شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- نثر الورد في طريق الدعوة إلى الإسلام الصافي بالحكمة والموعظة الحسنة، على الرغم من المعوقات الكثيرة، ليخرج الدعوة السلفية في ثوب قشيب ناصع. وفي المقابل يظهر -بين الفينة والأخرى- من يتتبع الورد الذي نثره المجدد ليضع الشوك فوقه! كما تحكي لنا كتب المناوئين لهذه الدعوة النجدية المباركة وأتباعهم حتى يومنا هذا. نعم، هذا الحقد والدغل هو حال النابتة الذين شوّهوا سمعة العقيدة السلفية الصافية، التي قيّض الله لها المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب. والذي يزيد الألم ألما، أن بعض هؤلاء المُعترضين بأشواكهم قد رضعوا عقيدة السلف مع لبن الثدي! فأيّ عقوق قد ارتكبوه! وأيّ خيانة وقعوا في شباكِها؟! ولكن من رحمة الله، أن جعل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ثمارها يانعة يوما بعد يوم. وبحكمة الإمام المجدد، فقد جعل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينظرون إلى دعوته -رحمه الله- بعقول واعية مستنيرة، وبذلك انتشرت في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، وقد رأيتُ ذلك شخصيا في كثير من الدول التي زرتها، فقد كانت دعوة الإمام المجدد، دعوة إصلاحية فريدة من نوعها، مع كثرة الأحزاب والجماعات المناقضة الهاوية، كجماعتَي التبليغ والإخوان المسلمين، وما يُعرف بالسروريين، وغيرهم من الفرق والنحل المنحرفة. فهذه الميزة تدفعنا إلى الحديث عن عوامل نجاح دعوة الإمام المجدد وأسباب انتشارها، حيث قد أبهرت العالم، ويمكن تلخيص هذه الأسباب التي أدت إلى ثبات دعوة الإمام المجدد وتمددها ورسوخها، فيما يلي: 1. طبيعة مبادئ الدعوة: فهي مبادئ واضحة المعالم بلا غموض ولا رموز مناسبة للفِطَر السليمة. 2. سهلة الفهم، بعيدة عن التعقيدات والأمور الفلسفية، ولا غرو فهي الدعوة إلى الإسلام النقي الخالص من شوائب البدع والشركيات. 3. الإخلاص المصاحب لهذه الدعوة المباركة، فكم من الدعوات التي تضمحل بل وتولد وهي ميتة في مهدها. لذا، بذل الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- لدعوته جهده وقواه، وخاطر بحياته ليدفع بدعوته إلى الحياة، حتى جمع حولها الأتباع والأعوان. وبقوة إيمانه بدعوته، وبالغاية التي يسعى إليها استطاع أن يدفع بها إلى النجاح. وقد تميزت دعوته بتحالفها مع القوة السياسية المناصرة لدعوته في الدرعية، المتمثلة في الأسرة المباركة الصالحة المصلحة «آل سعود»، وقد ظهرت هذه القوة منذُ أن اتفق الإمام محمد بن عبدالوهاب، والإمام محمد بن سعود، في الدرعية عام 1157، وقد كان لهذه القوة أثرها الكبير في التمكين للدعوة، وإبلاغ صوتها إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولقد بذل أنصار الدعوة من آل سعود من التضحية بأنفسهم وأموالهم، ما سجلها لهم التاريخ بأحرف من نور. فقد حملوا مشعل الدعوة في حياة الإمام وبعد وفاته، فما ضنوا وما ضعفوا وما استكانوا، حتى ذهبت في سبيل ذلك دولتهم السعودية الأولى عام 1233، على يد جيوش محمد علي، وقد انتقل روح الدفاع عن الدعوة السلفية وتبنيها إلى الدولة السعودية الثانية والثالثة، كما كان ذلك في الأولى، وما نراه اليوم من سلمان الحزم ومحمد العزم خير شاهد على ذلك. وأيضا، كان دور أئمة الدعوة -من أبناء الشيخ وتلاميذه- من العوامل التي ارتكزت عليها أسس دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية في العالم الإسلامي. فعن طريق هؤلاء العلماء وصلت أخبار الدعوة ومبادئها إلى كثير من المناطق والدول الإسلامية، إما عن طريق مؤلفات هؤلاء العلماء ورسائلهم، أو عن طريق انتقالهم بأنفسهم من بلاد إلى أخرى بهدف نشر الدعوة. وأما خصوم الدعوة، فلا ننسى دورهم -وإن كان سيئا- إلا أنهم روّجوا للدعوة ولفتوا الأنظار إليها من حيث لا يريدون، ويقرر ابن غنام هذا العامل ويستشهد على ذلك بقول أبي تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف فضل طيب العود
مشاركة :