وصف رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الأوضاع في لبنان بأنها كارثية وتهدد بالانهيار، وكان رئيس الجمهورية يشير إلى الواقع السيء والمعروف في لبنان أمام زوّاره، ليثير انتباه الجميع إلى الأزمة الحكومية التي طالت واتسعت بسبب مواقف القوى السياسية، وتمسكها بمطالب تبدو شكلية إذا ما قيست بأضرار تأخير تشكيل الحكومة. ولا ينفك المسؤولون في السلطة في لبنان، عن التنبيه إلى المخاطر المالية والاقتصادية والاجتماعية الداهمة، بسبب إدارة الظهر للأزمات ولسبل مواجهتها، وإلى البدء بتطبيق الخطط الإصلاحية التي أقرها مؤتمر سيدر لدعم لبنان في باريس بضمانة تتجاوز 11 مليار دولار. ورغم المواقف المتطابقة بين مختلف القوى اللبنانية في النظر إلى أوضاع لبنان المالية، فإن لبنان يبقى عاجزا عن تشكيل حكومة رغم مرور نحو سبعة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليفها. وكما بات معروفا فإن العجز عن تشكيل الحكومة، أو تعطيل هذه العملية، ناشئ عن قرار إقليمي نفذه حزب الله من خلال ربط عملية تأليف الحكومة بتمثيل ما يسمى نواب سنة 8 آذار، وهذا أمر خرج كأرنب من كمّ الساحر لحظة إنجاز التشكيلة الحكومية وقبل ساعات من توقيع مراسيمها. التعطيل سمة إقليمية في هذه المرحلة، فالعراق أيضا في نفس المأزق، حيث تعمدُ إيران إلى محاولة استثمار كامل قدراتها التعطيلية من أجل استدراج أطراف إقليمية ودولية إلى طاولة حوار تتصل بالعقوبات الدولية على إيران. في لعبة التصعيد والتعطيل، أي التصعيد المتبادل بين طهران من جهة ونظام العقوبات الأميركية عليها من جهة ثانية، دخلت إسرائيل بقوة على خط استثمار العقوبات في سبيل المزيد من تحسين شروط نفوذها الإقليمي، وكانت تدرك أن إيران أو أذرعها ليست في وارد خوض حرب معها، انطلاقا من اعتبارات تتصل بأولويات النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، ولأسباب روسية بدرجة ثانية، ولأن القيادة الإيرانية اليوم ليست في وضعية تتيح لها الدخول في أي حرب لأسباب اقتصادية وإستراتيجية بدرجة ثالثة. لذا دخلت إسرائيل على خط أزمة لبنان، ولوحت بضربة عسكرية لمواقع تزعم أنها مراكز صناعة صواريخ داخل لبنان تابعة لحزب الله، فيما رفضت واشنطن فكرة الضربة العسكرية ومنعتها، ورفضت طلبا إسرائيليّا بفرض عقوبات على لبنان، حيث نقلت واشنطن عبر دبلوماسيتها في لبنان إلى رئيس الجمهورية، رسالة بهذا المضمون. وفي موازاة الرسائل الأميركية إلى لبنان، فإن روسيا أيضا مهتمة بالعلاقة الإيرانية الإسرائيلية، وفي المعلومات أن روسيا نقلت رسائل إسرائيلية إلى طهران، تتضمن تحذيرا لإيران وحزب الله من تحويل لبنان إلى ساحة تعويض لما ستخسر إيران في سوريا، وتضيف المعلومات أن روسيا نقلت رسائل طمأنة إيرانية بأن لا نوايا عدوانية لديها على إسرائيل، وأرفقت هذه الرسائل بخرائط لأنفاق محفورة بين لبنان وإسرائيل، وفي حين تعتبر إسرائيل أن المطلوب معالجته هي الصواريخ طويلة المدى الموجودة لدى حزب الله، إلا أن إسرائيل بدأت عملية استعراض سياسي ودولي لقضية الأنفاق في محاولة لإظهار أنها هي عرضة لتهديد حزب الله، مع العلم أن حزب الله لم يعد يطالب حتى بتحرير مزارع شبعا اللبنانية، كما كان الحال في خطابه قبل اندلاع الثورة السورية. انتقال الزخم الإيراني إلى لبنان لم يعد مجرد فكرة، بل بات خيارا في ظل سياسة الانكفاء المحتملة أو المرجحة من سوريا التي تفرضها اعتبارات روسية وأميركية فضلا عن عوامل إقليمية أخرى، لبنان يجب أن يكون سندا لإيران في سوريا، لذا فإن سياسة الانتقال نحو السيطرة الإيرانية الكاملة على لبنان، انطلقت من خلال آلية تعطيل عملية تشكيل الحكومة، والتي أراد حزب الله باعتباره الذراع الإيرانية في لبنان والمنطقة، أن يقول لمن يعنيهم الأمر داخليا وخارجيا، أنا من يقرر في لبنان، ولا حكومة من دون موافقتي وشروطي. وما يحول دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية في لبنان هو أن لبنان تحول إلى ساحة تزاحم دولي وإقليمي، ففي لبنان قوات دولية يتجاوز عددها 11 ألف جنديا، معظمهم من الجنسيات الأوروبية، كما هناك المئات من الجنود البريطانيين على الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، فضلا عن التواجد الأميركي عبر التعاون العسكري والتسليح مع الجيش اللبناني. في مقابل ذلك بدأت بعض الدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية بتقديم نفسها دولة تحمل مشروعا لدعم لبنان سياسيا واقتصاديا، حيث أكدت مصادر دبلوماسية سعودية أن الرياض مهتمة بمساعدة لبنان على مواجهة أزمته، وهي لن تقف مكتوفة إزاء المخاطر التي تواجهه، وأكدت هذه المصادر أن تاريخ العلاقة السعودية – اللبنانية يكشف المدى الذي وفرته الرياض لدعم لبنان خلال كل مراحل الأزمات التي مر بها في السلم والحرب. الأزمات التي تتراكم في لبنان على مختلف المستويات، تدفع حزب الله نحو وقف أي محاولة جديّة لمعالجتها، ذلك أنه يحاول من خلال كونه المسيطر أمنيا وعسكريا ومتحكما بالعملية السياسية، فرض قواعد جديدة للحياة السياسية قائمة على أن لبنان لا يمكن أن تستقيم أحواله من غير الاعتراف الدولي والإقليمي بشرعية نفوذه، وطالما أن العقوبات الأميركية مستمرة على إيران وأذرعها فإن لبنان لن يكون بمنأى عنها. لذا فإن ما ينتظر اللبنانيون في الأشهر المقبلة هو المزيد من الغرق في الأزمات التي باتت تعكس مأزق النفوذ الإيراني الذي ليس لديه ما يحمله للبنان إلا المزيد منها.
مشاركة :