في عدد كبير من الدول، حين يُنتخَب رئيس لدولتها أو جمهوريتها، يتعين على المرشح أن يأتي بدفعة هائلة من الأموال، لكي يقدّم نفسه إلى شعبه. لذا، سريعاً ما تنتعش سوق الإعلانات التي تعمل على خدمة المرشحين أنفسهم للحكم، ويبدأ أفراد الشعب في محاولة مستميتة؛ لفهم رؤية المرشح، وقراءة سيرة حياته والتأكد مما سيقرأه، وأحياناً تظهر أن هذه السيرة الطاهرة والخيالية، ما هي إلا مجرد فبركة للحصول على أكبر عدد ممكن من المرشحين. ولكن ما يحدث في وطني المملكة، يختلف -تماماً- عما يحدث في أي دولة في العالم؛ لقد وُلدت وأنا أعرف جيداً من يحكمني، من دون أن تكون هناك دعاية مدفوعة الثمن، أو حتى وجود وصاية إعلامية، فبعد أن ودعنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، لم يعتلِ عرش الحكم رجل غريب لا يعرفه الشارع السعودي، وإنما جاء الملك سلمان بن عبدالعزيز بسيرة يعرفها القاصي والداني، فقد وُلدنا ونحن نعرفه، وأصبح ملكاً علينا ونحن أيضاً نعرفه، من دون أن نحتاج إلى تأجير سوق من الدعاية الإعلانية؛ لكي نتعرف على حاكمنا، وهنا يحق لي أن أفتخر بوطني، ويحق لي أن أفخر أكثر، بأنني أنا والشعب كله لم نشعر مطلقاً بوجود أي خلل في لحظة انتقال الحكم، لقد ذهبنا فجراً إلى مخادعنا في حفظ الله ثم حفظ الوطن، باكين فراق ملك، واستيقظنا بالأمن والطمأنينة ذاتهما؛ لمبايعة ولي أمرنا، من دون أن يملأ الشارع الذي أسكنه، سيارة شرطة إضافية تحسباً لأي حدث، وهل بعد ذلك يأتي أي حديث يقال. وحين تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الحكم، خلال 48 ساعة فقط أُعلنت حزمة من القرارات الحاسمة، التي أمر بها الملك، وقد فوجئ العالم بأسره بمدى سرعة اتخاذ هذه القرارات، لكني أعتقد بأن الشعب السعودي لم يتعجب أبداً، فقد اعتاد على حنكة وخبرة الملك سلمان، وله مواقف عدة يشهدها التاريخ، ولكن لربما كانت المفاجأة في حجم القرارات والتغيير الجوهري، ولكن ما يمكن لنا أن نتلمسه في شخصية خادم الحرمين الشريفين، إلى جانب حزمه الذي عُرف به، بأنه ركَّز بشكل لافت إلى أهمية إعادة بيت الحكم من الداخل، وضخ الشباب في نظام مسؤولية الحكم والمشاركة السياسية، وحرصه على الحد من القرارات الفردية، وإعادة بناء الروابط المجتمعية، وضبط الإيقاع السياسي وفق رؤى استراتيجية، من حيث ثبات المملكة السياسي الممتد منذ أيام الملك عبدالله، وهي الوسطية والاعتدال ونصرة الشعوب الإسلامية والوقوف معها. وحينما أُعلنت القرارات الملكية مساء الخميس الماضي، توقف الشارع السعودي صغاراً وكباراً، في حماسة متأججة؛ للاستماع إلى هذه القرارات، ولم يكن -مطلقاً- خائفاً من أي قرار؛ لأنه واثق تمام الثقة في الملك الذي بايعه على العهد والحكم، ولكنه كان يريد أن يفهم أكثر رؤية الملك سلمان المستقبلية لسياسة المملكة الداخلية والخارجية، إذ بات الشارع السعودي على ثقة أكبر في إدراك تأثير حراك دولته في المجتمع العربي والإسلامي والدولي، وقدرته على معالجة الأمور والملفات المهمة، مثل الإرهاب والتطرف الفكري، ولكن المواطن السعودي كان يريد من الملك، أن يحلَّ الإشكالية وردم هوة الثقة بينه وبين المسؤولين في الحكومة، إذ يكون هناك ضبط نافذ وفاعل، فالكثيرون لم يجدوا حقهم أو منفعتهم من الوزارات والتي كانت شكلاً -أحياناً- من دون عمل، وقد سعد الشعب بمجمل القرارات التي كانت تقود المملكة نحو التنمية ورفاهية المواطن، ولكني كنت أكثر الجميع ابتهاجاً لأهم القرارات المتعلقة بالشأن الاجتماعي، كقرار تعديل سلم معاش الضمان الشهري، وصرف مكافأة راتب شهرين لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وصرف مكافأة إعانة شهرين للمعوقين، إضافة إلى ضم قوائم الانتظار للمعوقين لإعانة المعوقين، وأنا أحييّ مثل هذه القرارات التي توضح لنا، مدى حرص واهتمام الملك سلمان على توفير حياة كريمة تليق بالفرد السعودي. وقيل قديماً: لكل زمان دولة ورجال، ولكني أعيد صياغة هذه العبارة وأقول: بأن لكل زمان دولة وسلمان، إقراراً بأن دور خادم الحرمين الشريفين سيكون مؤثراً، في أي زمان وأي مكان. SaraMatar@
مشاركة :