قبل أيام اطلعت على مقال للكاتب وليد توفيق النجادي معنوناً بـ«الفيل الأبيض»، ولقد وجدت ذلك المقال، الذي نشر في جريدة «الجريدة» يوم 15 ديسمبر الجاري، موفقاً ويتعامل بشكل موضوعي مع الأوضاع الاقتصادية في الكويت. لا بد من التأكيد أن الكثير من المشاريع والمؤسسات في الكويت لا تمثل سوى أفيال بيضاء لا فائدة ولا جدوى منها. إذا أخذنا بعين الاعتبار المؤسسات والهيئات الحكومية فإننا لا بد أن نجد العديد من الهيئات التي تأسست خلال السنوات المنصرمة لإنجاز مهام معينة، ولكن المرء يجدها لا تؤدي أي واجبات ذات أهمية للمجتمع، ولا تمثل أي إضافة في الحياة الاقتصادية. وربما تكون هذه الجهات متكررة في أغراضها Redundant، حيث توجد إدارات وأقسام في الوزارات يمكن أن تقوم بتلك الواجبات التي يفترض أن تكون تلك الهيئات منوطة بها. ولذلك، فإن قيام هذه الهيئات أو المؤسسات لا ينتج عنه سوى زيادة أعباء الإنفاق العام وتنفيع عدد من كبار الموظفين المعينين فيها.. ويفترض في ظل الأوضاع المالية الراهنة والناتجة عن تراجع إيرادات الخزينة العامة نتيجة لانخفاض أسعار النفط، أن تجري عملية ترشيد وإعادة نظر في هذه المؤسسات والتأكد من جدوى استمرار وجودها. هناك أنشطة عديدة في القطاع الخاص تعتبر متكررة بما يشكل تشبعاً في قطاعات اقتصادية مهمة، خصوصاً قطاع الخدمات والتوزيع السلعي، بما يتطلب من أصحاب الأعمال التأكد من القدرة على المنافسة المعقولة في سوق تعج بالوحدات الاقتصادية القائمة على الآمال الوردية غير الواقعية. لا شك أن التوسع في الأعمال الصغيرة والمتوسطة خلال السنوات القليلة الماضية قد فاقم من ظاهرة التشبع في أنشطة خدمية مثل المطاعم والمقاهي والخدمات الشخصية الأخرى. غني عن البيان أن قيام صندوق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة قد حفز الكثير من الشباب على تأسيس أعمالهم في الوقت الذي تصورت الإدارات السياسية أن ذلك سيؤدي إلى تخفيف الطلب على الوظائف الحكومية. بطبيعة الحال ان الاقتصادات الناجحة تعتمد على المؤسسات الصغيرة التي تمثل نسبة مهمة من المؤسسات في اقتصادات السوق وتساهم بنسبة لا بأس بها في الناتج المحلي الإجمالي، لكن تلك المؤسسات تعتمد على رساميل خاصة وتمويلات من النظام المصرفي الطبيعي، وليس من صناديق حكومية توفر تمويلات ميسرة. كان من الأجدى أن يكون هناك مصرف للتنمية، أو تحويل بنك الكويت الصناعي إلى بنك تنمية شامل، وتمكينه من توفير التمويل المتخصص والطويل الأجل لتلك المشاريع، وأيضا إفساح الفرص أمام البنوك التقليدية لتقديم التمويلات لتلك المشاريع بموجب شروط محددة. كما أن هذه المشاريع أضافت أعدادا من العمالة الوافدة غير الماهرة إلى سوق العمل بدلاً من توفير فرص عمل واقعية للكويتيين. هناك أفيال بيضاء أخرى في البلاد تتمثل في المساكن التي شيدت على مدى السنوات والعقود الماضية، حيث نجد أن الكثير من الكويتيين الذين حصلوا على أراض وقروض من هيئة الإسكان وبنك الائتمان، أقاموا منازل تزيد مساحاتها المبنية على الألف متر مربع بما يجعلها تفيض عن احتياجات قاطنيها وتدفع بعضهم إلى تأجير جزء منها. هذه المنازل تؤدي بأصحابها إلى الاستعانة بعمالة منزلية كبيرة بما يزيد من أعدادها، وهي تصل حاليا إلى ما يزيد على 650 ألف عامل وعاملة منزل. الأموال التي تستثمر في هذه المساكن كان يمكن توظيفها في أنشطة أكثر نفعاً للبلاد والعباد، ناهيك عن أن هذه الأموال في غالبيتها تأتي على شكل قروض بما يثقل كاهل أرباب الأسر في تأدية استحقاقاتها لزمن طويل.. إذاً فالسلوكيات السياسية والاجتماعية في البلاد أدت إلى زيادة أعداد الأنشطة ومؤسساتها ووحداتها بطرق لا تمت إلى الكفاءة بصلة.. كما أن هذه السلوكيات كرست قيم الإهمال وعدم قياس التكاليف المالية الاقتصادية والاجتماعية على كل المستويات. كيف يمكن أن نطور مفاهيم وقيما جديدة ترتقي بقدرتنا على إصلاح أنظمتنا الاقتصادية؟ عامر ذياب التميمي مستشار وباحث اقتصادي كويتيameraltameemi@gmail.com
مشاركة :