إن عُدنا إلى الوراء هل سنمتلكُ القُدرة التّي ندّعيها في تغيير أمُور كثيرة؟ هل تستطيعُ حبيبة أن تعدُل عن الذّهاب سيراً على الأقدام في ذلك التّاريخ نحو العمل كما لم تفعل سابقاً حتّى لا ترتطم بنفس الرّجل، أو تقرأ تعليقاً له يشدّها لكنّها ستتكاسل عن إضافته فتنسى الأمر صباحاً؟ هل يستطيع أحدٌ النّظر في عينيّ والده ليحرمه منه فيقوُم بقتل جدّه حتى يتخلص من وجوده مستقبلاً كما وضحت «مفارقة الجد»؟ ماذا لو وقعت والدتك في غرامك حين عدت إلى الخلف لتفشل علاقاتها بوالدك كما عالجت «ثلاثية العودة إلى المستقبل» الأمر حين التقى «مارت» بأبويه إبان مراهقتهما فأغرمت والدته به؟ أليس قتل أسباب المأساة سيحرم العالم الكثير من الإبداعات العلمية والفنيّة؟ ماذا لو قتلت هتلر في مهده؟ إن لم نحلُم بالأبديّة فإننا نتمنّى العودة إلى الخلف، رغم أنّ كانط تصدّى في كتابه «نقد العقل الخالص» لكلّ الأفكار التّي تُخرج الزّمن من شكله التجريديّ والتّي تجعل منه وجوداً حقيقياً، وشاركه نيوتن في كتاب «المبادئ الرّياضيّة للفلسفة الطبيعيّة» بفرضيّة توقف الحركة، لا حركة الأرض والشّمس بل الحركة بمفهومها الكامل الذّرات، الجزيئات والجسيمات الدقّيقة وعليه سيختفي الزّمن، ويكون تواجده المعادل التّجريدي لحركات الموجودات في الكون كما خلُص في الأخير، الأمر الذّي تحققّنا منه بحس إبداعي في فيلم the age of adaline حيثُ اختبر استعدادنا لتكبّد تلك الآلام الخالدة التيّ ستحرمنا بصمات يتركها مرور الزّمن علينا من اكتساب أشكال جديدة، ظُهور تجاعيد وبياض في الشّعر حيث ستختفي تلك الأمنيات التّي نحلمُ فيها بالعودة إلى الماضي وتحلّ محلهّا أطماع التّقدّم في السّن، وظلت أسئلة: كم عمرك؟ كم عاش؟ كم استغرق من وقت في..؟ كلّها مرادفات لـ «كم السّاعة» والتّي تحملُ صفتها الكميّة أي «ما مقدار الوجود. الآن» يسأل النّاس كلّ يوم في العالم هذا السُّؤال الفلسفيّ في مضمُونه، والعلميّ في بحثه، دون أن يشعروا بذلك، ومعرفتهم للوقت الآن لا تعني أنّهم سيتوقفّون عن ملاحقته، فحتّى وهم نيام يضبطُون منبهاتهم. «إنّه يمرّ» هذا ما يراقبونه دائماً وما آمن به برغسون والقديس أوغسطين وهوسرل فلاسفة تيار الوعي، فقد تكبّد الناس سابقاً مسافة طويلة لمعرفته عند تلة غرينتش حيث يتواجد المرصد الملكيّ خارج لندن ليسألوا عنه. لاحظ جون هنري بيلفيل العاملُ هنالك سنة 1836 ذلك العناء فابتكر مهنة «بائع الزّمن». ترك وظيفته وأصبح يجول بين زبائنه ليبيعهم الوقت بعد أن يضبط ساعته الشّهيرة «أرنولد» كلّ مرّة على المرصد. اختفت هذه المهنة، بعد أن ورثتها عنه ماريا بلفيل «سيّدة توقيت غرينتش» لـ 36 سنة، فور ظُهور صوت ايثيل كاين «time» المسجّل لتكون السّاعة النّاطقة بديلاً يخبرك بالزّمن فور الاشتراك بضرب رقم 846 من أي هاتف أرضيّ، فمن منّا لا يعرفُ «صوت الزّمن» ذاك الذّي يلي الثلاث دقَّات ليخبرنا بالوقت؟ لكن ماذا لو تحقّقت نبوءة المُستبصر«بيج ميتشل» وأصبح في مُستطاعنا الحُصول على «السّاعة التّي تعُود إلى الوراء» كما عنون قصَّته سنة 1881؟ رجاء خيالي بعفويّة النّادم يُطلق النّاس رجاءً خياليّا يتمنُّون فيه العودة إلى الخلف في الزّمن ليكونوا غير الذّي أصبحوا عليه، أو ليعدّلوا ويعدِلوا عن أشياء كثيرة، الفكرة طارت من حوارات الرّجاء والنّدم إلى خيالات الأدب والسّينما ومخابر العلوم، بل قبل كلّ هذا بـ 400 سنة ق.م حينما برزت كأحد لمسات الملحمة الهنديّة المهابهارتا، وأدّت استعانة «كريستوفر نولان» بالفيزيائي «كيب ثورن» لإنتاج فيلم «إنتر ستيلر» إلى إهداء سبق علميّ غيّر من خلاله الفزيائيون نظرياتهم حول الثقب الأسود الذّي يأخذ شكل قرص حوله هاله، كذلك كتب تشارلز ديكنز روايته القصيرة «أغنية عيد الميلاد» 1843 ليرافقنا شبح جاكوب مارلي كلّ رأس سنة إلى الخلف انتبهنا أم لم ننتبه لهذا الأمر، فإنّه يحدث كأغنية أبديّة نتراقصُ عليها في أعياد الميلاد، ربّما لأجل هذه الأطماع شكّل إيزاك أزيموف منظّمة لمسافري الزّمن تعملُ على التّغيير المُستمر للتاّريخ إلى الأفضل في رائعته «نهاية الأبد» 1955، ليتبنى مارك فكرة استرجاع الزّمن عبر تذكيرك بما فعلتهُ وقلته من سنين وإمكانية الشّخص لا العودة إلى الخلف كذكرى فقط بل التعّديل والمسح أيضاً، ما استعصى على الفيزياء تأكيده خارج هذه القُرى وداخل المنحنيات المغلقة، فمن من الاثنين «الإنسان أو الزمن» ضحيّة للمبالغة في استخدام اللغة؟ ماذا بعد الموت؟ يقفزُ إلى أذهاننا أكثر الأسئلة الحياتيّة لامبالاةً عن «ما الذّي سيحدثُ لو لم أكُن موجوداً؟» أكيد لا شيء، لن تخسر الحياة مظهرها، وستستمّر دون أن ينتبه احد لذلكَ، جوابنا مبنيّ على الكثرة إذن وعلى اعتقاد الإنسان أن لا أحد يبالي به من وجهة نظر العالم الذّي لا يعلمُ حتّى بوجوده في دوائر بشرية تتكاثر يومياً ويصعبُ إحصاء وجوهها، ومن ثمّة فأيّة التفاتة للخلف بداعي التّندم ما هي إلاّ واحدة من نتائج الاعتقاد القاطع أن لا إمكانية للتعّديل عليها والأمر نفسه حينما يتساءل عن قيمة وجوده، لكن العلم خاضع للتّجربة لا للميتافيزيقيا وقد نشرت مجلة ساينس العلمية موضوعاً يتحدّث عن تجربة تُوضّح إمكانية العلماء تغيير شيء ما بأثر رجعيّ retrocausality والتي جاءت نتيجة التساؤل: هل يمكن للمستقبل أو الحاضر أن يؤثرا في الماضي؟ إذ كان على الجسيمات في هذه التّجربة أن تتخذ قراراً بكيفيّة التّصرّف عندما تُضرب بشاطر الحزمة وفي وقت لاحق بإمكان المشرف على التّجربة أن يضغط على بدالة تشغيل تعمل بوضعيّة إيقاف ووضعية تشغيل، إلا أنّه تبيّن أن ما قرّره المُراقب عند هذه النّقطة حدّد ما فعلته الجسيمات في الماضي بغضّ النّظر عن خيارك أو خيار المُراقب الذّي اتخذه، إنّه أنت من سيشهد الأمور التّي ستنتج، وأنّك سواء قمت بتشغيل شاطر الحزمة الثاني أو إيقافه فإنّ البطاريّة ما تزال هي نفسها ومازال المسبب نفسه مسؤولاً عن الإسقاط مع هذا اعتبرت هذه النظرية عند المجتمع العلمي السّائد من العلوم الزائفة. وفي بحث للعالم الأميركي روبرت لانزا تضمّن نظريته التّي تدُور حول مركزية الحياة biocentris ويتحدث فيه عن وجود أكوان متعددة موضوع يتعلّق بأين يذهب الإنسان حينما يموت؟، فأنت تمُوت في كون لكنّك ستكون موجود في كون آخر أو لم تولد بعد. هكذا تجيبُ نظريّته، تختفي هنا لتظهر هنالك، وعليه يصبح الموت شبيه بسيارة أجرة أو مكوكاً فضائيًا مهمته نقل هذه الطّاقة (الروح) عبر الكون الكبير الذّي يحوي أكوانًا لا متناهية أو أنّه المرادف لثقوب ستيفن هوكينغ السّوداء، ومن دراسة روبرت لانزا لخصائص الوعي عند الفلاسفة مثل ديكارت، كانت، بيركلي، شوبنهاور، برغسون وجد توافقاً فيما بينهم أنّ المكان والزّمان أشكال من الإدراك الحسّي بدلاً أن يكونا أجساماً ماديّة خارجيّة (فيزيائية)، وعليه فإننا أمام كتلة كبيرة من الطاقة التّي لا تختفي والتّي تُحافظ على حجمها، فوجودها مهم بالنّسبة للحياة، وجودها كما هي، وبهذا فلا يوجد إنسان بلا أهميّة ولا وجود لحياة غير مبالية بوجود إنسان واحد رغم ظنّه أن لا ضرورة منه. فماذا لو استطعنا فعلاً أن نعود إلى الخلف هل سنستطيع تفادي تكرار ما عدنا لنعدّله؟ وإذا عدلنا ما عدنا لأجله هل مسار حياتنا سيبقى المسار نفسه؟ مسافرو الزمن في مطلع الخمسينيات نشر «راد برادبوري» قصّته «صوتُ الرّعد» عن مسافري زمن شهدت رحلتهم معايشة حياة اختفت بطبيعتها وحيواناتها المنقرضة، ورغم أنّهم أرادوا التّقدّم إلاّ أنّ القوانين كانت رادعة في عدم الاحتكاك ببيئة الماضي إلى أن سحقت قدم أحدهم فراشة دون أن ينتبه، وبعد أن عاد الفريق لم يجدوا العالم الذّي غادروه، فقد تغيّر مسار الزَّمن على إثر تلك الحادثة وأثّر ذلك على طريقة النّاس في التّفوه بالكلام، والطابع المعماري ونتائج الانتخابات وسلسلة من التّغييرات التّي كان سببها سحق الفراشة، فظهر مصطلح «أثر الفراشة» الذّي شغل الفلاسفة بعدها، وفي «مفارقة الجد grandfather paradox» التيّ تعُود فكرتها لسنة 1933 في رواية «ناثينال شاكنر» أدب الخيال العلمي، تُظهر الفيزياء سعيها بطريقةٍ أو بأخرى إلى تحقيق نفس المسار الزّمني حول أو في المُنحنيات الزّمنيّة المغلقة الآينشتاينيّة محافظة على مبدأ الاتساق الذّاتي، هذا لا يعني أنّه ليس ثمّة إمكانية خياليّة تمكنّكَ من قتل جدّك وبهذا ستخلق عالماً موازياً آخراً ليس الذّي عُدت منه، لأنّك دمّرت الأسباب التّي أوجدت تلك التفاصيل ودمّرت ذاتكَ، هذا ما سيبطلُ تلكَ الأماني العنتريّة التّي نلوذ إليها كمعبد ندمٍ، لأننا سنختار الحياة ذاتها، والشخص ذاته حتى لو علمنا مسبقاً أننا سنخسره مستقبلاً، ورغم أنَّنا عُدنا لنعدّل في هذا الأمر تحديداً، لأنّ هذه الرّغبة الذاتيّة المُتعلقة بالمشاعر أو فداحة ألم الخسارة ليست هباءً، بل هي توافق فطريّ لتجارب علميّة كثيرة عن عدم قُدرتنا على تغيير مسار الزَّمن ما تطرحه «مفارقة القدر» فحين نعود لمنع شيء ما من التّحقق نكون قد حققناه فعلاً، ولأننا نحطّم السببيّة، فلو كان هذا الشّخص كاتباً وقمنا بأخذ كتابه من المُستقبل إلى الماضي قبل أن يكتبه ثم يقُوم هذا الأخير بنشره فسنفقد مصادر السبب والنتيجة، وسيصبح الماضي لا قيمة له في «مفارقة الوجودية». فلماذا نتمنَّى العودة إلى الخلف ما دُمنا سنعيدُ ذاتنا كأنّما نحقّق فلسفة دائريّة الزّمن التّي هزّ بها نيتشه منصّة الفلاسفة، ومسحَ عن هيرقليطس الذّي يُخبرنا أنّه «ليس في مُستطاع المرء أن يستحمّ في ماء النّهر مرتين لأنّ مياها جديدة تجري من حوله أبداً» استقامة الزّمن في عينيه؟ ألكي لا نأخذ تحذير نجيب محفوظ لنا بجديّة: «حين أمنحك وقتي، فأنا أمنحك جزءاً لن أستردّه من حياتي فأرجو ألا تجعلني أندم» بعين الاعتبار؟ وماذا لو كان هؤلاء الغُرباء الذّين نلتقيهم ثمّ يختفُون فجأة ليسوا إلا كائنات عائِدة من الزّمن المتقدّم لتُعدّل في ماضيها لكنّها لا تنجح؟ ماذا لو كنّا نسخاً فقط قابلة للتّعديل انتهت سلفاً؟ ماذا لو أنّ حفلة الفيزيائي ستيفن هوكينغ التّي أقامها لمسافري الزّمن القادمين من المُستقبل نجحت فعلاً فما الذي سيختفي فينا مع الوقت؟ هل سينعكس الزّمن فنولد شيوخاً ثم نموت في المهد كما طُرحت هذه المُفارقة في فيلم The Curious Case of Benjamin Button؟ ربّما..... أكوان! في بحث للعالم الأميركي روبرت لانزا، تضمّن نظريته التّي تدُور حول مركزية الحياة ويتحدث فيه عن وجود أكوان متعددة يوجد موضوع يتعلّق بأين يذهب الإنسان حينما يموت؟، فأنت تمُوت في كون لكنّك ستكون موجودا في كون آخر أو لم تولد بعد. هكذا تجيبُ نظريّته، تختفي هنا لتظهر هنالك، وعليه يصبح الموت شبيهاً بسيارة أجرة أو مكوكاً فضائياً مهمته نقل هذه الطّاقة (الروح) عبر الكون الكبير الذّي يحوي أكواناً لا متناهية أو أنّه المرادف لثقوب ستيفن هوكينغ السّوداء. اختفاء الزمن تصدّى الفيلسوف ايمانويل كانط في كتابه «نقد العقل الخالص» لكلّ الأفكار التّي تُخرج الزّمن من شكله التجريديّ، والتّي تجعل منه وجوداً حقيقياً، وشاركه العالم اسحاق نيوتن في كتاب «المبادئ الرّياضيّة للفلسفة الطبيعيّة» بفرضيّة توقف الحركة، لا حركة الأرض والشّمس بل الحركة بمفهومها الكامل: الذّرات، الجزيئات والجسيمات الدقّيقة، وعليه سيختفي الزّمن، ويكون تواجده المعادل التّجريدي لحركات الموجودات في الكون كما خلُص في الأخير.
مشاركة :