يحمل الشعر غالبا روحا ثورية قادرة على الحشد والتعبير الصادق عن معاناة الشعوب، لكن تراجع هذه الميزة في مصر، طرح تساؤلات كثيرة عن أسباب انخفاض أعداد الشعراء واختفاء انتشار الدواوين. ويرى شاعر العامية المصري زين العابدين فؤاد أن غياب القدوة الشعرية تسبب في عزوف الأجيال الجديدة عن كتابة قصائد بديعة تعبر عن واقعهم. يعيش الشعر المصري حالة من الجمود والركود بعد أن تراجع أعداد الشعراء بشكل كبير وانخفض نشر دواوين الشعر التي ظلت لعقود طويلة تعبيرا صادقا عن حالة المجتمع ومعاناته، وهو ما ظهر جليا في عزوف الكثير من الشعراء (خاصة العامية) عن استكمال مسيرتهم، وعدم ولادة شعراء جدد يحملون راية التجديد، فالشعر ينتعش عندما تتوافر له مساحة واسعة من الحرية. يقول الشاعر المصري زين العابدين فؤاد لـ”العرب” إن الحالة الشعرية العامة تعاني من غياب الكثير من الرموز الذين أثّروا في الحياة الثقافية، أمثال محمد عفيفي مطر وأمل دنقل وسيد حجاب وعبدالرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، وفقد الجيل الجديد القدوة القادرة على دفعه نحو الإبداع الشعري وتشجيعه على المشاركة والكتابة والتطور. ويرى أن أزمة الشعر المصري الحقيقية ليست في انخفاض أعداد الشعراء، لكن في القدرة على تسليط الضوء عليهم وتشجيعهم على الاستمرار، وخلال ثورة 25 يناير عام 2011 ظهر العديد من الشعراء المؤثرين الشباب، منهم مصطفى إبراهيم، الذي قدم قصائد شديدة الإنسانية والعذوبة والثورية. وعرف عن فؤاد أنه كان في مقدمة النشطاء بالحركة الطلابية المصرية عام 1968، وكان قريبا من الشباب في ميدان التحرير بالقاهرة، إبان ثورة يناير 2011، وأدار مهرجان “الفن ميدان”، وألّف أشعارا كثيرة بهذه المناسبة، وذاع صيته بقوة، وبدا كأن الشباب يعيدون اكتشافه من جديد، مع أن شهرته في الشعر السياسي كانت واسعة، لأن كلماته لامست وجدان الناس، وعبّر عن الواقع بصورة صادقة. ويضيف لـ”العرب” أنه عندما يطّلع على فيسبوك يجد نصوصا مميزة لشعراء هواة مثل أمينة عبدالله، خاصة قصيدتها “مناديل ورق”، والشاعر سعيد عبدالمقصود الذي يمتلك لغة رشيقة وحسا مميزا. عبّر عن سعادته بأن هؤلاء الشباب الذين صعدوا مع الحراك الثوري الشعبي، جاءت أشعارهم امتدادا لكثير من شعراء جيله بعد أن عاشوا وتربوا على القصائد الثورية للشيخ إمام وسيد حجاب وسمير عبدالباقي وحلمي سالم. ثورة الشعر Thumbnail يوضح فؤاد الحائز على جائزة الدولة للتفوق، فرع الآداب عام 2016، أنه مطلوب من الشعر الآن في ظل ما تمر به بعض الدول العربية من أزمات أن يُكتب مصحوبا بفكرة ورؤية، ويمتلك الشاعر رؤية مستقلة، وليس رؤية نظام أو حكومة يخدمها. وتطرق في حواره مع “العرب” إلى ديوانه الأخير “قهوة الصبحية”، وقام فيه بتأبين شهداء ثورة يناير، ليس كنوع من الرثاء، لكن كتكريم وتحية، “الديوان ليس عن الموت بل عن الحياة الأخرى، ربما رحل هؤلاء عن حياتنا، لكنهم يعيشون بداخلنا وبعقول الأمة”. يمتلك زين العابدين فؤاد روحا ثورية طاغية، ظلت تدفعه عبر تاريخه الطويل نحو استخدام كلماته كمدفع ضد الفاشية والفساد، وأطلق العشرات من القصائد الشعرية السياسية التي تحكي عن حياة المواطن وصراعاته، ومنها ديوان “وش مصر” و”مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر” و”صفحة من كتاب النيل” و”أغنيات من بيروت”، علاوة على مجموعة كتب منها “كتاب شعر الضفاف الأخرى” و”قصائد مترجمة ودراسات عن الشعر الأفريقي”. وحكى لـ”العرب” سر انجذابه إلى قصائد المقاومة قائلا “هناك اختلال لمفهوم المقاومة عند البعض، فالمقصود بالمقاومة هو معاندة النظم الحاكمة، والوقوف ضد الرتابة في الحياة، فقصيدة الحب الإنسانية مثلا هي قصيدة مقاومة”. وتابع “يظن البعض أن المقاومة هي إعلان الحرب باستمرار، ولكن المقاومة الشعرية الحقيقية هي التوغل في مناطق جديدة ومواجهة الرتابة والتقليدية”. الشعر السياسي لا يوجد ما هو ممنوع في أشعاري ولا كتاباتي ولا أضع رقابة على نفسي في الكتابة، إنما المحظور سيكون الرقاقة في السرد والرتابة بالتكرار، وهو ما يفسد القصيدة الفنية لا يوجد ما هو ممنوع في أشعاري ولا كتاباتي ولا أضع رقابة على نفسي في الكتابة، إنما المحظور سيكون الرقاقة في السرد والرتابة بالتكرار، وهو ما يفسد القصيدة الفنية يرفض فؤاد في حواره مع “العرب”، تصنيف شعره بالسياسي، مؤكداً أنه ضد هذه الكلمة لأن “السياسة جزء من الرؤية الفنية العامة، وإذا كان الأمر سياسيا بالكامل بالتالي لا يعد ذلك شعرا إنما شعارات براقة”. تحدث عن مفهومه الخاص للشعر، فقال “من أهم مصطلحات الشعر القدرة على التغيير والتبلور مع الوقت والزمن، والاطلاع على الأشعار العالمية التي تمثل نافذة على العالم بكل ما يحتويه من تجارب فريدة”. وهذا ما جعل فؤاد يقوم بترجمة العديد من القصائد الأفريقية ومن أميركا اللاتينية في كتبه من أجل أن يقرأها الجمهور المصري والعربي ويستشعر روحها. ويعتقد أن المشهد العام، عكس الكثير من الأدباء، وخاصة المشهد الثقافي يدعو للتفاؤل بشكل عام، وهناك طفرة في الرواية والقصة، وهو ما سينعكس مع الوقت على الشعر، لافتا إلى أن الشعور بالحرية في الكتابة والتعبير عن الرأي يخلقان حراكا ثقافيا وفنيا رائعين، وهو ما حدث فور اندلاع ثورة يناير في مصر، ومع تراجع الحرية وظهور إعلام الصوت الواحد، أضحت تلك المسألة مؤثرة في الإبداع الفني. ويرى أن الاهتمام بالرواية جعل الكثير من الشعراء يلجأون إلى الكتابة الروائية بعد أن أصبحت الكتابة القصصية أكثر شهرة وجذبا للجمهور، ومن أشهر هؤلاء، الكاتب الكبير محمد ناجي الذي مكنه الشعر من كتابة روايات مليئة بالوصف والمشاعر والقدرة على السرد بلغة رشيقة وبديعة. وعن المحظور في شعر زين العابدين فؤاد، يقول “لا يوجد ما هو ممنوع في أشعاري ولا كتاباتي ولا أضع رقابة على نفسي في الكتابة، إنما المحظور سيكون الرقاقة في السرد والرتابة بالتكرار، وهو ما يفسد القصيدة الفنية، والشاعر عليه أن يتوقف فورا عن النظم إذا شعر أنه لا يضيف لنفسه شيئا ولا يقدم جديدا”. ومعروف أن الكتابة تمرد وبناء لحياة أخرى، ولديها من القوة في دفع وإلهاب مشاعر العامة بأشكال مختلفة، وهو ما تسبب في الزج بفؤاد إلى السجن خلال فترة بين 17 و18 يناير عام 1977 التي شهدت غضبا من المواطنين في مصر، جراء قرار ارتفاع الأسعار الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات. وأثرت قصائده الساخنة التي دعت إلى مساندة الفقراء ودعمهم في وجدان كثيرين، ومن أشهرها والتي مازلت تتردد على ألسنة الناس دون أن يعرفوا أنه مؤلفها، قصيدة “اتجمعوا العشاق في سجن القلعة”، وغناها شاعر العامية الراحل أحمد فؤاد نجم. ويعتقد فؤاد أن فترة السجن انعكست بالإيجاب عليه، “لأن السجن معركة إما أن تهزمه وإما أن يهزمك، وتلك فترة كانت ملهمة لكتابة الكثير من القصائد المميزة، وأهمها (مين ساعة يقدر يحبس مصر)”.
مشاركة :