كرة القدم تجني المليارات ولا تدفع سوى الفتات لمكافحة العنصرية

  • 12/18/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هيرمان أوسيلي، رئيس منظمة «كيك إت أوت» الخيرية لمناهضة العنصرية في مجال كرة القدم، والذي لا يحصل على أي مقابل مادي كأجر نظير عمله في تلك المنظمة خلال السنوات الطويلة الماضية قرر الثلاثاء الماضي إحالة نفسه إلى التقاعد بنهاية هذا الموسم.ولعل الشيء الذي يلخص الحال الذي وصلت إليه الرياضة في الوقت الحالي هو أن أوسيلي الذي سيبلغ الـ74 عاما الشهر المقبل سيكون محظوظا لو حصل على كلمة شكر من الأندية الإنجليزية، التي قررت في نفس الوقت منح «ساعة ذهبية» كهدية وداع لريتشارد سكودامور، الرئيس التنفيذي للدوري الإنجليزي الممتاز، ومنحه مبلغ خمسة ملايين جنيه إسترليني كمكافأة لنهاية الخدمة!.ولعل الشيء المثير للدهشة والاستغراب يتمثل في أن حملة «كيك إت أوت» المناهضة للعنصرية تتلقى تمويلها من الدوري الإنجليزي الممتاز والاتحاد الإنجليزي لكرة القدم ورابطة كرة القدم ورابطة لاعبي كرة القدم المحترفين، وبالتالي يتعين على الحملة أن تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع مسؤولي هذه المؤسسات ولا يمكنها أن تستجوبهم في حال تقصيرهم عن أداء عملهم في مجال مكافحة العنصرية.ومع ذلك، لا يمكن لأي شخص أن يتهم أوسيلي بالتهاون في عمله في مجال مكافحة العنصرية منذ الأحداث الأخيرة التي اتهم فيها أحد مشجعي تشيلسي بتوجيه إهانات عنصرية للاعب مانشستر سيتي رحيم ستيرلنغ في مباراة الفريقين الأسبوع الماضي. ويتعين علينا جميعا أن ندرك أن قشر الموز الذي يُقذف على اللاعبين أصحاب البشرة السمراء، كما حدث مع النجم الغابوني بيير إيمريك أوباميانغ في دربي شمال لندن بين آرسنال وتوتنهام، لم يكن أمراً جديداً، لكنه كان موجوداً حتى قبل أن يولد مهاجم آرسنال.لقد أراد أوسيلي أن يعرف لماذا لم يظهر سكودامور ورئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، غريغ كلارك، لإدانة ما حدث لستيرلنغ في ملعب «ستامفورد بريدج». وأراد أن يعرف أيضا لماذا يختبئ المسؤولين في أعلى المناصب الكروية في إنجلترا خلف حملة «كيك إت أوت»؟ وأشار أوسيلي إلى أن كرة القدم لا تزال تفتقر إلى القادة والمسؤولين الجديرين بالثقة والقادرين على اتخاذ قرارات حاسمة. ويإتي هذا بعد ربع قرن من أول مرة يتهم فيها أوسيلي الهيئات ذات الصلة بغض الطرف عن العنصرية.وقال أوسيلي: «يجب على المسؤولين عن هذا الفشل أن يتحملوا مسؤولية هذا الأمر مثلهم مثل مرتكبي جرائم الكراهية والعنصرية أنفسهم». وقد يقول القارئ إن هذه التصريحات من شأنها أن تؤثر كثيرا على حملة «كيك إت أوت» عندما تتفاوض من أجل الحصول على نسبة من حقوق البث التلفزيونية لمدة ثلاث سنوات، لكن الحقيقة هي أنه يتعين علينا جميعاً أن نرفع القبعة احتراماً لهذا الرجل الذي اتسم بالصراحة والصدق وصرح بما يؤمن به تماماً.وكتب سكودامور يوم الأربعاء الماضي مقالاً في صحيفة «التايمز» عبر خلاله عن حرصه على بذل مؤسسته لكل جهدها في هذا المجال، وأضاف: «إننا ندرك تأثير ومسؤولية الدوري الإنجليزي الممتاز في كل جانب من جوانب عملنا. ومرورا بـ75 ألف متفرج في الملعب وصولا إلى الباحثين في أكاديمياتنا، ومن برامج المشاركة المجتمعية إلى ملايين المشاهدين في جميع أنحاء العالم، فإننا ندرك حجم القوة التي تمتلكها مسابقتنا من أجل تغيير المواقف والسلوك في مجالات المساواة والتنوع والإدماج».قد تبدو هذه التصريحات جميلة ورائعة، لكن يجب أن نعرف أن الصفقة الأخيرة لعائدات البث التلفزيوني لمباريات الدوري الإنجليزي الممتاز قد بلغت 8.3 مليار جنيه إسترليني، في الوقت الذي يخصص فيه سكودامور وزملاؤه ما يقل عن 280 ألف جنيه إسترليني سنوياً للمساعدة في إبقاء منظمة «كيك إت أوت» على قيد الحياة من أجل مناهضة العنصرية!. ويعني هذا أن الأموال المخصصة لهذه المنظمة تشكل نحو 0.01 في المائة من عائدات البث التلفزيوني. أو بعبارة أخرى، سوف يستغرق الأمر 18 عاماً بهذا المعدل حتى تحصل حملة «كيك إت أوت» من الدوري الإنجليزي الممتاز على ما يعادل ما جمعته أندية الدوري الإنجليزي الممتاز معاً لكي تعطيه لسكودامور كمكافأة لنهاية الخدمة، بعيداً عن راتبه السنوي البالغ 2.5 مليون جنيه إسترليني!.ولا يتوقف هذا الأمر على الدوري الإنجليزي الممتاز وحده، فعندما أعلن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أن رئيسه التنفيذي، مارتن غلين، سوف يرحل في نهاية الموسم، وجه له الاتحاد تهنئة في بيان مكون من 651 كلمة - في مقابل 71 كلمة فقط لإدانة العنصرية التي تعرض لها ستيرلنغ، بل وكانت تلك الكلمات عبارة عن «قص ولزق» من بيان آخر اعتاد الاتحاد على نشره في مثل هذه الأحداث. ووجه بيان الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الشكر لغلين على قيادته الحكيمة التي «غيرت ثقافتنا»، بمعنى توظيف المزيد من النساء والعمال من أصحاب البشرة السمراء والآسيويين والأقليات العرقية.ويجب الإشارة إلى أن فترة غلين كرئيس للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قد تزامنت مع التجربة الأكثر فشلاً وتدهوراً في التاريخ الحديث للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، والتي تضمنت ثلاثة استجوابات مختلفة تتعلق بالتصريحات العنصرية لمارك سامبسون، المدير الفني السابق لمنتخب السيدات، والمثول الكارثي أمام لجنة الثقافة والرياضة والإعلام، حيث وصفت كلارك ادعاءات العنصرية المؤسسية بأنها «تافهة»، ثم واجه غلين اتهامات من إيني ألوكو، اللاعب صاحب البشرة السمراء الذي ثبتت صحة شكواه أخيراً، بأن سلوكه «يقترب من الابتزاز».ولو أصر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على تصوير غلين على أنه أحد الرواد في هذا الأمر، فيجب أن نشير إلى أنه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 كان يتعين عليه أن يستقيل من منصبه، كما يجب أن نشير أيضاً إلى بعض الاعتذارات الأخرى التي قدمها خلال هذا «التغيير الثقافي». وفي ذلك الوقت، على سبيل المثال، شبه غلين نجمة داود بالصليب المعقوف للنازية. وجاءت تعليقات غلين عندما حاول شرح قرار الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بإدانة المدرب الإسباني لمانشستر سيتي جوسيب غوارديولا الذي ارتدى وشاحاً أصفر، تعبيراً عن مساندته لزعماء حركة استقلال كاتالونيا الذين اعتقلتهم السلطات الإسبانية.ويجب أن نشير أيضاً إلى تصريحاته التي قال فيها إنه عين عمداً كاثرين نيوتن، وهي امرأة سوداء، كمحامية للتحقيق في قضية المدير الفني لمنتخب إنجلترا للسيدات، مارك سامبسون - الذي تم فصله في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي على خلفية الاتهامات بالعنصرية - بسبب جنسها وعرقها. ونتذكر جميعاً أن غلين قد سحب تلك التصريحات في الجلسة البرلمانية التالية، مشيراً إلى أنه كان متعباً «في نهاية يوم طويل»، وأضاف أن تصريحاته لم تكن «مجموعة من الأكاذيب بل كانت بمثابة زخرفة وتزيين».وفي الوقت نفسه، فإن مساهمة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم تحت قيادة غلين في حملة «كيك إت أوت» تقل عن 125 ألف جنيه إسترليني في السنة (وهي نفس مساهمة رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين ورابطة كرة القدم). ومن الواضح أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لا يعتقد أنه من الضروري إعطاء حملة «اعطوا العنصرية البطاقة الحمراء» أي جنيه.في الواقع، فإن الهيئة الوحيدة التي تساعد حملة «اعطوا العنصرية البطاقة الحمراء» مالياً هي رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين، والتي تمنحها نحو 50 ألف جنيه إسترليني سنوياً. ويعد هذا مبلغاً زهيداً في حقيقة الأمر عندما نعرف أن رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين لديها رصيد في البنوك يصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني، وافتتحت مكتباً في لندن بتكلفة 5.2 مليون جنيه إسترليني في عام 2016، وتدفع لغوردن تايلور ما يصل إلى 2.3 جنيه إسترليني سنويا (حتى قبل احتساب المكافآت). ويبدو أن رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين ليس لديها أي مشكلة مع إنفاق رئيسها التنفيذي مبالغ ضخمة على الأعمال الفنية المكلفة للغاية وتذكارات كرة القدم.والآن، قد نرى نمطاً أو اتجاهاً جديداً يظهر على السطح. فعلى سبيل المثال، كم مرة سمعت شخصاً يتهم منظمة «كيك إت أوت» بأنها غير قوية بما فيه الكفاية؟ في الحقيقة، قد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، نظراً لأن المنظمة يعمل لديها 18 شخصاً فقط، وكانت تحتاج إلى «إنقاذ مالي» أكثر من مرة. ويتفق الجميع على أنها تحتاج إلى دعم، لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك دون وجود متابعة مناسبة ودعم كامل من الرياضة التي تمتلك بالفعل أموالاً طائلة؟ ويجب الإشارة إلى أن الأموال موجودة بالفعل في هذه الرياضة، لكن هل هناك رغبة في المساعدة؟ وهل الأشخاص المعنيون يدركون أن هذا الأمر مهم بما فيه الكفاية؟ويجب الإشارة أيضاً إلى أن هذه القصة ليست جديدة على الإطلاق، فقد تعرضنا لهذا الموضوع في عام 2013، ثم مرة أخرى بعد ثلاث سنوات، عندما استخدم اللاعب السابق ريو فرديناند سيرته الذاتية لوصف «كيك إت أوت» بأنها «غير مجدية»، حيث اشتكى من أنه لم يحضر أي عضو من أعضاء هذه المنظمة محاكمة مدافع تشيلسي السابق جون تيري، الذي كان يحاكم بتهمة توجيه إهانات عنصرية للشقيق الأصغر لريو، أنطون فرديناند.لكن الحقيقة هي أن أحد ممثلي «كيك إت أوت» قد حضر جميع الأيام الخمسة لجلسات تلك القضية، وجلس بجوار والدي فرديناند، جوليان وجانيس، للتعبير عن تضامنه معهما. وكان ريو، الذي ادعى أن أسرته ستتبرأ منه إذا ارتدى أحد قمصان حملة «كيك إت أوت»، سيعرف ذلك لو حضر إحدى هذه الجلسات ولو لدقيقة واحدة!.وعلى الأقل، فإن سكودامور على استعداد للاعتراف بأنه «من الواضح للغاية أنه يجب بذل المزيد من الجهد» في هذا الإطار، وأن هيئته يتعين عليها أن «تضاعف جهودها». وإذا كان سكودامور يعني ما يقوله، دعونا نرى ما إذا كان مستعداً لتقديم الدعم المالي لمنظمة «كيك إت أوت» لمساعدة المجموعات الرياضية المناهضة للعنصرية على التوسع. وإذا لم يفعل ذلك، فإن الأمر لن يعدو كونه وعوداً فارغة بلا أي أهمية. ولكي نعرف أن الأمر يبدو ساخراً للغاية، يجب أن نتذكر أن رابطة كرة القدم كانت قد توقعت قبل بضع سنوات أن تعمل حملة «كيك إت أوت» في جميع الأندية الـ72 التابعة لها، لكنها لم تعط تلك الحملة جنيهاً واحداً!.

مشاركة :