ارتفعت أسعار النفط الخام أمس مع تجاهل المستثمرين إضرابا في مصافي النفط الأمريكية، وتركيزهم على انخفاض عدد منصات الحفر الباحثة عن الخام في الولايات المتحدة، وهو ما ينبئ بتراجع الإنتاج في المستقبل. وواصلت سلة خام أوبك تحسنها السعري وسجلت 44.83 دولار للبرميل الجمعة، مقابل 43.88 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أمس، "إن سعر السلة التي تضم 12 خاما من إنتاج الدول الأعضاء، واصل ارتفاعاته وتحسنه السعري الذي بدأ منذ منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي، حيث استقر سعر السلة حول 43 دولارا للبرميل". وأشار التقرير إلى أن أسعار السلة تتجه إلى تصحيح نفسها بعد أن حققت تراجعات حادة في الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي والأسبوعين الأولين من العام الجاري. وأمس ارتفعت العقود الآجلة لـ "برنت" 0.50 دولار إلى 53.50 دولار للبرميل بعدما قفزت إلى 55.62 دولار وهبطت إلى 51.41 دولار للبرميل. وزاد سعر العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكي الخفيف 0.55 دولار إلى 48.79 دولار للبرميل بعدما لامس أعلى مستوى في الجلسة (50.56 دولار) للبرميل ونزل إلى 46.67 دولار للبرميل. ومما قد يقوض الطلب على الخام في الأجل القصير إضراب أمريكي في تسع مصاف ومصانع للكيماويات منذ أمس الأول. وأنهي النفط الخام الأمريكي "خام تكساس" تعاملات الجمعة مرتفعا بنسبة 7 في المائة بأكبر مكسب منذ 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وحقق ارتفاعا أسبوعيا بنسبة 5.5 في المائة بعد انخفاض قياسي لعدد منصات الحفر في الولايات المتحدة، فيما فقد الخام الأمريكي نسبة 11 في المائة على مدار شهر كانون الثاني (يناير) المنقضي، في سابع خسارة شهرية على التوالي. وحقق مزيج برنت ارتفاعا 6.8 في المائة يوم الجمعة، ليواصل الارتفاع بنسبة 8 في المائة الأسبوع الماضي، في أول مكسب أسبوعي خلال الأسابيع العشرة الأخيرة، لكنه فقد نسبة 10 في المائة على مدار تعاملات الشهر في سابع خسارة شهرية على التوالي ضمن أطول سلسلة خسائر شهرية منذ عام 2008. وقالت لـ "الاقتصادية" ريما سوبحانوكولوفا المحللة النفطية الروسية، "إن ما طرأ على السوق أخيرا هو تزايد احتمالية تقلص الإنتاج الأمريكي، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، موضحة أن التقارير الاقتصادية الحديثة تشير إلى أن 94 من منصات الحفر النفطي توقفت عن العمل في الولايات المتحدة بنسبة 7 في المائة، ما يعد تطورا مهما ومؤثرا في السوق، خاصة إذا تنامى في الفترة المقبلة، مضيفة أن "تنامي إنتاج النفط الصخري الأمريكي كان أحد الأسباب الرئيسة في تراجع الأسعار". وكان لارتفاع منصات الحفر، الأثر الأكبر في تسارع وتيرة الإنتاج الصخري في الولايات المتحدة وارتفاعه إلى 9.21 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى للإنتاج منذ عام 1983. ولفت إلى أن الأسبوع الماضي شهد انتعاشا للأسعار قبل أن يسهم الإضراب في الولايات المتحدة هذا الأسبوع في عودة موجة التراجع، إلا أن السوق عامة تتجه إلى الاستقرار، خصوصاً بعد تقلص الفجوة ما بين العقود الحالية والمستقبلية إلى ما دون الدولار الواحد للبرميل، إلى جانب تراجع أنشطة تخزين الخام. وأشارت إلى أن حالة وفرة المعروض من النفط الخام تتزايد رغم التراجع الحاد للأسعار، وهو ما يعكس أن الصراع الحالي يدور بشدة حول حماية الحصص السوقية. وأوضحت، أن الإحصائيات تشير إلى قيام "أوبك" التي تتحكم في نحو 40 في المائة من إنتاج النفط العالمي بضخ نحو 30.37 مليون برميل يوميا في يناير بزيادة قدرها 0.13 مليون برميل من كانون الأول (ديسمبر) في ثامن شهر على التوالي أعلى من المستوى المحدد عند 30 مليون برميل يوميا. وبينت، أن التنافس بين المنتجين يتزايد، لافتة إلى أن زيادة إنتاج "أوبك" مرجعها إلى تسارع الإنتاج في العراق وارتفاعه إلى مستوى قياسي عن أربعة ملايين برميل يوميا. من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" المختص النفطي بيتر فنش مدير شركة مودي لخدمات المستثمرين، "إن ضغوط تراجع الأسعار بدأت تترجم في اضطرابات اجتماعية ظهرت في الولايات المتحدة، ويمكن أن تمتد إلى دول أخرى من الدول المنتجة التي أضيرت بشكل واسع من تراجع الأسعار مثل فنزويلا وغيرها". وأشار إلى أن الأسعار لم تكد تنتعش في أواخر الأسبوع الماضي حتى بدأت الأسبوع الجديد على هبوط، بعد أن دعت اتحادات عمالية أمريكية إلى إضراب في عدد من مصافي النفط، ما أدى إلى تقليص بعض المكاسب التي تم تحقيقها أواخر الأسبوع الماضي. وأضاف فنش، أن "الأنباء الصادرة عن تقلص عمليات الإنتاج في الولايات المتحدة عززت الأسعار نسبيا، حيث من المتوقع أن يسهم الهبوط المحتمل في إنتاج النفط الأمريكي في رفع مستوى أسعار الأسواق على المدى المتوسط"، مشيرا إلى أن البعض يعتقد أن انخفاض الأسعار هذا الأسبوع يرجع إلى عملية جني أرباح في أعقاب المكاسب التي حدثت الأسبوع الماضي. ولفت إلى أن الأسواق قد تتأثر لعدة أيام مقبلة بسبب تداعيات أنباء الإضراب في المصافي الأمريكية، ما قد يحد من الطلب على النفط الخام ويدفع في اتجاه تراجع الأسعار مرة أخرى نتيجة الوفرة الشديدة في المعروض. بدوره، أوضح لـ "الاقتصادية" المهندس مضر الخوجة، الأمين العام للغرفة التجارية العربية ــ النمساوية، أن الفترة الحالية يجب أن تكون فترة ازدهار اقتصادي في دول استهلاك النفط، لكن ما زال النمو محدودا ولا يتواءم مع الانخفاضات الحادة في أسعار الطاقة. وأضاف، أن "المكاسب الاقتصادية لأوروبا والشرق الأقصى ودول الاستهلاك متعددة"، مشيرا إلى أنه من شأن انخفاض أسعار النفط، تحقيق مكاسب متنوعة للدول المستهلكة من خلال انخفاض فواتير الواردات النفطية وتراجع فواتير دعم أسعار الطاقة، ما يؤدي إلى ارتفاع الدخل المُتاح وانخفاض تكاليف الإنتاج ونمو الطلب المحلي. وتابع الخوجة، أن "أسعار النفط المنخفضة ستستمر لفترة غير قصيرة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الاحتياطيات وانخفاض معدلات التضخم في الدول المستهلكة، كما ستسمح الأسعار الحالية للطاقة بمرونة سعر الصرف أو تخفيض أسعار الفائدة الأساسية لدفع الطلب المحلي". وبين، أن التقارير الاقتصادية والإحصائيات تشير إلى انخفاض أسعار بعض السلع الأولية، وإن لم تكن بوتيرة انخفاض أسعار النفط، الذي كان مدفوعا بعوامل العرض والطلب على حد سواء، متوقعا كذلك انخفاض أسعار المعادن بنسبة ستصل إلى 13 في المائة في الفترة بين 2015 و2019. وأوضح الخوجة، أن الدراسات الاقتصادية تؤكد أن أسعار الخام سترتفع خلال فترة العام الجاري، ليصل نفط برنت إلى متوسط 58 دولارا للبرميل، أما النفط الخام غرب تكساس الوسيط فسيستقر عند متوسط 54.2 دولار للبرميل، ما قد يجعل الأسعار تكون عند أدنى متوسط لها، وحتى أدنى من متوسط عام 2009، حيث كان يصل متوسط سعر النفط إلى 62.5 دولار في ظل الأزمة.
مشاركة :