معرض مصير الذي حقق الكثير للفنانة التشكيلية الشيخة هلا آل خليفة

  • 12/22/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كلمة مصير في القاموس العربي تعني (منتهى الأمر وعاقبته)، بهذا الاسم أو هكذا فكرت الفنانة التشكيلية الشيخة هلا الخليفة أن تسمي لوحاتها او لوحتها، وتعرض من خلالها المنظر المخيف والمؤلم للبشر، وهم يعيشون الرعب يبحثون عن الأمل بحياة جديدة والأمان عابرين بحر هائج وغاضب، راحلين الى مصير مجهول بقناعة منهم، ولكن الى أين؟ ومتى وكيف؟ بالحداثة والإبداع ورسم الصورة التي تحكى تمكنت الفنانة التشكيلية الشيخة هلا الخليفة من رسم لوحات عددها (8) التصقت ببعضها في مشهد واحد في لوحة واحدة تحتويها قوارب هشة عددها ضعف عدد اللوحات ستة عشر قاربًا، على متنها بشر تائهون وجميعها تتميز بالرحيل المرعب عبر شيطان البحر كما يقال إذ يبحثون عن الأمان والبحر لا أمان فيه. يقول الدكتور محمد أكرم العدلوني في وصفه الإبداع والمبدعين التي حددها مجزأة بالذهنية والنفسية والعملية والإنسانية وبالمختصر تحديدًا فإن بعضًا من هذه الصفات وأذكر منها: يمتلك القدرة العالية على التفكير الإبداعي ويحب التجديد، يمتلك ذاكرة قوية، مثقف ولديه معرفة واسعة، يفضل التعامل مع الاشياء المعقدة والمتنوعة والتي تحتمل أكثر من تفسير، يحب البحث والتفكير والتأمل الذهني، يحب الامور الفلسفية.. إلخ. ويسهب الدكتور العدلوني في ذكر بنود أخرى تتواصل في تعريف المبدع فذكر خطوة أظنها مهمة جدًا إذ يقول فيها «إن المبدع يعتمد كثيرًا على إحاسيسه ومشاعره»، والشيخة هلا في شأن موضوع معرضها وعن هذه اللوحات قائلة «يتسلل ذلك المنظر المخيف والمؤلم الى عقلي وقلبي، أكاد أتنفس رائحة ذلك البحر الهائج والموج الغاضب»، ومثل هذا القول والتأثير هو ما أنجب هذه اللوحات وهو ما يمثل الاحساس الواعي وما يتصف به الفنان المبدع في عمله وإلا ما طفت على سطح الفن الاعمال الجميلة التي برع فيها كثير من الفنانين. ويبقى تفسيرها واكتشاف محتواها لمن يضع عينه عليها ويراها. لا توجد قاعدة متصلة، بالفن او مدلول او بيان يجبر الفنان على البوح بسر أو أسرار ما ولج بعقله في معني لوحاته؛ لأنه يخلق لنا فضاء جميلاً محتواه، ويتركنا نحلق به نرى في عرضه كل ما شئنا أن نراه، ونكتشف بعد جهد إن استطعنا ما استنتجناه، وهو الذي يجادلنا بفنه ويتعب ذاكرتنا بمشاهدة لوحاته. ومن سماته ايضا وتأكيدًا لما قبله انه غالبًا ما يترك لنا فجوة مجهولة أو غرفة مغلقة ليس لها مفتاح في أعماله الفنية ما يمثل لغزًا قد لا يكتشفه البعض ولكن يعلم بحقيقته. فاللوحات الثمان أو اللوحة الكبيرة والقوارب التي احتوتها بعددها ضعفًا لم نرَ قاربًا واحدًا منها متجه الينا قادمًا، جميعهم راحلون ماضون الى مصيرهم المجهول الذي أرادته الشيخة هلا شعارًا للوحاتها وأمنية غير معروفة بمصير هذا الرحيل الغامض الموحش، لأنها هي التي تتنفس رائحة البحر الهائج وموجه الغاضب، وهذا ما يمثل رؤية الشيخة الفنية تمازجًا لواقع سيئ وقاسٍ، لأنها ترى الماضي بعين وأخرى ترى المستقبل المؤلم، صاغتها بفرشاة تحكي في لوحاتها رواية بكل لغات العالم، وهو أمر يغني عن نشر حزمة كتب في قصة هذا الرحيل وهذا المصير. وأنا أتابع مشاهدة هذه اللوحة او اللوحات الممتدة أفقيًا أبحث عن الغاز وثغرات تركتها الرسامة ومعانيها لتجبرنا على اكتشافها واقف بين حشد كبير من الزائرين الذين حضروا بعد هذا بفترة من الزمن، بحثت عن الشيخة هلا التي اختفت فجأة، هنا وهناك سألت أحد رموز موظفي وزارة الثقافة عنها وهو بشار العكبري فقال لي كانت هنا منذ لحظات توجهت نظراتنا الى زوايا القاعة لعلنا نراها بين الحضور، كانت نظراتنا تتجه الى جوانب كثيرة من قاعة المعرض، وفي النهاية وجدتها جالسة بين مجموعة من ضيوف المعرض في أريحية، ولكن مؤشرات تعب الاستقبال كان تبدو جليًا عليها، استأذنتها لكي أسأل سؤالاً، فقلت لها هل ممكن؟. وبكل لطف وهي تنظر اليَّ، وأنا أظن أن لا أحد من الحضور قد وجه اليها مثل هذا السؤال، فقالت بكل هدوء وكأنها خرجت من حومة تعبها: «تفضل!»، وكان سؤالي «فقط أردت أن أعرف هل بداية مشاهدة اللوحات من اليمين أم اليسار؟؟». نظرت اليَّ لمدة ثلاث الى اربع ثوانٍ، وهي صامتة يحدو وجهها تعبير ابتسامة خفيفة ربما مفاجأتها بنوعية هذا السؤال الذي لم يرد اليها من الحضور ثم قالت وقد زادت ابتسامتها: ممكن مشاهدتها من الجهتين، اليمنى واليسرى ولك الخيار! لم أوافق على هذا الرأي أو بالأحرى هذا الجواب، فقلت لها «يعنيني كزائر للمعرض أن اعرف من أين بدأت رسم ابداعك هذا ليتسنى لي أن... أن لا أجادل نفسي في معرفة معلومة خطر على بالي أن أعرفها؟»، عندها قالت مؤكدة ومجيبة على سؤالي: «من اليمين». شكرتها ثم تراجعت ودرت ناحية اللوحة أنظر اليها ثانية وثالثة، فأدركت أني غصت فيها بعمق يكفي أن استكشف بعض المزايا والألغاز بعد ملاحظات ربما دققت فيها وأنا أشاهدها وعما عبرت بها ريشة الشيخة هلا من إحساس في اللوحة، حينها تذكرت شيئًا يخص الفن وهو أن الفنان العالمي ليوناردو دافنشي قد ترك الرقم (7) وربما تكرر حسب قول النقاد على لوحته المشهورة الجو كندا (الموناليزا)، ولا أحد يعرف ما هو سر الرقم (7) هذا، فهل يا ترى يمثل أنه أنهى رسمها في (7) أيام أو (7) أشهر أو هل عاشت معه (7) أيام وهو يرسمها أم الأهم وهو أن في روما القديمة بنى الرومان معبد الإله (برياب) تمثالاً أطلقوا عليه اسم تمثال الآلهة السبعة، وترك الرقم على اللوحة ليقول لمن يشاهدها أنها الإله (برياب) أحبها وأعبدها كما عبد الرومان هذا الإله، لا أحد يعرف ما هي قصة هذا الرقم... ربما! وأنا واقف أبحث عن شيء أو ربما أشياء تركتها لنا الشيخة هلا غامضة على سطح هذه اللوحة مع القوارب والراحلين، ونحن لم نكتشفها او نعرفها، كما أظن أن هذا مؤكد وحقيقة، ثم في لحظات اختفت أصوات الحضور عن مسامعي، وصرت وكأني وحيداً في القاعة أبحث وأبحث عما تحتويه هذه اللوحات وليس على عجالة بل بتروٍ وتمعن هادئ ودقيق، فماذا رأيت وماذا اكتشفت؟ هناك شيء مخيف داخل هذه اللوحة، ربما تصوراتي وخروجي من أفق صالة العرض الى داخل اللوحة حتى صرت أشعر باهتزاز موج البحر وكأني جالس مع الراحلين الى المجهول في أحد القوارب الستة عشر أهيم معهم الى حيث لا أعلم، كدت أنفجر من الغيض والرعب حتى شعرت بملح البحر ورذاذه يتسلل الى شفاهي، أريد أن أرجع وأشعر بأني خارج اللوحة وأن أكون في القاعة بعمارة بن مطر، حيث كنت قبل قليل فكرت في حال جمال وروعة الأمن والأمان الذي نعيش فيه في بلدنا الآمن، ولكني صممت أن أصمد وأواصل رحلتي معهم في عرض البحر وداخل اللوحة! فماذا رأيت فيها ومن خلالها؟ أشياء محزنة مخجلة مذلة مرعبة قاسية قاتلة، ولا لوم على الرسامة المبدعة الشيخة هلا عندما قالت (أكاد أشعر ببرودة المياه التي ترتطم بأجساد هؤلاء البشر) إذ لاشك انها كانت معهم في الحدث الذي رسمته بإحساس متكامل لأن هناك عوامل تحرك في دماغ الإنسان الشعور الذاتي بالانتقال عبر موجات الزمن في مواقع الخيال المرصود لمراحل متقدمة ومتأخرة في الزمن، فيكاد أن يكون في موقع رؤياه وتصوره، وهو في مكان يبعد ربما آلاف الاميال عنه، وكما ذكرت أعلاه هذا ما يمثل رؤية الشيخة هلا الفنية، حيث يمتزج إدراكها وبعين ترى الماضي وأخرى ترى المستقبل يغلفهما إبداع لا ننكره.. فماذا رأيت في لوحتها؟. ثكنات عسكرية وخيام تشبه خيام اللاجئين، جنود يحملون سلاحًا يطلقون منه النار، ولربما هو إنذار او محاولة قتلهم لإنهاء مشكلتهم وطمسها، وممر مسدود بصخر صعب اجتيازه، وشلال مخيف مدمر يغلق طريقهم، أيضا هناك عيون مرعبة كبيرة تراقب تحركاتهم وممر تحت جبل مجهول، أيضا فوجئت بملامح وحش أمامهم قد أخرج رأسه من قاع البحر، وعيون تدمع ربما بسبب هذه المأساة الإنسانية، وجه مجهول مصاب بذهول وكأنه يقول يا من أنتم في عرض البحر أين ذاهبون؟ الموت ينتظركم تراجعوا!! قلعة مجهولة على حافة جبل تطل على البحر، فتحة في الأفق تؤدي الى السماء ربما هي طريق الى رحمة الله، أجسام دائرية صغيرة كأنها صنعت من حديد وبلون مختلف متناثر على سطح البحر ربما ألغام، بريق أو نور مشع يصدر من تحت سطح البحر في أكثر من موقع قد يكون صادرًا من رقابة متواصلة او من غواصة. هذا هو الزخم والعدد من الاطروحات الموجودة على صدر اللوحة المرعبة الحزينة التي أطلقت عليها الفنانة الشيخة هلا اسم «مصير» او كاسم للمعرض عامة، وهذا ما رصدته بعين بحثت في كل الاتجاهات الإنسانية وما خلفته الطبيعة عندما رأينا الراحلين وكأنهم أشباح ليس لهم وجود أو أهمية في عالمنا اليوم. شكرًا للفنانة الشيخة هلا على هذا الإنجاز الفني والإبداع الذي أمتع الحضور واستل منهم الفضول حتى بدوا في زحمتهم بالقاعة وكأنهم نحل اجتمعوا عند باقة ورد فواحة تعددت ألوانها وامتزج بعضها ببعض واستحسنوا رحيقها، هي الفنانة التشكيلية الشيخة هلا، هي لوحاتها المميزة المتميزة التي آمل أن تجوب المعارض العالمية، هي الفن هي النغمة التي وصلت الى القلوب بلا استئذان.

مشاركة :