دماء على شاطئ الفرات

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نبيل سالم إذا كانت تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جدية، حول إطلاقه عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات، بحجة تطهير المنطقة ممن تصفهم أنقرة بالإرهابيين الانفصاليين، أي قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور، إذا كانت هذه التهديدات جدية، فإننا على موعد خلال أيام مع دماء جديدة ستسيل على الشاطئ الشرقي للفرات، تعيد إلى الأذهان تلك الدماء التي سالت على شاطئه الغربي في الصراع مع تنظيم داعش الإرهابي، والذي تثبت كل الوقائع وقوف تركيا إلى جانبه ولا سيما في بدايات الأزمة السورية. ومع أن الإعلان التركي عن العملية الجديدة، يأتي في أعقاب نشر واشنطن نقاط مراقبة أمريكية على الحدود السورية مع تركيا، الذي يبدو أنه أخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن طوره، كما يعتقد البعض، إلا أن ثمة علامات استفهام كبيرة يطرحها الموقف التركي الأخير، بل والمواقف التركية كلها إزاء الأزمة السورية، وهي مواقف اتسمت بالبراجماتية، والابتزاز، وعكست بشكل لا لبس فيه الأطماع التركية في الأراضي السورية، سواء في شرق الفرات أو غربه، أو في منطقة الشمال السوري بالكامل. ومع أن الرئيس التركي أردوغان قرأ التحرك الأمريكي الأخير، على أنه تحدٍ لمساعي أنقرة في مواجهة وحدات حماية الشعب الكردية، إلا أن الخطوة التركية المتوقعة، من شأنها أن تزيد من تعقيدات الأزمة السورية، التي تزعم أنقرة أنها تسعى إلى المساعدة في حلحلة عقدها المستعصية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأكيدات الرئيس التركي أن هدف العملية العسكرية الجديدة لن يكون الجنود الأمريكيين في المنطقة، والذين يتواجدون أصلاً من دون أي غطاء شرعي دولي، فإن هذا يعني أن أنقرة وواشنطن، تسعيان لتقاسم النفوذ في الشمال السوري، وأن الخطوة التركية المتوقعة شرق الفرات ستعيد خلط الأوراق في هذه المنطقة، بسبب التعقيدات الجيوسياسية الكبيرة فيها، ما يعني إطالة أمد الصراع في سوريا. ومع أن بعض المحللين السياسيين يرون أن تهديدات أردوغان تأتي من أجل الضغط على واشنطن، وأن أنقرة ربما تكتفي بقصف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية دون أي تدخل بري، إلا أن فتح تركيا لمعركة جديدة في هذه المنطقة، يخفي وراءه أهدافاً غير معلنة، تنسجم والأطماع التوسعية التركية في سوريا، التي باتت على ما يبدو منطقة لتقاسم النفوذ بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، مع الأسف. وطبقاً لمعلومات صحفية كثيرة فإن العملية التركية الجديدة، لن تنحصر في مناطق محددة في شرق الفرات وحسب وإنما ستمتد على كامل الخط الحدودي الذي يتخطى طوله 500 كم. ورغم أن تهديدات تركيا تأتي بحجج غير مقنعة، ذلك أن العلاقة التي تربط أنقرة بواشنطن هي علاقة استراتيجية، رغم كل ما يظهر على السطح من خلافات، إلا أن ما تسوقه أمريكا من حجج لدعمها قوات سوريا الديمقراطية، وسعيها لإنشاء جيش قوامه ستون ألفاً من المقاتلين هناك، تبدو مضحكة أيضاً، حيث تزعم واشنطن أنها تهدف إلى محاربة الإرهاب، والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، علماً بأن أحداً لا يمكنه إنكار الدور الأمريكي في إنشاء «داعش»، ومحاولات واشنطن إطالة أمد الأزمة في سوريا، لاستخدامها ورقة ضغط في وجه روسيا، التي باتت اللاعب الأهم في الساحة السورية، بعد تدخلها العسكري المباشر، والإنجازات التي حققتها في محاربة الإرهابيين في هذا البلد، وخاصة أن موسكو تعتبر معركتها في سوريا، دفاعاً عن أمنها القومي، في ظل التحشيد الأمريكي والغربي ضدها. وهذا يعني أن شرق الفرات سيتحول في المرحلة القادمة إلى ساحة صراع للأجندات الخارجية، التي يسعى أصحابها إلى استغلال الأزمة السورية لتحقيق مكاسبهم الخاصة، على حساب سلامة ووحدة الأراضي السورية، التي تتشدق الأطراف الخارجية باحترامها. وأغلب الظن أن مضمون تصريحات الرئيس أردوغان نقل إلى المسؤولين الأمريكيين قبل إعلانه للرأي العام، خاصة بعد زيارة أنقرة التي أجراها المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري. حيث يعتقد أن المسؤولين الأتراك ربما أبلغوا جيفري خلال هذه الزيارة، صراحة أو ضمنيًّا، بأنّ بلادهم تستعد لتنفيذ عملية في شرق الفرات، وهذا ما يفسر تأكيد أردوغان أن قواته لن تستهدف أبداً القوات الأمريكية، بل إنّ هدفها العناصر الإرهابية في المنطقة، على حد تعبير الرئيس التركي. وهذا ما يعيد إلى الأذهان عملية كاراجوك التي نفذها الجيش التركي في أبريل/نيسان من العام 2017، حيث أطلعت القيادة العسكرية التركية المسؤولين الأمريكيين على إحداثيات المناطق التي سيستهدفها الجيش التركي قبل ساعة واحدة من بدء العملية المذكورة، ما يعني أن أنقرة ربما تتبع أسلوباً مشابهاً بالنسبة للعملية العسكرية المحتملة في شرق الفرات. وخلاصة القول: إن الشعب السوري هو وحده من سيدفع الثمن في الصراعات الخارجية على بلاده. nabil_salem.1954@yahoo.com

مشاركة :