الرواية.. هل تفسر التاريخ أم تنقل عنه!

  • 12/20/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

في العلاقة بين الرواية والتاريخ: هل يعد التزام الأديب بالأحداث التاريخية شرطا رئيسا بينما حريته تقتصر فقط على تفسير هذه الأحداث! يمثل التاريخ نبعا ثريا اعتاد الروائي العربي على وروده والري منه، منذ تجارب جورجي زيدان وحتى اليوم، فالتاريخ يمنح الروائي مادة خام تتيح له عرض أفكاره وتأملاته، وقد يدرك الروائي ما فات على المؤرخ، فيكتب عن التاريخ المنسي باحثا عن الإنساني والمقموع والمسكوت عنه بينما المؤرخ يسير غالبا في ركاب الحاكم أو يجعل من قلمه أداة في يد المنتصر، ربما كان الروائي الجزائري واسيني الأعرج حينما كتب أن "القراء يقبلون على قراءة الرواية التاريخية لأنهم لا يثقون في التاريخ الرسمي، لذلك فرهان الرواية التاريخية يكمن في تعقب الفراغات التي أهملها التاريخ الرسمي والأيديولوجي، والاستناد على بعض العلامات المضيئة لتقول ما أغفله المؤرخون أو طمسته المؤسسات".. وقد دفعنا هذا الالتباس في العلاقة الوثيقة بين الرواية والتاريخ لاستطلاع الآراء حولها. التاريخ محض رواية الروائي يوسف زيدان في تدشينه لروايته الأحدث "فردقان" وهي عن سيرة المفكر ابن سينا، قال "أتمنى أن تكون الرواية محاولة لفهم وإعادة قراءة التاريخ والتراث الإسلامي بشكل صحيح"، وهو يرى أن التاريخ محض رواية، يقدمها جانب واحد من زاويته الخاصة.. أما الأدب فهو محاولة للفهم وإعادة بناء الوعي، ويرى أن واجب الروائي أن يعيد بناء التاريخ، فالتاريخ أكثر أهمية من أن يتركه الأديب، كما أن أن هناك مساحة واسعة متاحة للكاتب الذي يتماس مع التاريخ، فهو بأفقه غير محدود، للحكاية الخيالية عن شخوص روايته الذين عاشوا في الفترة الفترة التي يكتب عنها وأدركوا وقائعها، وللروائي كل الحرية في تناول موضوعه وطرح رؤيته بشرط أن تكون معرفة الروائي بتلك الفترة جيدة وشاملة، وألا يغير سواء عن جهل أو عمد، في الوقائع التي لا يمكن إنكارها. في حين يرى الروائي إبراهيم عبدالمجيد أن التزام الأديب بالأحداث التاريخية شرط رئيس بينما حريته تقتصر فقط على تفسير هذه الأحداث. ويقول عن تجربته مع "لا أحد ينام في الإسكندرية" وهي رواية تاريخية بشكل أو بآخر "التوثيق كان مهما جدا لإنني لم أعش تلك الفترة، لهذا لجأت إلى المراجع التي تتناولها، وقرأت في أرشيف الأهرام عن الفترة من أول سبتمبر/أيلول 1939 وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1942، وطالعت مذكرات قادة عسكريين وسياسيين كان لهم دور في تلك الأحداث، فأنا أفضل أن أصطحب القارىء ليرى الحياة في فترة تاريخية معينة على أن أعيد في نصي تشكيل ذلك التاريخ. تخييل تاريخي وفي رأي الروائي محمد جبريل أن حقيقة الفن لا ترتبط بالواقع التاريخي، فالفن يخلق واقعه الخاص أما التاريخ فهو بحث تجريبي عن الحقائق الخارجية، وأنا لا أحب استخدام تعبير "الاسقاط التاريخي"، فالفن بطبعه اضمار، وقد أجد في الفترة التاريخية واقعاً مشابهاً للواقع المعاصر لكنني أقدم على الكتابة الابداعية بروح المبدع، أفضل أن يكتب العمل الابداعي نفسه، ولا أفرض عليه أية مقولات ربما تنأى عن طبيعته، وأنا لا أكتب رواية تاريخية بهدف استعادة أمجاد الماضي بل أكتبها، لأن عملي يجد في التاريخ ما يساعده علي التعبير، وأهم ما يميز السرد التاريخي عن الرواية التاريخية هو أن التاريخ يثير سلوكاً اختيارياً عند الاستقبال، فمجال التاريخ يستلزم عقداً بين الكاتب والقارئ يمنح الطرفين بمقتضاه حقاً متساوياً في التحقيق، وقناعتي الثابتة أن الروايات التاريخية ليست بتواريخ، لذلك مثلا حينما اعتمدت على تاريخ الجبرتي كمرجعية لروايتي "الجودرية" ذكرت جملة "عن الجبرتي بتصرف" وذلك للتأكيد على فك الارتباط بين الرواية كتخييل تاريخي ومرجعياتها التاريخية. نفس التعبير "تخييل روائي" يستخدمه الروائي السوداني أمير تاج السر، ويقول عن رواياته "مهر الصياح"، و"توترات القبطي"، و"رعشات الجنوب"، إنها روايات موازية للتاريخ، ويقول إن الصعوبة التي تواجه الروائي في تعامله مع التاريخ تنشأ حينما يحاول كتابة رواية معتمدا على تاريخ حقيقي، وأبطال كانوا موجودين بالفعل، وهذا امر أنه صعب فنيا لأنه يحد من حرية الكاتب. فهناك مسارات معروفة وموثقة لا يمكن الحياد عنها، أو تخيل مسارات بديلة لها، أما تخيل التاريخ فهو يضمن للكاتب أن يبدع بحرية، ويضيف موضحا "أنا لا أكتب تاريخاً موثقاً لكن رواياتي تقدم تاريخاً متخيلاً، حيث أدرس الفترة التي أريد الكتابة عنها، من جميع نواحيها سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، ذلك قبل أن أغرس شخصياتي فيها، وأنتج نصاً تاريخياً متخيلاً، يمكن قراءته بوصفه تاريخاً حقيقياً، وكل تلك الأعمال مكتوبة بذات النهج. ولا أحب التاريخ المدعم بالوثائق، أحس به يكبلني كثيراً. ولا يتيح الفرصة لخيالي أن ينطلق. وعلى العموم الأدب أكثر صدقاً من التاريخ فالأديب يكتب مشاهدات عاينها وعرفها تمام المعرفة بينما التاريخ يسعي لأن يفعل ذلك وقد لا يوفق أو لا يصدق". أهم ما يميز السرد التاريخي عن الرواية التاريخية هو أن التاريخ يثير سلوكاً اختيارياً عند الاستقبال أما الروائي فتحي إمبابي فيرى أن "التاريخ جزء أساسي من الوعي الإنساني، فشفرة دافنشي مثلا محاولة للنظر في معضلة حالية عبر بنية تاريخية، وعموماً كل أزمة معرفية إنسانية عامة للمجتمع الإنساني تفيد الرواية، وكل رواية هي تاريخية بصورة ما، وبالنسبة لي فالبحث في الهوية المصرية هو هاجسي الأول وليس البحث في التاريخ. وحينما شرعت في كتابة روايتي "نهر السماء"، فوجئت بها تطرح عليَّ أسئلة مرعبة لم أكن أتخيّلها، منها مثلا أنّ مصر حكمت بالعبيد طوال العصر المملوكي الذي امتد لستة قرون، وكنا نعتبر المماليك أبطالاً مع أنهم كانوا عبيدا. وبشكل عام لدي اعتقاد بأن التاريخ العربي والشرقي عموماً فى حاجة ماسة لإعادة فهمه كما يجب. وعلى الكاتب قبل تعامله مع التاريخ كمصدر لإبداعه عليه أن يتسلح بالمعرفة بفروعها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأن يكون ملما بعلم النفس والأنثروبولوجي، كل ذلك يجعله صاحب بصيرة قادرة على المغامرة التخييلية القادرة على النفاذ من سطح الأحداث إلى بواطن الشخصيات، والقدرة على استبصار سلوك الجماعات الاجتماعية. وفي رأي د. سامية محرز الأستاذة بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن الروائي والمؤرخ كلاهما يشرع في بناء الواقع كل بطريقته، وكل منهما ينطلق من فنه وأدواته، لكن الواقع بالنسبة لكل منهما غير مكتمل، فالمؤرخ لا يمكن أن يؤرخ للواقع وهو أمامه لحظة بلحظة، فإذا هو باستمرار يعيد صياغة الواقع، والروائي أيضاً يفعل نفس الشئ، وما يجمع بينهما أنهما محكومان معا بسلطة ما، فالتاريخ ليس فقط هو التاريخ الرسمي، والسلطة قد تكون سلطة الدولة أو أي سلطة سياسية أو مجتمعية، وأعتقد أن قراءة النصوص الروائية تجعلنا نعرف موقع كاتبها من تلك السلطات أياً كانت، وهو ما يعني أن هناك باستمرار درجات من التماهي مع سلطة ما، أو التباعد ما بين الرواية والتاريخ، فالروائي أصلاً كان يروي حقيقة وخيال معاً. (وكالة الصحافة العربية)

مشاركة :