في ذكرى الثورة التونسية.. هل بالخبز وحده يحيى الإنسان

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تونس- بعد سبع سنوات على اندلاع المظاهرات التونسية في سيدي بوزيد التي أذنت ببدء إشعال احتجاج تونسي شديد اللهجة ضد النظام وضد مناويله الاقتصادية والتنموية، يندلع سجال تونسي سنوي؛ ماذا تحقق في تونس منذ ذلك اليوم، 17 ديسمبر 2010، حتى اليوم؟ اقرأ أيضا: ديمقراطية إشراك الجميع في الفوضى والفساد السجال يوحي في مظهره الخارجي بالانهماك في إعداد جرد لما تحقق ومقارنته بما لم يتحقق، ومعيار كيل الكفتين، ما تحقق وما لم يتحقق، هو حتما تلك الشعارات التي ضجت بها الشوارع يومذاك، وأصبحت اليوم أثرا بعد عين ولم تبق إلا كتابة على الجدران والساحات. لكن الأمر يتجاوز ذلك الجرد المبسّط إلى طرح أسئلة أكثر عمقا وأبعد مدى من بحث ما تحقق من عدمه. الأمر يتجاوز الحيز التونسي، وما تخلله من “ثورة” اختلف في توصيفها، ويذهب إلى سجال طال كل الثورات وكل المنعرجات الكبرى في التاريخ البشري: هل بالخبز وحده يحيا الإنسان؟ وهل بوسع الإنسان المعاصر أن يقايض حقوقه الأساسية بحقوقه السياسية؟ وهل يحق له إنجاز ترتيب لأولوياته، المعيشية قبل القيمية أو العكس؟ تطلّ الإشكالية على أكثر من قطر، وتطرح بعد كل منعرج سياسي. طرحت في تونس ومصر بعد الثورات، وبعد بدء مراحل الانتقال السياسي، وطرحت في العراق منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، ولا تزال تطرح اليوم بعد طرد داعش، في استرجاع دائم لمقارنات بين وضع اقتصادي متين تحقق في غياب الديمقراطية. في هذا الصدد يتخذ القول “بالخبز وحده يعيش الإنسان” المزيد من الوجاهة، طالما أنه يتخذ شكل التلميح الخفي إلى لا جدوى المضامين القيمية، الديمقراطية وحقوق الإنسان، في غياب الاحتياجات المعيشية. ماذا سيفعل المواطن بحرية التعبير إذا كان جائعا، بل يمكن له أن يوظفها فقط في التعبير عن حقوقه الاجتماعية، أو أن يركن إلى البحث عن حلول تمكنه من مواجهة تردي المقدرة الشرائية وغلاء الأسعار. ولا شك أن تندر العراقي والمصري والتونسي واللبناني وغيرهم، بتراجع أوضاعهم دليل على سوء الأوضاع والاستخفاف بحرية التعبير؛ أداة ومكسبا في آن. في هذا التصور استرجاع لسجل الثورات عبر التاريخ، والجامع بينها هو كونها لم تندلع يوما من أجل تحسين شروط التفاوض السياسي أو من أجل الترفيع في عدد صناديق الاقتراع، بل اتخذت كل الثورات من الأسباب الاقتصادية، منطلقا وغاية. ولذلك فإن الديمقراطية تفقد كل دلالاتها في غياب الحد الأدنى من الحقوق المعيشية التي تضمن الكرامة. اقرأ أيضا: ليس بمنطق الغنيمة والمكاسب تقيّم الثورات في المقابل يتكئ المدافعون على أهمية الحريات والديمقراطية، على استحالة الفصل بين الحقوق الاقتصادية والسياسية، تبعا لاتصالها وترابطها. ولكن إن تحققت حرية التعبير وحقوق الإنسان، في ظل واقع اقتصادي واجتماعي موسوم بالعسر والتردي فإن حرية التعبير تتحول إلى آلية للاحتجاج والتغيير. ألم تستفد حركة “السترات الصفراء” من مناخ الحرية السائد في فرنسا لتغيير الواقع الاقتصادي، وهو واقع أفضل بكثير من جل الأقطار العربية؟ هنا تتخذ الديمقراطية مفهوما أوسع من الاختصار الذي تقيم به في البلاد العربية. فالديمقراطية ليست صندوق اقتراع وانتخابات تجرى كل سنوات محددة لتسفر عن تغيير الوجوه السياسية المرابطة في البرلمانات أو في شاشات التلفزيون، وإنما هي مناخ سياسي متكامل تتداخل فيه الأبعاد الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية والحقوقية والقضائية، ودونه تصبح الديمقراطية ضربا من ذر الرماد على العيون أو إيهاما للناس بنزول الغيث النافع. الديمقراطية حين تتحقق تضمن للمواطنين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية أو تحاول، وتضمن للمواطنين حقوقهم كافة، بما في ذلك حرية التعبير والتنظم والاحتجاج كلما أصاب حقوقهم خدش أو تصدع.

مشاركة :