تُعرف سنة الامتياز بأنها السنة الأخيرة من الكليات الصحية، وهي السنة التطبيقية بعد اجتياز سنوات طوال من الكفاح والسهر والاجتهاد، وهي مثل الجسر بين مناطق زمنية مختلفة. منطقة كنتَ فيها طالبا، «وضفة أخرى» تكونُ فيها ممارسا صحيا باختلاف التخصص من طب إلى تمريض أو صيدلية، وغيرها من التخصصات المساعدة. تذكرت يومي «الامتيازي» الأول، حينما كنت أقطع المستشفى ذهابا وإيابا مليئا بالسرور والغبطة، وفاردا «جناحيّ» كطاووس عظيم، ولم تستمر تلك المشاعر طويلا حتى تحطمت على صخرة أحد «الاستشاريين»، الذي كان يزبد ويرعد وينتفض من الزعل «ماسحا» بلاط المستشفى بفريق العمل الذي معه. حينها أدركت أنني باختصار «الحيطة» المائلة في الفريق، وما زلت في بداية الطريق وليس في نهايته، وفقدت «أجنحتي» منذ ذلك الحين، ولله الحمد. ما لفت انتباهي حديثا، هو تحول سنة الامتياز في «بعض» الجامعات وبعض التخصصات إلى سنوات لَهْو وخمولٍ، بدلا من أن تكون مفترق الطرق، والجسر الذي سيعبر بالممارس إلى برّ الأمان. يعتقد بعض أبنائنا وإخواننا الخريجين، أن سنة الامتياز هي «استجمام» لتعب السنوات، ولكن الحقيقة أنها مثل «التحيّات» في نهاية الصلاة، ولن تتم الصلاة دونها، ولا تريد أن تخسر أجرك قبل إنهاء فريضتك. ومن المشاهد المتكررة، ظهور ذلك «الزي الأسطوري» الذي يستخدمه الأطباء «للعمليات» والعمل في «الأقسام الحرجة» مزهوا بـ«البالطو» الأبيض والسمّاعة «المتهدلة» على الأكتاف في الأسواق والمقاهي العامة. قد أتفهم أن تخرج بالملابس المخصصة للمستشفيات إلى المناطق العامة لضيق الوقت، ولكني لا أستطيع تفسير ظاهرة «البالطو» والسمّاعة و«التدحرج» ميمنة وميسرة في الأسواق والمقاهي إلا بأنها سطحيّة وعقدة نقص. ونصيحتي لأحبتي وإخواني الممارسين الصحيين -أطباء وممرضين وصيادلة وفنيين- هي محاولة تحسين صورتهم أمام المجتمع بعطائهم وتضحيتهم وخدمتهم للمرضى، وعندها سيذكرون تلك السنة طوال حياتهم، وهم يغنون ويترنمون «قول للزمان ارجع يا زمان». ويا ليت أولئك الناجحين وعماد المستقبل يبتعدوا عن «التغطرس» بالأزياء وموضات «الكدش» و«النظارات» الشمسية، والتلون بـ«المكياج» وطلاء «الأظافر»، فهناك فرق بين الملهى والمستشفى.
مشاركة :