انسحاب القوات الأميركية من سوريا يمكن أن يعرّض المسلحين الأكراد إلى حملة عسكرية عنيفة تلوح أنقرة بشنّها على منبج وقد يتيح أيضا عودة قوية لتنظيم داعش الذي انحسر نفوذه تحت الضغط العسكري لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن وتحت الضربات الروسية والسورية. واشنطن - أعلنت الولايات المتحدة أنها بدأت سحب قواتها المنتشرة في سوريا، متحدثة عن انتقال الحملة الأميركية هناك إلى مرحلة جديدة، فيما يشكل هذا الإعلان معطفا كبيرا في الحرب الأهلية السورية التي تشرف على نهاية عامها الثامن دون حلّ سياسي ينهي الأزمة. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء إنه سيسحب قواته من كل الأراضي السورية، معتبرا أنه حقق هدفه القاضي بإلحاق "هزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية". وقال مسؤول لم يشأ كشفه هويته "إنه انسحاب كامل سيحصل في أسرع وقت"، موضحا أن "القرار اتخذ أمس (الثلاثاء)". وكتب ترامب في تغريدة على تويتر "لقد هزمنا تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وهو السبب الوحيد لوجودنا خلال رئاسة ترامب". وحذر عدد من المراقبين من انسحاب أميركي متسرع من سوريا من شأنه أن يخلي الساحة لحلفاء نظام الرئيس بشار الأسد، وفي مقدمهم روسيا وإيران. وكان ترامب أكد مرارا استعداده لسحب الجنود من سوريا وخصوصا أنه انتخب على أساس شعار "أميركا أولا". وتبنى هذا الخطاب خلال حملته الرئاسية معتبرا أن تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكلف مليارات الدولارات، داعيا إلى إنفاقها لحساب المكلفين الأميركيين على أن تترك الولايات المتحدة لأطراف "آخرين" وخصوصا دول الخليج القيام بالعمل الميداني، لكن العديد من السياسيين البارزين وأعضاء إدارة ترامب عبروا عن أراء متباينة حيال هذا الملف الحساس. كما قال وزير الدفاع البريطاني على تويتر إنه يختلف "بشدة" مع ترامب بشأن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وقبل اعلان ترامب قالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض "تلك الانتصارات على الدولة الإسلامية في سوريا لا تشير إلى نهاية التحالف العالمي أو حملته. بدأنا إعادة القوات الأميركية إلى الوطن مع انتقالنا إلى المرحلة التالية من هذه الحملة". كما أعلن مسؤول أميركي إجلاء كل موظفي وزارة الخارجية الأميركية من سوريا خلال 24 ساعة، فيما قال السناتور الجمهوري لينزي غراهام، المدافع الدائم عن الرئيس دونالد ترامب، إن أي قرار يتخذه الرئيس بسحب القوات الأميركية من سوريا سيكون "خطأ". وأضاف في بيان "الانسحاب الأميركي في هذا التوقيت سيكون انتصارا كبيرا لتنظيم الدولة الإسلامية وإيران وبشار الأسد وروسيا. أخشى أن يؤدي ذلك إلى عواقب مدمرة على أمتنا والمنطقة والعالم بأسره". وأضاف "سيزيد من صعوبة الاستعانة بشركاء في المستقبل للتصدي للإسلام الراديكالي. وستعتبر إيران وغيرها من الأطراف الشريرة ذلك دلالة على الضعف الأميركي في الجهود الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني". واعتبرت وزارة الخارجية الروسية اليوم الأربعاء وجود القوات الأميركية في سوريا أصبح عقبة خطيرة أمام التوصل لتسوية سلمية واتهمت واشنطن بالإبقاء على قواتها هناك بصورة غير قانونية. وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا في إفادة صحفية "أصبح الوجود الأميركي غير القانوني في سوريا عقبة خطيرة في طريق التسوية". وجاء الإعلان الأميركي بعيد كشف مسؤولين أميركين في وقت سابق الأربعاء أن الولايات المتحدة تبحث سحب كل قواتها من سوريا مع اقترابها من نهاية حملتها لاستعادة كل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا تأكد هذا فسوف يضع نهاية للافتراضات حول وجود أطول أمدا للقوات الأميركية في سوريا، دافع عنه وزير الدفاع جيم ماتيس ومسؤولون أميركيون كبار آخرون للمساعدة في ضمان عدم عودة التنظيم للظهور. وأبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السابق رغبة شديدة لإعادة القوات الأميركية من سوريا عندما يكون ذلك ممكنا. ولم يتضح حتى الآن موعد الانسحاب كما لم يكشف المسؤولون الأميركيون الذين فضلوا عدم نشر أسمائهم، تفاصيل المناقشات في ما يتعلق بهذا الصدد أو من أجرى تلك المناقشات. وليس معروفا أيضا متى سيتم اتخاذ مثل هذا القرار، في الوقت الذي التزم فيه البنتاغون الصمت، لكن مسؤولا أميركيا رجّح ان يكون الاطار الزمني لسحب القوات الأميركية من 60 إلى 100 يوم. ولا يزال لدى الولايات المتحدة نحو 2000 جندي أميركي في سوريا معظمهم من قوات العمليات الخاصة التي تعمل عن كثب مع تحالف من المسلحين الأكراد والعرب هو قوات سوريا الديمقراطية. وأدت الشراكة مع هذا التحالف على مدى الأعوام الماضية إلى هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا، لكنها أغضبت تركيا عضو حلف شمال الأطلسي التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية، الموجودة ضمن التحالف، امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا مسلحا على أراضيها. وتزامنت المداولات بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا مع تهديد أنقرة بشن هجوم جديد ضد الوحدات الكردية في سوريا. ويُنظر إلى وجود القوات الأميركية في سوريا إلى اليوم على أنه عنصر استقرار في البلاد إذ قيد هذا الوجود إلى حد ما الإجراءات التي تتخذها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المسلحون الأكراد عمودها الفقري في حملة ناجحة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن حتى مع الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سوريا سيظل هناك وجود عسكري أميركي كبير في المنطقة يتضمن نحو 5200 جندي عبر الحدود في العراق. وجرى شن معظم الهجمات الأميركية على سوريا باستخدام طائرات حربية انطلقت من قطر ومناطق أخرى في الشرق الأوسط. ولا يزال ماتيس ومسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية قلقين من فكرة الانسحاب من سوريا قبل التوصل إلى اتفاق للسلام ينهي الحرب الأهلية الوحشية هناك والتي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشردت نحو نصف سكان سوريا البالغ عددهم قبل الحرب نحو 22 مليون نسمة. وقد يصبح ترامب عرضة للانتقادات في حال عودة الدولة الإسلامية للظهور بعد الانسحاب الأميركي من سوريا. 2000 جندي أميركي ينتشرون في شمال سوريا معظمهم من القوات الخاصة بهدف محاربة داعش وتدريب قوات محلية في مناطق تمت استعادتها من الجهاديين والانسحاب الأميركي من سوريا يمكن أيضا أن يعرض قوات سوريا الديمقراطية لأعنف الهجمات التركية، حيث لا تخفي تركيا أن هدفها هو القضاء على المسلحين الأكراد إذ تعتبرهم خطرا على أمنها القومي وتخشى قيام كيان كردي على حدودها يشكل امتدادا جغرافيا للمتمردين الأكراد في كل من العراق وإيران. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الاثنين الماضي أنه عازم على التخلص من المقاتلين الأكراد المنتمين إلى وحدات حماية الشعب التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في شرق البلاد، إذا لم يرغمهم الأميركيون على الانسحاب. وكانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أن واشنطن ربما تعمل من خلال دعمها السخي لأكراد سوريا وتسليحهم تحت عنوان الحرب على داعش، على إقامة الكيان الكردي في الشمال السوري ضمن مخطط لتقسيم سوريا إلى عدة كيانات، لكن واشنطن نفت مرارا تلك الاتهامات. والإعلان غير الرسمي عن انسحاب كامل محتمل من سوريا يأتي أيضا بعد أيام قليلة من تحذيرات الولايات المتحدة لفصائل سورية تدعمها تركيا، من الهجوم على مدينة منبج حيث تتواجد قوات أميركية إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية. وتضغط تركيا لإخراج المقاتلين الأكراد من المدينة ضمن اتفاق سابق مع الولايات المتحدة. لكن لم تنفذ واشنطن هذا الاتفاق واكتفت بتسيير دوريات مشتركة مع القوات التركية في محيط المنطقة من دون إخراج المسلحين الأكراد من منبج. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأربعاء أن إسرائيل التي أبلغتها الولايات المتحدة مسبقا، ستدرس تداعيات قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، لكنها "تعرف كيف تدافع عن نفسها" ضد تهديدات محتملة. وقال في بيان أصدره مكتبه "سنقوم بدراسة برنامجهم الزمني وكيفية تنفيذه وتداعيات ذلك بالنسبة إلينا، لكن في أي حال سنكون قادرين على حماية أمن إسرائيل والدفاع عن أنفسنا". وشنت إسرائيل عشرات الضربات في سوريا منذ اندلاع النزاع فيها العام 2011، واستهدفت خصوصا مواقع لحزب الله ومصالح إيرانية إضافة إلى شحنات أسلحة إلى حزب الله، بحسب اتهامات إسرائيلية. ويحذر مراقبون من انسحاب أميركي متسرع من سوريا من شأنه أن يخلي الساحة لروسيا وإيران الداعمتين لنظام الرئيس بشار الأسد. وذكر نتانياهو أنه تشاور الاثنين مع ترامب والثلاثاء مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مضيفا "أبلغتني الإدارة الأميركية أن الرئيس يعتزم سحب القوات من سوريا موضحة أن لدى الأميركيين وسائل أخرى لممارسة نفوذهم في هذه المنطقة".
مشاركة :