بين سحر «الدال» والشهادات الوهمية

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الموضوع ليس جديداً في مجال الشهادات الوهمية ولم يظهر اليوم فقط، وإنما هو من الموضوعات المتداولة منذ سنوات طويلة على الصعيد الأكاديمي محلياً ودولياً، ولهذا السبب أنشئت لجنة دائمة للمعادلات في وزارة التعليم لمراجعة الشهادات العلمية التي يتقدم بها أصحابها للحصول على وظيفة حكومية سواء سعوديين أو أجانب.. تتداول كثير من المواقع الإلكترونية وعدد من الكتاب بين وقت وآخر موضوع الشهادات الوهمية وانتشارها بين عدد من فئات المجتمع. ولقد أعادت هذه النقاشات المتكررة الذاكرة إلى أيام دراستي للدكتوراه في جامعة جورج واشنطن في مجال التعليم العالي قبل ما يقارب عشرين عاماً حينما طلب أستاذ إدارة التعليم العالي في الكلية من طلابه، وكنا ستة، كتابة تقارير عن المؤسسات التعليمية الأميركية المتخصصة في تقويم أداء الجامعات الأميركية، وكان من ضمنها زيارة مجلس التعليم الأميركي "American Council on Education"، وهو المظلة العامة للتعليم العالي في أميركا تقريباً. وبعد مقابلات مع المسؤولين هناك وحديث عن التعليم العالي في أميركا وكفاءته، أشاروا في معرض الحوار إلى أن مشكلة الشهادات الوهمية ليست جديدة في المجتمع الأميركي، وقدموا لي كتاباً أصدره المجلس بعنوان "Diploma Mills" أو مطحنة الشهادات، تتضمن قائمة لأكثر من أربعة آلاف اسم في ذلك الوقت تمنح شهادات رمزية تتراوح أسعارها بين 350 دولاراً، وقد ترتفع إلى 3500 دولار تبعاً لأهمية الاسم، فكلما كان الاسم قريباً من اسم جامعة مشهورة كلما ارتفع السعر. فالموضوع ليس جديداً في مجال الشهادات الوهمية ولم يظهر اليوم فقط، وإنما هو من الموضوعات المتداولة منذ سنوات طويلة على الصعيد الأكاديمي محلياً ودولياً، ولهذا السبب أنشئت لجنة دائمة للمعادلات في وزارة التعليم لمراجعة الشهادات العلمية التي يتقدم بها أصحابها للحصول على وظيفة حكومية سواء سعوديين أو أجانب. أعود إلى موضوع هذه النقاشات التي نشأت في وسائل الإعلام وبين الأروقة الأكاديمية والتي يعود جزء من مبرراتها إلى سحر حرف "الدال" واعتقاد كثيرين بأنه يفتح أبواب المجد لصاحبه، ويمنحه فرصاً قد لا تكون متوفرة من دونه، كما أن النظرة الاجتماعية لصاحب "الدال" ساعدت على تغلغل هذا السحر في المجتمع.. ثم إن مما ساعد على تفشي هذا الأسلوب انتشار التعليم عن بعد وتعدد أساليبه مما سهل التواصل بين الطالب والمؤسسة التعليمية.. ولهذا فيمكن تصنيف الشهادات إلى أربعة أقسام: شهادات بدرجات مختلفة وخاصة الماجستير والدكتوراه وتأتي من جامعات معروفة ومحترمة وبناء على إجراءات ووسائل معروفة وهذه لا غبار عليها، وهذه لم تكن في يوم من الأيام مثار جدل أو نقاش. شهادات من جامعات معروفة متوسطة الشهرة، ولكنها قد تتسامح في قضايا الحضور والمواد الدراسية، وإن اشترطت حضوراً فهي تشترط فصلاً دراسياً أو فصلين على الأكثر ثم يبدأ الطالب بإعداد الرسالة العلمية في نفس التخصص سواء في مقر الجامعة أو في مكان إقامته.. وهذا ما تراجعه في الغالب لجنة المعادلات في وزارة التعليم فقد لا تعتمد الشهادة أصلاً إذا كان هناك إخلال بشروطها العلمية حتى لو كان الاسم حقيقياً ومعروفاً، فقد تكون الجامعة لم تحصل على الاعتماد الأكاديمي في هذا البرنامج أو ذاك من جهات متخصصة فترفضها اللجنة، وفي أحوال أخرى قد توافق عليها وظيفياً دون الاستفادة الأكاديمية منها. شهادات تقدمها جامعات قليلة الشهرة، أو مجهولة، أو حديثة النشأة عن طريق التعليم عن بعد، وهذه محل نظر فإن أراد منها الطالب الاستفادة العلمية دون ربطها بمزايا مادية أو أكاديمية أو معنوية فلا غبار عليها، أما إذا كان ينوي الاستفادة منها في سيرته الذاتية فلابد أن يوضح أنها شهادة حصل عليها عن طريق التعليم عن بعد. شهادات وهمية، وهي أكثر من أن تحصر، ومن الصعب تحديد مصادرها، فينبغي أن تعامل على أنها لوحة تزيين فقط لمكتب صاحبها، وإذا وضعها في سيرته الذاتية بهدف الاستفادة منها فهنا يفترض مقاضاته بتهمة التزوير والتدليس. ومن خلال متابعتي لما كتب ولما هو منشور عن بعض الأسماء التي حصلت على شهادات وهمية أو مزورة أو من جهات غير معترف بها، يتبين أنها محدودة، ولا تشكل ظاهرة خطيرة، ولكن على وزارة التعليم وهيئة مكافحة الفساد أن تضع الضوابط الكفيلة بعدم استفادة ضعاف النفوس من هذه الشهادات؛ لأن الملاحظ أن بعض من يحصلون على هذا النوع من الشهادات يكون حضورهم الاجتماعي طاغياً، ودائماً ما يصرون على أن يسبقهم حرف الدال.

مشاركة :