(الحلقة الثانية) من المعروف طبيا ونفسيا أن الشخصية الحساسة جدًا غير القادرة على التكيف مع ظروف حياتها التي تمر بها إلى جانب الضعف الكيميائي في الإنزيمات الموجودة في المخ والتي لم يتوصل العلماء إلى كيفية عملها وعلاقتها الدقيقة بالاكتئاب بعد، هي السبب في إصابة الشخص بالاكتئاب. وهنا يأتي دور الطبيب النفسي الذي يطلب من المريض تناول الأدوية المضادة للاكتئاب لتعديل هذه المواد حتى يختفي مرض الاكتئاب. وهناك أشخاص يصابون بالاكتئاب الذي لا يتجاوب مع الأدوية أو العلاج النفسي فيضطر المريض للجوء إلى الجلسات الكهربائية ليتم شفاؤه. لكن كل هؤلاء المكتئبين أو أغلبهم ممن يصابون بهذا المرض القاسي دوريا أو مرات قليلة أو مرة واحدة في حياتهم مصابون كما ذكرت بضعف في الإنزيمات في المخ التي سأتحدث عنها فيما بعد، وهي تقوم بدور الموصلات الكهربائية. أي أن الاكتئاب مرض نفسي عضوي معا مثلما يصاب البعض بمرض السكر والضغط وقرحة المعدة وغير ذلك من الأمراض العضوية. وإذا كنا نريد أن نعرف بالضبط ماذا يحدث للمريض من أعراض. لكي نتدارك الأمر لعلاجه قبل أن يستفحل المرض لديه، فإننا نستطيع أن ندركه من خلال الأعراض الآتية: 1- فقدان المريض لمشاعره ورغبته في الحياة: يؤثر مرض الاكتئاب في رغبة المريض وحيوية نفسه إذ لا شيء في حياته يستحق أن يهتم به حتى الأم تفقد اهتمامها بأبنائها لكنها تشعر بالذنب ولا تستطيع أن تغير مشاعرها، ويكافح المريض كل يوم ببطء لكي ينجز أبسط الأمور اليومية في حياته، ولا يشعر بالطاقة لكي يمارس ويتمتع بهوايات كان يحب ممارستها حتى لو عاند نفسه وحاول أن يمارسها. مريض الاكتئاب لا يشعر بالتمتع بأي شيء.. داخله خواء مؤلم.. يشعر باليأس الشديد والإحباط والغضب والحساسية الزائدة إلى درجة تدفعه إلى الغضب على أولاده أو من يشاركه حياته بسبب القهر والألم الداخلي الذي يشعر به ولا يستطيع التخلص منه ثم يشعر المريض بتأنيب الضمير لأنه فعل ذلك، وهذا يجعله أكثر اكتئابًا، كما يشعر بالقلق والخوف ويخاف من القيام بالأمور التي تعود على القيام بها أثناء صحته. 2- طريقة تفكيره: يتداخل الاكتئاب مع طريقة المكتئب في التركيز بحيث لا يستطيع التركيز في قراءته لكتاب وتضعف ذاكرته مؤقتا أثناء النوبة ويميل إلى السوداوية في التفكير، فيرى نفسه أقل من غيره ومستقبله مظلما، كما يتصور نفسه في نفق مظلم لا نهاية له أو غرفة مظلمة. 3- تغير سلوكه: يميل المكتئب إلى العزلة.. كل شيء في نظره يحتاج إلى مجهود كبير لكي ينفذه، فيفضل البقاء في البيت وحده، وإحساسه بالقلق يبعده أكثر عن الناس، ويفقده ثقته في نفسه اجتماعيا كما يشعر المكتئب بأنه غير قادر على الاسترخاء، وغير مستقر.. لا يستطيع أن يظل في مكان واحد مدة طويلة، يريد أن يقوم بشيء لكنه لا يعرف ما هو، ويريد الهروب لكن إلى أين؟ وماذا يفعل؟ لا يعرف. وعندما يزداد الاكتئاب يسير المريض ببطء وتتجمد أفكار بعض المرضى خاصة المصابين بمرض الاكتئاب الثنائي القطب ويشعر بثقل شديد على صدره. 4- تغيير كيميائية جسم المريض: تحدث تغيرات كيميائية في الجسم هي التي تسبب حالة الاكتئاب ومن ثم تتغير طريقة تفكير المريض. مشاعر الفرح والجنس والإثارة والقلق والاكتئاب كلها لها علاقة بالتغيرات الكيميائية في المخ. وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة أن هذه التغيرات لها علاقة بهرمونات خاصة بالتوتر مثل «الكورتيزول»؛ أي إن الاكتئاب له علاقة بالتوتر الذي يحدث للجسم وبشكل عام تتغير عدة مواد كيميائية تدعى «الموصلات الكهربائية»، وعندما تقل يحدث الاكتئاب وعندما تزداد يحدث الهوس الاكتئابي، وسأقوم بتوضيح ذلك أكثر في الحلقات القادمة، ولهذا السبب يصف الأطباء النفسيون الأدوية المضادة للاكتئاب والحبوب المعدلة للمزاج مثل «اللثيوم» و«لامكتال» لهؤلاء المرضى. فيشفون من النوبة التي يصابون بها خلال أسابيع قليلة. وتحدث قلة هذه المواد مشاعر لدى المريض فتقل الشهية للطعام. وعلى العكس فإنهم –أحيانًا- يأكلون أكثر من المعتاد فيصابون بالسمنة. وأحيانًا ينهضون مبكرا أو لا ينامون، وعلى المكتئب أن يعلم أن ما يمر به مرحلة وستنتهي بعد فترة من الوقت. تغير علاقات المريض الاجتماعية: يحاول مريض الاكتئاب أن يخفي إصابته بالاكتئاب لكنه مع الوقت يشعر بأنه غير راغب في زيارة أحد أو أن يزوره ضيف. يصبح المكتئب أقل مرحًا، ويشعر بالحساسية الزائدة تجاه علاقته بمن حوله فيزعل سريعًا، ويرفض ممارسة أمور اجتماعية كان يميل لها في السابق، وهذه تعتبر أعراضا طبيعية لمرضى الاكتئاب. على المريض أن يوضح ما يشعر به ولا يشعر بالخجل منها. لأن إحساس المريض بالخجل والإحساس بالذنب يضاعف من مرضه. ومن المعروف عن مرضى «الإكتئاب الثنائي القطب» أنهم لا يستطيعون الاحتفاظ بصداقاتهم نظرًا إلى تغير شخصياتهم أثناء نوبة المرض إلا إذا كان أصدقاؤه مخلصين ومدركين لأعراض مرضه، ويشعر المريض بعدم القدرة على إدارة وتوجيه بعض المواقف الاجتماعية، وأحيانا تتوتر العلاقات في البيت بسبب المرض لعدم تفهم أفراد الأسرة لما يعانيه مريض الاكتئاب.
مشاركة :