ليس من رأى كمن سمع؛ لذا من الطبيعي أن يختلف المتابعون في تقييم التجربة المصرية الحالية في التنمية، خاصة في ظل تجاهل إعلامي لأضخم ورشة إعمار تشمل بناء مدن جديدة وشق طرق، كما لم يحدث من قبل. بدعوة من الرئاسة والقوات المسلحة ووزارة الاستثمار في مصر، شاهد ممثلو الصحف الكويتية تجربة تستحق أن يسلط عليها الضوء لآلاف العاملين تحت إشراف مهندسي الجيش وهم يصنعون خريطة جديدة، يغيرون جغرافيا البلد ويكتبون لها تاريخا جديدا. وعلى مدى 30 ساعة متواصلة لم يقطعها سوى ساعات قليلة للنوم، تمت الجولة الصحافية بدءا من مدينة الإسماعيلية ثم العبور إلى سيناء، والتقدم شمالا حتى ميناء شرق بورسعيد، وبعدها العودة إلى العاصمة الجديدة، فمدينة الجلالة. لم يكن هدف الجولة مناقشة الجدوى الاقتصادية أو البدائل التنموية، أو توقّع موعد جني المواطن لثمار تلك المشروعات، وإنما رؤية ما يحدث على أرض الواقع. خريطة استثمار وفي لقاء مع ممثلي ومندوبي الصحف الكويتية، أكد نائب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصرية، محمد عبدالوهاب، أن خريطة مصر الاستثمارية تضم أكثر من 1000 فرصة واعدة، لاسيما بالمشروعات القومية الكبرى، مثل محور قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة والمتحف المصري الكبير. وأضاف أن الخريطة الاستثمارية ترتبط بعدد كبير من المواقع الحكومية حتى يستطيع المستثمر الحصول على بيانات أكثر تفصيلا، الى جانب أن موقع الخريطة يحتوي على 13 دراسة قطاعية تشرح مميزات الاستثمار وتنويهات عن المناطق المخطط إنشاؤها. وأشار الى إمكانية تعرّف المستثمر من خلال الخريطة الاستثمارية على أقرب الخدمات لموقع الاستثمار من مطارات وموانئ ومدارس ومستشفيات ومزارات سياحية، حتى يتسنى له مقارنة الفرص الاستثمارية. واستعرض عبدالوهاب الخدمات التي يقدمها مركز خدمات المستثمرين، قائلا إنه أسس على أحدث النظم العالمية لتسهيل إصدار رخص وموافقات التأسيس وزيادة رأس المال وتغيير النشاط وغيرها من المسائل المتصلة بعمل الشركات. وبيّن أن المركز يضم ممثلين عن 66 جهة حكومية يعملون وفق أفضل معايير خدمة العملاء، مما يسهم في تقليل فترة تأسيس الشركة لتصبح خلال 24 ساعة في خطوتين، أولاهما تقديم المستندات والثانية توقيع محضر توثيق عقد الشركة وتسلّم السجل التجاري والبطاقة الضريبية. ولفت إلى أن قانون الاستثمار الجديد في مصر منح ضمانات عديدة للمستثمرين، وأبرزها "تكفل الدولة للمستثمر الأجنبي بمعاملة مماثلة كتلك التي تمنحها لنظيره المحلي، الى جانب التزام الدولة باحترام وإنفاذ العقود التي تبرمها". كما بيّن أن القانون يمنح المستثمرين حق "إنشاء وتملّك وإدارة المشروع الاستثماري وتمويله من الخارج بالعملة الأجنبية دون قيود وجني الأرباح وتصفية المشروع وتحويل ناتجه للخارج دون إبطاء ودون الإخلال بحقوق الغير، الى جانب حماية المشروعات من القرارات التعسفية أو التمييز وغيره من الحقوق". وأكد عبدالوهاب وجود آليات سريعة للنظر في الطلبات أو المشكلات أو النزاعات التي تعترض المستثمرين بإجراءات جديدة مبسطة تتسم بالشفافية والوضوح، بما يوفر للمستثمر ضمانات كاملة للوصول للقرار في حل تلك الصعوبات "إن وجدت" في الوقت الأمثل. قناة السويس وسيناء وكما كانت قناة السويس هي كلمة السر في الحروب التي خاضتها مصر، فإنها الآن مرشحة لتكون مفتاح التنمية وقاطرة الاقتصاد، خاصة بعد أن اختار الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يدشن ولايته الأولى بمشروع القناة الجديدة. ويقول رئيس هيئة القناة الفريق، مهاب مميش، إن خطة التنمية تعتمد على خلق قيمة مضافة من السفن العابرة بدلا من الاكتفاء برسوم المرور. ويطمح الفريق مميش في أن تصبح القناة هي الوجهة الأولى لتموين وإصلاح وصيانة السفن. ويضيف إنه تم بالفعل توقيع عقود لضخ استثمارات بقيمة 27 مليار دولار من المتوقع أن توفر 400 ألف فرصة عمل جديدة حول ميناءي العين السخنة وشرق بورسعيد. العاصمة الجديدة لا يستغرق الطريق إلى العاصمة الإدارية الجديدة أكثر من ربع ساعة بعد مغادرة القاهرة باتجاه الشرق لتظهر مآذن مسجد "الفتاح العليم" كأول ما يستقبل المتجه إلى المدينة التي باتت حلم المصريين، ثم تتوالى مشاهد الكاتدرائية القبطية الجديدة، والبنايات الضخمة، والعمارات السكنية والفيلات والمنشآت الحكومية التي نبتت جميعا وسط الصحراء في زمن قياسي، بانتظار انتقال الرئيس والحكومة إليها قبل منتصف عام 2020 لتدار مصر رسميا من هنا، وليس من القاهرة التي استمرت عاصمة رسمية أكثر من 1000 سنة. ويفخر اللواء شعبان ضاحي، نائب رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المشرف على بناء العاصمة، بأن عدد العاملين في تشييد المدينة لا يقل حالياً عن 300 ألف يسابقون الزمن لاستكمال الإنجاز الأهم الذي يتطلع إليه المصريون. وتضم المرحلة الأولى الجاري العمل بها على مساحة 170 ألف فدان كلا من الحي الحكومي وبه مقار حديثة لـ 34 وزارة ومقار للبرلمان ومجلس الوزراء والمحكمة الدستورية، وحي للثقافة والفنون يشمل دارا للأوبرا ومكتبة ودورا للعرض السينمائي ومسارح ومتاحف، وحي للأعمال به ناطحات سحاب ومقار للبنوك، وحي تعليمي بدأ تشغيله بالفعل، حيث بدأت الدراسة فيه لفرع جامعة كندية، وأحياء سكنية متنوعة تخترقها جميعا حديقة عامة تدعى "النهر الأخضر" طولها 35 كيلومترا وعرضها 1000 متر. ومن المقرر أن ترتبط العاصمة الإدارية ببقية المدن بواسطة قطار سريع وآخر كهربائي و"مونوريل"، إضافة إلى المطار الذي شارف على الانتهاء. مدينة الجلالة من أكبر مشروعات التنمية حاليا في مصر المدينة الجاري إنشاؤها فوق جبل الجلالة قرب العين السخنة على ساحل البحر الأحمر، حيث تشمل أنشطة صناعية وتعليمية وسياحية. ومن المقرر افتتاح المرحلة الأولى من مدينة الجلالة مطلع العام المقبل، والتي تضم جامعة حديثة بها 14 كلية في مختلف التخصصات، ومصنعا للرخام بدأ تشغيله بالفعل اعتمادا على محاجر تم اكتشافها في الجبل عقب شق الطريق الجديد الموصل للمدينة على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر، وفندقين أحدهما فوق الجبل والثاني على ساحل البحر، مع مارينا لليخوت ومنطقة للألعاب المائية وتليفريك. ويعتبر مصتع الرخام نواة لمنطقة صناعية تضم 7 مجمعات كل منها على مساحة مليون متر مربع، ويخصص إنتاجه حاليا للمشروعات القومية، على أن يبدأ العام المقبل في التصدير. ومن المخطط إنشاء مجمع طبي عالمي داخل المدينة، ومناطق سكنية، وقرية رياضية أولمبية.
مشاركة :