صندوق إبراء الذمة.. «أرح ضميرك»!

  • 9/30/2013
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

عرفت "الذمة" أو "العهد" على أنها أمر شرعي مقدر وجوده في الإنسان يقبل الإلزام والالتزام، ولا تتضمن الحقوق المالية التي تكون للشخص فقط؛ فهي تشمل الحقوق العينية كملكية شيء معين، والحقوق الشخصية كالديون التي تترتب على صاحبها تجاه الآخرين، كذلك الالتزامات المالية التي تترتب على الشخص كالتزامه بمبلغ من المال أو أداء عمل لمصلحة شخص آخر، إضافةً إلى أنه يدخل فيها أشياء صغيرة قد يستهين بها الفرد، كأدوات مكتب الموظف التي تحت يديه، مما يجعلها في ذمته حتى عند انتهاء فترة العمل. ولما للموضوع من أهمية كبيرة، فقد أُنشيء صندوق خاص ب"براءة الذمة" يتبع إلى البنك السعودي للتسليف والادخار، وكشفت آخر الإحصائيات الصادرة من بنك الادخار والتسليف عن بلوغ إيداعات حساب "إبراء الذمة" منذ نشأته وحتى نهاية يوليو الماضي (248.271.918) ريالاً بواقع (27.244) عملية إيداع، فيما بلغت عمليات الإيداع في العام الماضي (4.955) عملية بقيمة (24.949.406.15) ريالاً، وأظهرت الإحصائيات بلوغ مجموع إيداعات الحساب منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر يوليو (20.042.562) ريالاً بعدد (3377) عملية إيداع. ومن خلال هذا الصندوق يضع كل شخص ظلم إنساناً بأخذ حق من حقوقه، أو اختلس مالاً عاماً أو خاصاً، أو اعتدى على حق من حقوق الناس وأراد أن يتوب عن هذا الذنب ويرجع الى الله عز وجل ويرد المظالم إلى أصحابها، يضع المال في "إبراء الذمة"، ويشترط ألاّ يذكر اسمه، ولا أي بيانات عنه، ويتم هذا الأمر في سرية تامة، كل ذلك من أجل أن يُفتح الباب للناس لرد المظالم، والتخلص من أعبائها بشكل خاص جداًّ، بل وسري، حيث يحمل الصندوق شعار: "إذا شعرت أنك أخذت مالاً بغير حق وتريد إرجاعه دون مساءلة، نحن نساعدك"، خاصةً وأن هذه الأموال تُصرف في الأعمال الخيرية، ومساعدة المحتاجين، وكذلك تنفق للأرامل والأيتام والمطلقات ومساعدة الشباب على الزواج. رقيب ذاتي في البداية قال "محمد العواجي": من خلال تجاربي في الحياة أرى أن أي عمل يفعله انسان أو يوكل به ولم يؤده كما ينبغي، فإنه يلجأ الى تعويض هذا النقص بإبراء ذمته، مضيفاً أن ذلك يكون بعدة طرق منها العمل التطوعي لتعويض النقص، أو شراء بعض الأشياء الخاصة بالعمل، وكذلك التبرع ببعض المال أو التصدق به، مبيناً أن صندوق إبراء الذمة هو صندوق لكل من دخل عليه مال من وجه غير حق، أو قصّر في عمله، لذا عليه تقدير هذا المبلغ وإيداعه في الصندوق، وهذا ما يحفظ للإنسان ذمته ومكانته. وأوضح "سالم الدوسري" أن ضمير الإنسان يجب أن لا يقتصر على وقت معين أو مع نهاية عمله، فما أُخذ بطريقة غير مشروعة في البداية لن ينفع معها الندم في النهاية، مُشدداً على أهمية تكثيف المراقبة العامة وتحفيز الموظفين على مبدأ الرقيب الذاتي، هذا غير أن يعمل الفرد بإخلاص وتفان، وأن لا يُضيع وقت العمل فيما لا يهم ولا ينفع، وأن يكون ما يُقدمه خالصاً لوجهه سبحانه، بلا تجاوزات ولا محسوبيات، وأن لا يأخذ مالاً من غير وجه حق. وأضاف: سمعت عن صندوق براءة الذمة، وهو حساب خُصّص لمن شك أو ندم عن مصدر مال أخذه من غير وجه حق، وعن طريق هذا الحساب يدفع المال المشكوك فيه إبراءً لذمته، على أن يعود ريعه للمحتاجين في البلد، مؤكداً على ضرورة أن لا يكون تعزيزاً للناس في هدر المال العام والحصول عليه وامتلاكه. عدة خيارات وأشار "ماجد بن سعد الحسيني" -باحث اجتماعي- إلى أن صندوق إبراء الذمة أنشأ من أمر المقام السامي، وهو حساب بنكي خاص يودع فيه من أراد ابراء ذمته تجاه المال العام، مضيفاً أنه يقدم على شكل "هبات" ووقف خيري ودعم لحساب الضمان الاجتماعي، ويستهدف موظفي الدولة في القطاع الحكومي وأيضاً الخاص، ومن حصل له تقصير أو غيره وأيضاً من إساءة له نفسه بالاختلاس، مضيفاً: "كيف أبرأ ذمتي؟، أولاً على الإنسان أن يتوب لله عز وجل ما قدمه من تقصير في أداء الأمانة، ويكثر من الاستغفار، ثانياً أعتقد أنه له عدة خيارات، وأهمها خياران، وأنا شخصياً طبقتها عند انتهاء أحد الأعمال في إحدى الوظائف بعد أن قدمت استقالتي، حيث تبرعت للجهة بجميع مستحقاتي بعد انتهاء الخدمة، صحيح أن المبلغ لم يكن مجزياً، لكن كما تعلمون فهو إبراء للذمة، كذلك قمت بأعمال تطوعية لمدة ثلاثة أشهر بدون أي مكافأة". وذكر أن الفساد انتشر وشاع في البلدان من ضعاف النفوس وعلى هذا أقره خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، مبيناً أننا مجتمع مسلم ويغلب علينا طابع التدين، فمهما صدر من الفرد سلوكيات أو أفعال خاطئة، عليه أن يرجع الى صوابه. آفة كبيرة وأوضح "فهد بن محمد السلوم" أن براءة الذمة الوظيفية هي أن يكون هناك تقصير في العمل وأوقات "الدوام" وعدم المبالاة في الوظيفة، وصندوق "إبراء الذمة" حساب خُصّص لإعادة أي مبلغ تم أخذه من دون حق، سواء بالاختلاس، أو سوء استخدام المنصب، سواء كانت عينية أو نقدية، وهو أحد أكبر الآفات التي تعاني منها الدول النامية في عالمنا الثالث، وهي سبب في هدر الملايين، مؤكداً على أن الدين الإسلامي جاء واضحاً وصريحاً في هذا الباب، فقد حرّم التعدي على المال العام، وأكل أموال الناس، مبيناً أنه منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- واستلم زمام الأمور، فإنه قد تعهد بمكافحة الفساد، حيث أنشأ صندوق إبراء الذمة عام م. أمانة كبيرة وقال "د. عبدالعزيز قنصل" -أستاذ العقيدة بجامعة الملك خالد بأبها-: إن براءة الذمة تأتي من عنوانها، وهي أن يكون في ذمة الإنسان شيء ليس له دائماً، وهو عبارة عن أمانة، والله أمر أن ترد الأمانات إلى أهلها، مضيفاً أن الإنسان مستأمن على ما أُعطي أياه ليستخدم للصالح العام، فالموظف قد يعطى مكتب وهاتف وسيارة، وذلك لاستخدامها لتسيير أمور العمل، مؤكداً على أن استخدامها في غير ذلك دون أذن من صاحب المُلك يعتبر خيانة، وليس شرطاً أن تكون السرقة أموال كبيرة، أو أدوات مهمة، بل قد يدخل بها الشيء اليسير، موضحاً أن هذه أمانة وقد تكون الأمور اليسيرة أخطر من الكبيرة، مشيراً إلى أن الأمور الكبيرة محرمة، أما الصغيرة فيستهين بها الناس ويستحلونها، مع أن الإنسان يجب أن يحافظ على الأشياء التافهة؛ لأنها تدخل ضمن الأمور الكبيرة. وأضاف: في عهد النبي أستشهد بعض الخدم الذين كانوا يحملون الماء في بعض المعارك، فقال الناس هنيئاً له الشهادة، فقال النبي كلاّ والله أنه ليعذب في بردة تحلها وأنها لتصطلي عليه ناراً، فأرتاع الناس وأقبلوا من كل حدب وصوب كل واحد يلقي ما في يده حتى أن بعضهم أخذ يلقي بالسواك ممن أخذ بأرض المعركة، وهذا يدل على إدراك الصحابة لمعنى براءة الذمة. مجتمع خير وأوضح "د. قنصل" أن الله سبحانه وتعالى يقول: "ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة"، وهذه الآية تدل على أن أي شيء كان صغيراً أو كبيراً وعلى الإنسان والموظف سواء كان كبيراً أو صغيراً أن يتق الله فيما تحت يده مما ليست له، وإنما هو عهدة عليه، مبيناً أن الناقد البصير يعلم أن الموازيين يوم القيامة ستنصب ولا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلاّ أحصاها حتى لو كانت مثقال حبة "خردل"، وهي لا تكاد ترى بالعين، فإذا جيء بمثل هذه فقطعاً سيأتي بما هو أكبر، لافتاً إلى أنه فيما يتعلق بالصندوق فإن الذمة تبرأ من الأخطاء التي أخذت بدون قصد، أو بدفع قيمة المأخوذ بالكامل، ذاكراً أن براءة الذمة تحدث بالمتلفات دون قصد، أما إتلاف المال العام ومن ثم دفع مال بأقل من قيمته ويضع بالصندوق كإبراء الذمة، فهذا احتيال وليس براءة. وشدّد على أن أخطر ما يكون استحلال سرقة الدولة بحجة أن المال للدولة وليس لزيد أو عمر، لذلك فإن أمة محمد كلها يوم القيامة سيكونون خصيم من أخذ من مال المسلمين، وأنه على الإنسان أن يبرأ ذمته بشتى الطرق والوسائل ويستغفر الله على ما قدّم من حياته، مؤكداً على أن ما نسمعه من أرقام تضاف لحساب الصندوق مؤشر على إقبال الناس إلى الله عبر التوبة والاستغفار وإبراء ذممهم عبر رد الأموال التي أخذت بغير وجه حق، وهو دليل على أن مجتمعنا ما زال بخير، وأن هناك ضمائر حيّة قادرة على الاستيقاظ قبل الموت والحساب.

مشاركة :