فلسفة الإسلام في وأد الشائعات

  • 12/22/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

جاء الإسلام من أجل إصلاح الكون والحياة والإنسان؛ لذلك اشتملت تشريعاته على منهج كامل لإدارة الحياة يرتكز على مقومات عقائدية وأخلاقية وتشريعية مرنة تضمن له البقاء والصلاحية لكل زمان ومكان. ومن ضمن هذا المنهج مواجهة الشائعات، والشائعة عبارة عن خبر أو قصة أو معلومة غير مؤكدة أو كاذبة أو صادقة أو مُبالغ فيها يُصدرها جاهل أو عدو أو صاحب مصلحة، ويعمل على حبكتها بصورة يكتنفها بعض الغموض والإثارة من أجل أن تنتشر خصوصًا في الأزمات والمشكلات أو بين أناس بينهم قواسم أو مصالح مشتركة. والشائعات خطر داهم إذا أطلقت سرت في جنبات المجتمع بصورة ناعمة فتهدد المجتمعات الآمنة، ولا يقل خطرها عن مخاطر الحروب بالجيوش النظامية بأسلحتها المدمرة وآلياتها الخشنة. إنني أحذر من خطورة الشائعات على الفرد والمجتمع؛ فكم أبكت الشائعات عيونًا، وكم أدمت قلوبًا، وكم أوغرت صدورًا، وكم زرعت الفتن، وكم فرقت بين الأحبة، وكم غرست الشقاق بين الأصدقاء، وكم طلقت زوجات ورملت أطفالا، وكم أعاقت رأب الصدع واندمال الجروح، وكم غيَّبت عقولا وأضاعت مصالح البلاد والعباد، وكم نثرت الحزن، وكم نشرت الخوف من المستقبل ومن المجهول، وكم حطَّمت معنويات، وتسببت في هزائم أمم، وكم أضاعت حقوقا وخلَّفت ظالمين ومظلومين؟!!. والمنهج الإسلامي في معالجته لهذه القضية الخطرة كان واضحًا ومتميزًا، حيث يرتكز على عدة أسس، وهي: أولا: أنَّه حرَّم الكذب -وإخوته- تحريمًا جازمًا. ثانيا: أنَّه دعا إلى التبين والثبت والتحقق عند نقل الخبر، وتحري الدقة المطلقة، بحيث يكون مطابقا لمصداقية الواقع، وواضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار. ثالثا: أنَّه أعطى أهل الذكر - كل في مجاله - مكانةً وتشريفًا، قال تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، فأهل الذكر في الطب هم الأطباء، وأهل الذكر الهندسة هم المهندسون،... وهكذا. رابعا: أنَّه جعل مروجي الشائعات من الفاسقين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). خامسا: أنَّه دعا إلى الستر، وكرّه في فضح الناس. سادسا: أنَّه حذَّر من مغبة العواقب الوخيمة جرّاء نشر الشائعات على الفرد والأسرة والمجتمع بل والإنسانية. وعلى الرغم من أن العصر الذي بُعث فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) وما تلاه كان بسيطًا ويتميز ببطء الوتيرة، فإن الإسلام كان سبَّاقًا في استقراء المستقبل بتطوره السريع؛ لذلك جاءت تحذيرات القرآن والسنة من خطورة الشائعات من القوة بمكان؛ كما جاءت مواكبة لعصرنا الحالي وما سيأتي من عصور بمعطياتها في التطور السريع جدا. لذلك فإنني أرى أن إنسان هذا العصر الذي نعيشه بما يمتلكه من إمكانات تكنولوجية واتصالية واسعة الانتشار، عليه عبء مضاعف في قضية التحري والتحقق والتثبت من الخبر أو المعلومة قبل نشرها؛ لأن الشخص أضحى بإمكانه بضغطة زر واحدة أن ينشر شيئًا على نطاق واسع جدًّا، وفي الوقت نفسه لا يستطيع السيطرة عليه أو محوه من سجلات الشبكة العنكبوتية أو محركات بحثها أو خوادمها المترابطة والمتشعبة بعد ذلك. لذلك يجب على جميع مؤسسات تشكيل الوعي والسلوك (التربية والإعلام والثقافة والأئمة والدعاة) أن تتكاتف من أجل تربية النشء والشباب على ثقافة مواجهة الشائعات وتفنيدها من خلال إتاحة المعلومات الرسمية بصورة ميسرة وشفافة، وتكوين التفكير النقدي لدى النشء، والتربية على تشابك القيم خصوصا قيم الصدق وتحري الدقة والقناعة والصمت، ومواجهة الغموض وتوضيح الأمور المشكلة، ومواجهة الجهل لأن الشائعات لا يكتب لها الحياة في البيئات المستنيرة.. كما يجب على الدول أن تتيح لمواطنيها، المعلومات السليمة الموثقة بشفافية، وفي أوعية نشر إلكترونية ميسرة بحيث تُمكن الشخص من الوصول إليها وتدقيقها وتمحيصها ونقدها ومن ثم مواجهة الشائعات. * عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

مشاركة :