الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يهدد مستقبل اللغة العربية

  • 12/18/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت - أدت العولمة واستخدام اللغة الإنكليزية باعتبارها اللغة الرئيسية للإنترنت إلى تراجع اللغات الأخرى، بما في ذلك اللغة العربية، التي بدأت تفقد قوتها بخطى مثيرة للقلق بين الشباب في منطقتها الأصلية. ودقّ باتريك رزق الله، مدرس اللغة العربية والمؤسس المشارك لموقع “تواصل أون لاين” الإلكتروني لتعزيز تعلم اللغة العربية في لبنان، أجراس الخطر. ويقول رزق الله “اللغة تفقد شعبيتها وقيمتها. فالاستخدام الموسع للمواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والتطبيقات مثل ‘واتساب’ و’فيسبوك’ يضر باللغة بشكل واضح”. ويتواصل الطلاب والشباب بشكل عام من خلال التقنيات الحديثة بلغة جديدة باستخدام الأبجدية اللاتينية والأرقام للتعبير عن أنفسهم باللغة العربية. وحذّر رزق الله من أن “إتقان لغة يتطلب استخدامها بصفة متواصلة، وإذا لم يتم استخدامها في التواصل، فسيتم فقدانها ونسيانها في النهاية”. وأشار إلى أنه في حين أن بعض المدارس في لبنان قد أدخلت التكنولوجيا الحديثة في الفصول الدراسية مثل الأجهزة اللوحية، إلا أنه لم يتم فعل الكثير من أجل تحصيل محتوى عربي جدير بالاهتمام على الإنترنت. وجاءت فكرة موقع “تواصل أون لاين” ردا على “تدهور حال اللغة العربية”، كما قال رزق الله الذي طلب المساعدة من مدرسه الخاص، سمير إيليا، وصديقته ضحى أسعد، لتنفيذ المشروع. ويقول رزق الله “هناك نقص كبير في مقاطع الفيديو التعليمية وغيرها من المحتوى السمعي البصري باللغة العربية على الإنترنت. مقابل هذا هناك العديد من المواقع الإلكترونية بلغات أخرى، مثل مواقع متخصصة في الرياضيات والعلوم، لكن لا شيء للغة العربية”. وأضاف أنه غالبا ما يكون هناك تنوع في الأدب الغربي والإعلام أكثر منه باللغة العربية، مما يقود الناس إلى المشاهدة أو القراءة باللغة الإنكليزية. اختلاط اللغات، كان ينظر إليه إيجابيا في الماضي على أنه يعكس تنوع الثقافات في المنطقة، إلا أنه اليوم يهدد لغتها الأم وتم إطلاق موقع “تواصل أون لاين” في العام 2012 خصيصا للطلاب والمعلمين من الصف السابع حتى المرحلة الثانوية. وتطوّرت فكرة وجود موقع على شبكة الإنترنت لتعزيز التعلم باللغة العربية إلى تقديم تقنيات ومحتوى تعليمي عربي جديد. وتساءل رزق الله “لماذا عليّ أن أدرس فقط خليل جبران أو ميخائيل نعيمة عندما يكون لدينا كتاب وشعراء معاصرين يعيشون بيننا ويكتبون عن القضايا المعاصرة؟”. ويضيف رزق الله “نحن بحاجة إلى تحديث المناهج العربية والابتعاد عن طرق التدريس التقليدية، حيث يشعر الطلاب بأن المواد الدراسية التي يدرسونها أبعد ما تكون عن الواقع الذي يعيشون فيه، وهذا أمر خطير للغاية. لذلك يجب أن تكون لغتنا حية ومعاصرة لما نعيشه”. وبالإضافة إلى تحديث التعليم باللغة العربية وتقديم معلومات عن الثقافة العربية، فإن موقع “تواصل أون لاين” يعتبر أيضا منصة للتفاعل بين الطلاب والمعلمين وبين الطلاب الآخرين. حيث يحتوي الموقع على شريط يعرض الأخبار والأنشطة الثقافية، كما يقدم دروسا في القواعد، وتمارين للتطبيق، ومرادفات وشروح. ويقول رزق الله “نقترح تضمين محتوى جديد يعالج قضايا حيوية اليوم، مثل النفايات الإلكترونية أو أزمة البيئة”. ويُعتبر هذا الموقع تفاعليا أيضا. حيث يمكن للمدرسين الإجابة عن استفسارات الطلاب أثناء قيامهم بإجراء التمارين عبر الإنترنت. ومع ذلك، لا يجب اعتبار الموقع بديلا عن التدريس داخل الفصول الدراسية. حيث أن العقبة الرئيسية أمام هذا الموقع هي أنه ليس كل المؤسسات، وخاصة المدارس الحكومية، مجهزة بالتكنولوجيا الحديثة. وعلى الرغم من تراجع اللغة العربية، لا يزال لبنان من الدول التي تتقن اللغة، ويؤكد رزق الله أن العمل الاستباقي ضروري “لأن الأجيال الجديدة تفقد لغتها الأم". ففي الماضي كان سكان المنطقة العربية يقرأون الصحف. وكانت وسائل الإعلام العربية مهمة في اكتساب اللغة. لكن اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي لها الأسبقية عن أي مصدر آخر. وفي حين أن اختلاط اللغات، وهي سمة مشتركة في لبنان وفي كل المنطقة العربية، كان يُنظر إليها بشكل إيجابي في الماضي على أنها تعكس تنوع البلاد وتعدد الثقافات، إلا أنها أصبحت تشكل الآن تهديدا للغة الأم والهوية الوطنية. ويلفت رزق الله بقوله “بعض المدارس لا تعطي أولوية للتعليم باللغة العربية. حتى أن الآباء يريدون أن يتحدث أطفالهم اللغة الفرنسية والإنكليزية بشكل جيد قبل العربية، معتقدين أن الطلاقة في اللغة الإنكليزية يمكن أن تفيدهم كثيرا في مستقبلهم الوظيفي أكثر من طلاقة ألسنتهم في اللغة العربية”. إلا أن رزق الله أشار إن “الصورة ليست كلها قاتمة”. وبدا متفائلا في ختام حديثه، منوّها بما تشهده دول المغرب العربي من نهضة قوية في تعزيز اللغة العربية، بما في ذلك إنشاء مراكز أبحاث لغوية.

مشاركة :