لطالما كانت شركة جونسون اَند جونسون رائدة بلا منازع في مبيعات منتجات الأطفال وحاولت دائماً تصوير نفسها كشركة مهتمه وراعية لهذه المنتجات. إلا أن تقرير جديد مذهل صادر عن وكالة رويترز يشير إلى خلاف ذلك، حيث بين إلى أن كميات صغيرة من مادة الأسبستوس كانت موجودة في التالك، وهي المادة التي تجعل المسحوق يتحول إلى بودرة، كما يعود استخدام تلك المادة إلى السبعينيات. ولم تعلن الشركة عن النتائج بشكل علني، وأحيانا تجاهلها للأمر بشكل متعمد اتجاه مواقف المستهلكين ومنظمات الغذاء والدواء. وقد ظهرت المعلومات التي فحصتها رويترز للرأي العام في الصيف الماضي، وتم رفع دعوى قضائية ضد شركة جونسون آند جونسون من قبل 22 امرأة زعمن أن مسحوق الأطفال في الشركة سبب لهن سرطان المبيض، مما أدى إلى صدور حكم بقيمة 4.7 مليار دولار ضد الشركة. ونتيجة لذلك، تم الإعلان عن وثائق الشركة القديمة التي تكشف عن التضليل للعامة. وفي يوم الجمعة، أثر هذا الخبر على أسهم الشركة التي انخفضت بنسبة 11%. وهذا ليس سوى اَخر خبر من سلسلة الأخبار السيئة للشركة، التي كانت تكافح الدعاوى القضائية والعلاقات العامة ضدها. وفي السنوات الأخيرة، واجهت جونسون آند جونسون بعض ردود الأفعال بعد أن تم اكتشاف أن شامبو الأطفال الذهبي النموذجي يحتوي على مكونات من الفورمالديهايد. وقد قامت الشركة بإزالة تلك المواد الكيميائية (على الرغم من أنها آمنة على الأرجح في كمية منتجات العناية الشخصية) وحتى مؤخراً قامت بإصلاح كامل لسلسلة المنتجات المختصة بالأطفال للتنافس مع العلامات التجارية الأصغر منها، وقامت بالترويج لها تحت مسمى المكونات “النظيفة”. ومؤخراً، كانت الشركة تقاوم بعد دعوى قضائية تدعي أن استخدام مادة التالك تسبب الإصابة بسرطانات للمشتكين. كما أن بعض الأدلة من دعوى قضائية في عام 2016 أشارت إلى أن الشركة استهدفت النساء السود والنساء من أصل إسباني في أوائل التسعينات، اللاتي استخدمن بالفعل المسحوق في المنطقة التناسلية بأعداد أكبر من النساء البيض، من أجل عملية “تسويق أقوى”. وقد وصل عدد المدعين ضد الشركة إلى 11.700 وكلها مرتبطة بمادة التالك. وقد نفت الشركة بشدة أن يحتوي التالك على مادة الأسبستوس في جميع هذه القضايا المرفوعة ضدها. فالعلاقة بين سرطان المبيض والتالك لم تثبت بعد، ولا يزال من غير الواضح أن الكميات الصغيرة من الأسبستوس التي تم الإبلاغ عنها في تجارب الشركة السابقة كانت قادرة على التسبب في الإصابة بالسرطان في الماضي أو حتى خلال الدعاوى القضائية الحالية. لكن ما لا خلاف عليه هو أن الأسبستوس هو بالفعل مادة مسرطنة. وقد أثارت الدعاية السلبية الناتجة عن التعويضات القانونية المرتفعة وتقرير رويترز على ما يبدو عن سلوك مخادع من الشركة في الماضي والتي حاولت الترويج لسلامة منتجات النظافة لتسترد ثقة المستهلك إلى الواجهة. كما أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تمتلك قدرة تنظيمية محدودة للغاية على منتجات النظافة ومستحضرات التجميل. لكن هذه الأخبار، التي تأتي في وقت يضغط فيه المستهلك على الكثير من الضغط على المشرعين، قد تشير أن القوانين ستتغير في نهاية الأمر. بودرة اطفال والأسبستوس التالك هو معدن طبيعي يتم استخراجه من الأرض. وليس من المؤكد تماما أن التالك أوالمسحوق النهائي الناتج من التالك هو آمن حتى في أنقى صوره. وفي بعض الحالات، يمكن أيضاً أن يكون ملوثاً بالأسبستوس، والذي يعتبر من المعادن الليفية المعروفة بأنها تسبب السرطان، و غالباً ما تظهر في نفس المناجم مع التالك مما يتسبب بتلوث البيئة. تعترف المنظمات الصحية على مستوى العالم بالأسبستوس كمادة مسرطنة، تسبب الإصابة بسرطانات مثل ورم المتوسطة وسرطان المبيض، وخاصة بين الأشخاص مثل عمال المناجم وعمال البناء وموظفي المصانع الذين تعرضوا لها بكميات كبيرة.بالفعل يصبح الأمر أكثر ضبابية عند محاولة تحديد مقدار التعرض المطلوب لإحداث السرطان. فلا أحد يعرف كم نسبة منه كافية لتؤدي إلى الأصابة بالمرض. ويشير تقرير رويترز إلى أنه من “المستحيل” على الأرجح تنقية التالك وبالتأكيد منالمستحيل اختبار الأسبستوس بدقة وبشكل قاطع في جميع المنتجات التجارية. وكل هذا يثير القلق للمستهلك ويؤدي لرفع الدعاوى القضائية. وتركز مقالة رويترز، التي أعدتها ليزا جيريون، بشكل كبير على التقارير والاختبارات التي أجرتها شركة جونسون اَند جونسون في السبعينيات على بودرة الأطفال ومنتج الاستحمام ” شاور اَند شاور” الذي تم تسويقه للبالغين. وهذا يدلل كيف استغلت الشركة هذه القصة لتضليل المستهلكين وحتى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بعد أن اكتشف العلماء أن الأسبستوس كان ضاراً وأنه يظهر في عينات التالك. وقد كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في مرحلة ما من السبعينات تقوم بتحديد وتنظيم استخدامها. وقد كتبت جيريون: لم تخبر الشركة إدارة الغذاء والدواء عن اختبار عام 1974 الذي قام به أستاذ في كلية دارتموث في نيو هامبشاير التي كشفت أنه تم استخدام الأسبستوس في التالك من قبل الشركة. ولم تخبر جونسون اَند جونسون أيضاً إدارة الغذاء والدواء عن تقرير عام 1975 تم اصداره من مختبرها بالماضي الذي وجد جسيمات تم تعريفها بأنها “ألياف الأسبستوس” في خمس عينات من أصل 17 عينة من التالك التي استخدمت بشكل رئيسي في مسحوق الأطفال. وقد تم كتابة على غلاف التقرير ” أن نسبة التالك في بعض العينات تبدو عالية “. حاولت الشركة الإصرار على أن منتجاتها كانت آمنة للمستهليكن حتى عندما كانت تحتوي كميات ضئيلة من الأسبستوس، وأخيراً تمكنت من إقناعهم بأن المنتجات يمكن اعتبارها خالية من الأسبستوس. وزعمت ان الدراسات التي ترعاها جونسون اَند جونسون أثبتت ذلك. وفي أوائل الثمانينات، ضغط المستهلكون على إدارة الغذاء والدواء لتطلب من المنتجات التي تحتوي على التالك أن تحمل تحذير من الأسبستوس، لكنها رفضت ذلك. لم تستجب شركة جونسون اَند جونسون على طلب Vox للتعليق على الأمر، ولكنه نشر بياناً مطولاً على موقعه على الإنترنت، كتب فيه “مقالة رويترز من جانب واحد، كاذبة وتحريضية” و “نظرية المؤامرة”. بودرة الأطفال جونسون هي آمنة وخالية من الأسبستوس. وتشير دراسات أجريت على أكثر من 100 ألف رجل وامرأة إلى أن التالك لا يسبب السرطان أو الأمراض المرتبطة بالأسبستوس”. واتهمت رويترز بعدم التفكير في التجارب الأخيرة والتعاون مع الهيئات الإدارية. ولكن الشركة لم تدحض أيضاً مزاعم رويترز. الآثار المترتبة على المستهلكين في الوقت الحالي يمكن أن تستغرق السرطانات مثل الأورام المتوسطة عقوداً من الزمان حتى يتم اكتشافها، لذلك حتى لو كان التالك في الثمانينيات والتسعينيات مستخدماً واليوم المنتجات خالية نسبياً من الأسبستوس، فإن التعرض القديم قد يكون له عواقب في الوقت الحاضر. ووفقاً لجيرون في رويترز، “لم تعمد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أبداً إلى الحد من الأسبستوس في التالك التجميلي أو وضع طريقة أفضل لكشفه”. ولكن ربما يتغير هذا الموقف. قامت جمعية السرطان الأمريكية بتغيير الصياغة على موقعها حول التالك كالتالي، “لقد كانت جميع منتجات التالك المستخدمة في المنازل خالية من الأسبستوس منذ السبعينيات”، للإشارة إلى أن المنتجات المنتجة في الولايات المتحدة “يجب أن تكون خالية من الأسبستوسوس”. وعلى ما يبدو قام بتعديل الموقع بتغيير الصيغة بعد أن وصلت رويترز إلى الأدلة التي اكتشفتها من أجل هذه القصة. واجهت إدارة الغذاء والدواء بالفعل ضغوطاً من المستهلك للنظر عن كثب حول استخدام التالك. وقد انخفض استخدام مسحوق الأطفال وهو يمثل نسبة صغيرة من منتجات جونسون اَند جونسون حالياً. لكن يتم استخدام التالك في الكثير من مستحضراتالتجميل ومنتجات العناية الشخصية الأخرى، مثل الماكياج وحتى الكريمات. وفي شهر اَب، أخذت إدارة الغذاء والدواء عينات من العديد من موردي التالك وعلامات مستحضرات التجميل من جميع الأسعار، بما في ذلك المنتجات الشهيرة مثل ميبيلين ونارس وريفيلون. وحللتها في مختبر مستقل ووجدت أن لا شيء يحتوي على الأسبستوس، على الأقل عند مستويات يمكن اكتشافها من خلال أنواع الاختبارات التي استخدمها. لكنها اعترفت بأن النتائج كانت محدودة بسبب العدد القليل من المنتجات التي تم اختبارها. يواجه المشرعون ضغوطاً متزايدة على مدى السنوات القليلة الماضية من ما يسمى بشركات التجميل للمنتجات “النظيفة” ومن محامي المستهلكين على حد سواء لإصدار قوانين تمنح هيئة إدارة الغذاء والدواء سلطة تنظيمية أكبر على مستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية. وقدم مشروع القانون السناتور ديان فاينشتاين وشارك في رعايته السناتور سوزان كولينز لهذا الغرض. وقال سكوت جوتليب، المفوض الحالي لإدارة الغذاء والدواء، لرويترز أن سلامة التالك تعد أولوية بالنسبة للوكالة. وقال إن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تخطط لعقد منتدى في أوائل عام 2019 “للنظر في كيفية تطوير معايير لتقييم أي مخاطر محتملة.” بودرة الأطفال والذعر المرتبط بها من غير الواضح ما إذا كانت شركة جونسون اَند جونسون ستتوقف عن إنتاج مسحوق الأطفال النموذجي. وقد يفسر قيامها بهذه الخطوة بمثابة اعترافها بالخطأ، مما يؤدي إلى المزيد من الدعاوى القضائية أكثر مما هو موجود بالفعل. وقد ترفض الشركة القرار في أعقابها. وقد أصرت في جميع الدعاوى القضائية المختلفة (التي فازت بالعديد منها) بأنها تعتقد أن أعمال التالك الخاصة بها آمنة وكررت هذا الموقف في ضوء اصدار مقالة رويترز. قال أحد ممثلي شركة جونسون اَند جوسنون ل Vox في ايلول أن الشركة قامت بإزالة بعض المواد الكيميائية من منتجات الأطفال في السنوات الأخيرة على الرغم من “أن الناس سوف يصدقون العلم في نهاية المطاف ويدركون أن هذه المكونات آمنة تماماً للاستخدام في المنتج”. وليس من المرجح أن يبدأ المستهلكون في الشعور بتحسن حتى بشأن شبح الأسبستوس في منتجاتهم في أي وقت قريب، على الرغم من أن الثقة في الشركة قد انخفضت بشكل واضح. أحد الأسباب الأخرى لهذه المشكلة شائكة جداً وهو أنه من الصعب جداً تحديد السبب النهائي لحالات السرطان. وكما أشارت نيكول ويتسمان في مجلة العلوم الشعبية في شهر آب، بعد أن منحت تعويضات كبيرة لـ 22 امرأة زعمن أنهن أصبن بسرطان المبيض من استخدام بودرة الأطفال (سواء كان الأسبستوس موجود أم لا)، فإن الأدلة القانونية والعلمية لها معايير مختلفة. و قد كتبت: “إن ما يعتبره النظام القانوني حول الأدلة الكافية لإثبات أن سبب المرض هو التعرض للمادة يختلف عن المعايير العلمية، ويمكن أن تكون محاولة الجمع بين القانون والعلم معاً هي محاولة خطرة”. هناك الكثير من المخاوف التي لا أساس لها حول المواد الكيميائية في المنتجات الاستهلاكية في الوقت الحالي، وبالتأكيد هناك محامون سيحاولون الاستفادة من آخر الأخبار السيئة لشركة جونسون آند جونسون. وعلى الرغم من وجود الكثير من الغموض حول التالك، يبدو أنه قد حان الوقت جدياً حول استخدام بودرة الأطفال التي تعتمد على التالك والتي كانت جزءا من خزنة الأدوية على مدار التاريخ
مشاركة :