رشا حلوة: السخرية كأسلوب لمواجهة الواقع... وللتجريح أحيانًا

  • 12/19/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

السخرية سلاح فعّال لتوجيه النقد خصوصا ضد السلطة سواء الاجتماعية أو السياسية أو الدينية، لكن أحيانا يتحول إلى أداة تجريح، وهو ما يتطلب حذرا شديدا كما تقول الكاتبة الصحفية رشا حلوة في مقالها* لـ DWعربية. السخرية، هي من مصدر "سَخِرَ"، وتعني الهُزْء والتهكّم. هو ساخر، والمفعول به "مسخور به". والسخرية هي بالأساس أسلوب تعبير، يهدف إلى الإضحاك، كما تحتوي في جزء كبير منها على نقد، سواء للبشر (أفراد وجماعات) أو لحدث أو لواقع، إلخ.. فيها من مواجهة للواقع من خلال نقده، ولكن بما أنها تحتوي على نقد لمجموعات من البشر، فهي أيضًا يمكن أن تكون جارحة، جارحة جدًا. سنعود إلى نقطة التجريح لاحقًا، لكني سأتطرق بداية إلى الجوانب الإيجابية من أسلوب التعبير الساخر، خاصّة عندما يكون في وصف أو نقد أو مواجهة واقع مرير أو صعب أو قاسي. لربما سيقول البعض بأن السخرية هي موهبة أكثر مما هي طريقة تعبير بإمكاننا أن نطوّرها، لكن بنفس الوقت، إن موروثنا الثقافي يتكئ أيضًا على التعبير الذي يقول: "الله يكفينا شرّ هذا الضحك!"، إن تجمعت العائلة في البيت، وضحك أفرادها لساعة متواصلة على نكتة أو موقف ما، أحيانًا ما يقتحم أحد الحاضرين هذا المشهد الجميل، ليقول هذه الجملة بصوتٍ عالٍ، وكأن ما بعد الضحك المتواصل، بالضرورة ستأتي مصيبة ما! بالتالي، نعم إن القدرة على الإضحاك هي موهبة، لكن أيضًا نتفادى أحيانًا أن نصنع من موقف ما أمرًا ساخرًا، لنخفف وطأته، إن كان ثقيلًا. التعامل بجدية مع الواقع هو أمر مهم، لكن السخرية تفيد في تخفيف ثقل هذا الواقع أو الحدث، تفيد الذات، على مستوى نفسي، ولربما تفتتح مساحة أخرى للتعامل معه ومواجهته. أذكر في مرة من المرات، التقيت بصديقة أحكي لها عن ظروف أمرّ بها، وكانت ظروف شخصية ثقيلة بعض الشيء. في منتصف الحديث، سألتني صديقتي: "رشا، إنت ليش بتعاملي نفسك بهاي الجدية؟ اسخري شوي من حالك!". هزّني سؤالها، وبنفس الوقت، أعطاني مادة للتفكير، بأنه بإمكاني أن "أنتقد" نفسي على بعض الأشياء، أو أشتمّ حدثًا صعبًا مررت به، لكن عبر تغيير بسيط في التعبير عن هذا السخط، بأن أسخر منه، سيكون نوع من اللطف على الذات، وبنفس الوقت، نظرة مختلفة عليه، لربما تساهم بأن أغيّر هذا الواقع أو ببساطة، تخفيف صعوبته. تحضر السخرية في ثقافتنا، هنالك شعوب عربية أكثر من غيرها مشهورة بسخريتها، مثل المصريين تحديدًا. حيث من الصعب منافستهم بذلك غالبًا! وفي الفنّ، تحضر السخرية في المسرح والسينما والرواية كما في المسلسلات والبرامج التلفزيونية. ومؤخرًا، انتشرت في المنطقة العربية عروض ما يُسمى بـ "الستاند أب كوميدي".  في حديث مع الفنان الفلسطيني نضال بدارنة، وهو معروف بعروضه المسرحية الساخرة، ومنها عروض "الستاند أب كوميدي"، عن أهمية السخرية في مواجهة الواقع، قال: "ظروف كتابة الكوميديا في بلاد منكوبة، هي أمر يشبه الخيال. كيف ممكن أن نخلق كوميديا في واقع اجتماعي وسياسي وشخصي صعب؟ لم يكن يومًا الواقع السياسي أو الاجتماعي رادعًا للكتابة أو لتأليف الكوميديا، إنما واقع الحياة الشخصية واليومية هو العقبة أمام الفنان، في هذا السياق. يمكن مواجهة الواقع السياسي والتقاليد المجتمعية أو المشاكل الاجتماعية، لكن ماذا عن الواقع اليومي المعاش؟ العائلة؟ الجيران والأصدقاء؟ هو شخصيًا ما يشدني في الكثير من الأحيان إلى القاع الذي لا أقوى فيه عن الكتابة. عند كتابة النص الساخر عن نفسك، يبقى السؤال أي حدود يمكن لي رسمها؟ ومشاركة الجمهور بقضايا شخصية وقصص من الذاكرة أو علاقة مركبة مع كل من يحيط بك… السخرية معناها أن تواجه نفسك أوّلًا، وتسمح لنفسك ككوميديان بتعرية نفسك أمام الجمهور. هذا الكسر هو ما يسمح ببناء علاقة مع جمهورك، تتيح لهم تقبلك عند كسر الطابوهات المتعلقة به". في الحديث عن الفنّ الساخر، إنّ صح التعبير، أو حتّى السخرية بشكل عام، نلاحظ غياب الحضور النسائي في هذا الحقل. نعم، هنالك نساء ساخرات وقادرات على إضحاكنا بشكل هستيري. لكنهن أقل من الرجال في هذه المساحة التعبيرية، مع أن هنالك ازديادا في النساء الكوميديات، كما أن منصات التواصل الاجتماعية وفرت الإمكانيات للنساء بأن يعملن على برامجهن الساخرة الخاصّة بهن. في حديث عن جانب آخر، وهو النكتة، كقصّة ساخرة، نرى أن عدد الذين يحكون النكت من الرجال أكثر من النساء. لماذا؟ وأين يلعب الجندر دورًا في التنكيت على سبيل المثال؟ هل القدرة على إضحاك الآخرين فيها مكاسب من "القوة المجتمعية"؟ وفي حال قالت امرأة نكتة، أي من النكت "من المفروض" أن تحكيها؟ وفقًا لمعايير لمنظومة مجتمعية ذكورية. ومن هنا سأتطرق إلى جانب آخر، بعيدًا عن الجانب الإيجابي للسخرية بمواجهة الواقع، ويتعلق بالسخرية والتجريح. تحتوي نكت عديدة في موروثنا على العنصرية من "الآخر المختلف"، سواء المختلف بالدين، العرق والجنس كما الميول الجنسية. النكت التي تسخر من الأسود ومن المرأة ومن المثليين جنسيًا، هي جارحة، ومن الضروري نقدها، حيث أن الإضحاك هنا لا يمكن أن يكون مبررًا في ظلّ أن هذه السخرية تعمل على بلورة وعي جمعي "متقبل" لرفض الآخر، لقمعه في أحيان كثيرة وتعنيفه أيضًا. مثل كل شيء، من المهمّ التعامل مع السخرية بسياقها. والنكتة، مثل النقد البناء أو "الجدي"، تحتاج إلى مسؤولية. في واقع مليء بالمرارة، السياسية والاجتماعية، تأتي السخرية لتخفف ثقله، وهذا إيجابي، لكن برأيي، من المهم نقد هذه السخرية إن كانت تساهم أيضًا في مواصلة مرارة هذا الواقع، خاصّة عندما يكون الأمر متعلقا بالبشر واحترام ما يخص حياتهم، أجسادهم، أديانهم، ميولهم الجنسية، وما إلى ذلك. * الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

مشاركة :