بغداد - مدّدت الولايات المتحدة لمدة تسعين يوما مهلة السماح للعراق باستيراد الطاقة الكهربائية من إيران، ما يتيح لبغداد تجاوز العقوبات المفروضة من واشنطن على طهران بشكل مؤقّت. ويرمي الإجراء إلى تجنيب العراق التبعات الآلية والعاجلة للعقوبات بالنظر إلى الحاجة العراقية الأكيدة لاستيراد الكهرباء والغاز الإيرانيين، لكنّه يتضمّن أيضا ضغطا على بغداد للبحث عن بدائل. ويمثّل قرار التمديد متنفّسا كبيرا لحكومة عادل عبدالمهدي، التي بدأت عهدها بصعوبات سياسية واقتصادية كبيرة، ويمكن لموضوع الطاقة أن يشكّل تهديدا مباشرا لاستقرارها إذ أن نقص التزوّد بالكهرباء وضعف الخدمات على وجه العموم هو أحد أسباب موجة الغضب والمظاهرات بالشوارع. ويرى مصدر عراقي تحدّث لـ“العرب” طالبا عدم ذكر اسمه أن “من الواضح أن الولايات المتحدة تبدي تفهما لعمق المأزق الذي يعيشه العراق في هذه المرحلة الحرجة التي يمكن أن يؤدي التزامه فيها بالعقوبات المفروضة على إيران إلى انهيار حكومته وتصدع العملية السياسية الهشة. فالعراق قد تم ربطه عضويا بإيران وهذا لم يقع فجأة بل استغرق سنوات من العمل وبالأخص أثناء فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي استمر لثماني سنوات”. ولا يتعلق الارتباط بالغاز والكهرباء وحدهما بل يمتد أيضا، بحسب ذات المصدر السابق، “إلى الغذاء والدواء والعلاج في المستشفيات الإيرانية. وكما يبدو فإن الطبقة السياسية في العراق لا تفضل البحث عن بدائل وتأمل في أن يستمر الكرم الأميركي إلى ما لا نهاية”. أمام حكومة عادل عبدالمهدي فرصة محدّدة زمنيا للبحث عن بدائل للكهرباء والغاز الإيرانيين ويضيف “من المتوقّع أن يماطل المسؤولون العراقيون في مسألة توقيع عقود مع شركات أميركية لحل أزمة الكهرباء وإنهاء اعتماد العراق على إيران، غير أن تلك المماطلة لن تستمر طويلا في مقابل رغبة الولايات المتحدة في أن تضرب عصفورين بحجر واحد. أولا تقطع وارادات إيران من العملة الصعبة التي تأتيها من العراق مقابل تزويده بالكهرباء، وثانيا ما يمكن أن تجنيه الشركات الأميركية من أموال إذا ما تم تكليفها بإنشاء محطات للطاقة الكهربائية في العراق إضافة إلى إشرافها على مسألة الاستفادة من الغاز المهدور”. وسعى عبدالمهدي للحصول على التمديد من خلال إرساله وفدا إلى الولايات المتحدة للتفاوض بشأن مسألة الالتزام بتطبيق العقوبات على إيران. ويدرك الأميركيون أنّ الارتباط بين بغداد وطهران ليس اقتصاديا ومصلحيا محضا، لكنّه سياسي أيضا، إذ أن الطبقة القائدة للدولة العراقية في الوقت الحالي مشكّلة أساسا من شخصيات شديدة الولاء لإيران وحريصة على حماية نفوذها في البلد. ويعترف الجميع بوجود إشكالات حقيقية في قطع المعاملات التجارية والعمليات المالية بين العراق وإيران بشكل مفاجئ أو تخفيضها بشكل حادّ، لكنّ البعض يحذّر في الوقت ذاته من أنّ طهران تستغلّ الحاجة العراقية للطاقة وموادّها لتجعل من العراق بوابة لخرق العقوبات الأميركية ضدّها. وتقول طهران على لسان سفيرها في بغداد إيرج مسجدي إن قيمة مبادلاتها التجارية السنوية مع العراق تبلغ عشرة مليارات دولار وإنّها تعمل على مضاعفتها لتبلغ عشرين مليار دولار. لكن دوائر اقتصادية ومالية عراقية تشكّك في جدوى أي مبادلات مع إيران خارج مواد الطاقة، مشيرة إلى أن ما يستورد من إيران هو عبارة عن كميات هائلة من السلع رخيصة الثمن والمقلّدة وغير المستجيبة لأي من المواصفات والمقاييس الصحية وغيرها. وأن الدولة العراقية لا تجني شيئا من تلك السلع التي يمرّ معظمها تهريبا دون استخلاص أي ضرائب ومعاليم جمركية عليها. وكان العراق حصل في الخامس من نوفمبر على إعفاء لمدة 45 يوما من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، وكان من المفترض أن تخصص لوضع خارطة طريق تلغي بموجبها بغداد اعتمادها التام على استخدام الكهرباء والغاز الإيراني. هل تملك بغداد الإمكانيات والإرادة السياسية للالتزام بتطبيق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وقبل أيام من انتهاء المهلة، توجه وفد يضم مسؤولين عراقيين إلى واشنطن للتفاوض على تمديد فترة السماح. وكان رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، أكد خلال مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي، عزم بغداد إرسال وفد مفاوض إلى واشنطن. وقال المصدر الحكومي المشارك في المحادثات في واشنطن لفرانس برس إن العراق ضمن تمديدا للمهلة لفترة 90 يوما، وبذلك يتمكن من الاستمرار في شراء الكهرباء والغاز الإيرانيين. وردا على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد ضغطت على الوفد العراقي للدخول في شراكة مع الشركات الأميركية لملء الفجوة القائمة، أوضح المصدر نفسه أن هذه القضية “جزء من مناقشات معقدة”. ويعد نقص الطاقة الذي غالبا ما يترك المنازل بلا كهرباء لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، عاملا رئيسيا وراء أسابيع الاحتجاجات واسعة النطاق التي شهدها العراق في فترات سابقة. وللتغلب على هذا النقص، يستورد العراق ما يصل إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من طهران لمصانع توليد الطاقة، كما يشتري بشكل مباشر 1300 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.
مشاركة :