزون" النصيحة من "ليون تري" و"جوجينهايم" عندما استحوذت على AOL وياهو. بحسب مصرفي منافس في مجال المصرفية الاستثمارية يعمل في نيويورك، كان ينبغي لمستشاري "فيرايزون" إيقاف شركة الاتصالات من شراء الشركتين. مع ذلك، قال مستشار آخر إنه ليس من العدل انتقاد المصرفيين لأن "فيرايزون" فشلت في تنفيذ صفقة كان من الممكن على الورق أن تساعد في إيجاد مصادر دخل جديدة. إيريك جوردون، الأستاذ في كلية روس للأعمال في جامعة ميشيجان، يعتقد أن المصرفيين لم يكُن بإمكانهم منع رئيس تنفيذي مُصمم على تنفيذ صفقة رديئة. قال: "أيام المصرفيين الذين يتمتعون بسلطة كافية لمنع رئيس تنفيذي من تنفيذ ما يُريد أصبحت حاشية تاريخية". اعتقد تنفيذيون في "فيرايزون" أن عالم الإعلانات كان يتوق لدخول لاعب ثالث لمواجهة ثِقل جوجل وفيسبوك. واعتقدوا أيضا أن الشركة يُمكن أن تُصبح القوة الثالثة، مُشيرين إلى أن "فيرايزون" يمكن أن تستخدم البيانات التي كانت لديها عن أكثر من 100 مليون أمريكي لاستهداف الإعلانات على المستهلكين بشكل أفضل. إلا أن أرمسترونج لم يتمكن قط من تنفيذ هذه الطموحات، وبقيت إدارة "فيرايزون" تركّز على شركة هواتف الاشتراك الأكبر بكثير، بدلا من شركة أوث التي لا تُشكل سوى 5 في المائة تقريبا من مبيعات "فيرايزون". قبضة "جوجل" و"فيسبوك" على سوق الإعلانات بقيت قوية. وفقا لشركة إي ماركتر eMarketer في عام 2018 كانت الشركتان تمثلان 57.7 في المائة من كل الإنفاق على الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة، مقارنة بـ 57.2 في المائة في عام 2016. وفي الفترة الزمنية نفسها نمت حصة شركة أوث من الإعلانات الرقمية من 1.7 في المائة إلى 3.3 في المائة فقط. إلى جانب أوث، أقدم الرئيس التنفيذي السابق لويل ماك آدم على محاولات أخرى للدخول إلى هوليوود وأعمال الإعلام. في عام 2015 كشف عن go90، وهي منصة فيديو للهواتف الخليوية كان الهدف منها أن تكون يوتيوب الخاص بفيرايزون. بعد حفل تدشين مذهل، موّلت فيرايزون أفلاما قصيرة للمنصة، مثل "دِيَر باسكتبول" Dear Basketball لكوبي بريانت، الذي فاز بجائزة أوسكار. لكن خدمة go90 لم تلحق بالركب، وسط بحر من الفيديوهات على الإنترنت المتاحة على يوتيوب، وفيسبوك، وإنستجرام، وسنابشات، ونيتفليكس. واعترف ماك آدم في النهاية بأن go90 "تم ترويجها بشكل مفرط"، ثم جاء الرئيس التنفيذي الجديد، هانز فيستبيرج، وألغى الخدمة هذا العام. فيستبيرج لا يُشارك ماك آدم رغبته في بناء إمبراطورية إعلامية. لذلك تخلى إلى حد كبير عن هذه التجارب لمصلحة مضاعفة ما كانت "فيرايزون" تمارسه تاريخيا بشكل أفضل: الهواتف الخليوية. في مواجهة معضلة ما يجب فعله حيال أوث، نظر فيستبيرج في عملية فصل، لكن بدلا من ذلك ضمها إلى "فيرايزون" لإيقاف الخسائر. وخسر أرمسترونج حكمه الذاتي على أوث، ما أدى إلى خروجه من الشركة. فشل "فيرايزون" في مجال الإعلام يثير أيضا التساؤلات حول آفاق AT&T، التي تهوّرت بشرائها لشركة تايم وورنر. قال ويزر: "يغلب على شركات الاتصالات النظر إلى ما يفعله شخص آخر على أنه دليل لما ينبغي لها فعله. يُمكن القول عندما اقتنعت فيرايزون بالفكرة كانت فقط بحاجة إلى قصة جيدة لإظهار أنها أصبحت شركات رقمية". أشار تنفيذي سابق في تايم وورنر إلى أن الموظفين في شركة الإعلام الأمريكية ساورتهم مخاوف شديدة من أن AT&T خاطرت بتدمير قيمتها أثناء عملية دمج الشركتين. قال التنفيذي الذي طلب عدم ذكر اسمه: "من الواضح أن شركات الاتصالات لا تفهم الإعلام. AT&T أشبه بشركة تديرها الحكومة، فهي تفتقر إلى إبداع شركة الإعلام (...) يتوقع الكثيرون عمليات شطب مماثلة هناك".
مشاركة :