اضطرابات وانقسامات في العديد من العواصم، تعصف بالاتحاد الأوروبي وتنذر بتغير وجه القارة العجوز منذ الصعود المتنامي لليمين القومي المتطرف في ألمانيا وفرنسا وهولندا وبولندا والنمسا والسويد والمجر وإسبانيا وإيطاليا، وظهور ملامح انتهاء عصر الأحزاب الوسطية التي كانت تحمل شعوراً إنسانياً متسامحاً، مروراً بالاحتقان غير المسبوق في المجتمع البريطاني الملتهب في معركة البريكست المعقدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتبعاتها المرعبة، والمخاوف من دخول المملكة المتحدة في ركود لم تشهده من قبل، ووصولاً إلى غضب «السترات الصفراء» في فرنسا والمطالبات بإقالة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حذر من خطر محدق بأوروبا، نتيجة تصاعد تيارات قومية وصفها بـ«الطاعون»، تضفي على القارة أجواء مشابهة لتلك التي سادت بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تسببت في معاناة دول عدة في القارة العجوز. المراقبون يشعرون بقلق بالغ على المصير الأوروبي المشترك برمته، إنْ تصاعدت الأحداث في فرنسا وانفرط عقد دول أخرى، وخرجت بريطانيا بلا اتفاق لتتبعها دول أوروبية أيضاً بما يهدد بانهيار الاتحاد الذي يضم 28 دولة ومسيرته التي بدأت منذ اتفاقية روما 1957 وتوسعت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وجدار برلين نهاية الثمانينيات لمحاربة التمزقات والفوارق الاجتماعية، إلى تأسيس فعلي بموجب معاهدة ماستريخت 1992 التي نصت على اتحاد اقتصادي ونقدي موحد لدول أوروبا ونظام سياسي واقتصادي واحد داخل اتحاد قوي. ويرى المراقبون أن الأسوأ قادم لا محالة، مؤكدين أن «الشعبويين» والمتشددين الذين يقودون كثيراً من الأحزاب في أوروبا الآن لديهم أجندة غاضبة أحادية. وبين المشهد في بريطانيا، والمشهد في فرنسا، التساؤلات كثيرة حول: ما هو المتوقع في أوروبا بعد صعود التيارات المتشددة؟ وهل ستتأزم العلاقة بين الجنوب والشمال؟ وما هو مصير المهاجرين بعد إغلاق أوروبا أبوابها في وجههم؟. المشهد مرعب للقارة العجوز التي تبدو الآن أمام ما يمكن وصفه بـ«الخريف الأوروبي» على غرار «الربيع العربي» عام 2011. الشعبوية واليمين المتطرف سيطر التيار الشعبوي المتطرف على حكومات وبرلمانات دول أوروبية بأكملها كحال المجر وبولندا، وفي دول أخرى كألمانيا، حصل 100 من أعضاء حزب «البديل» على مقاعد في مجلس النواب «البوندستاج»، بل حتى في دول أخرى إسكندنافية، مثل النرويج والسويد، حيث لم يكن من المتصور أن ينجح اليمين المتطرف بدخول حكومات ائتلافية تجمع الأصوليين والمعتدلين. أما صعود اليمين المتشدد في إيطاليا، إحدى قلاع النهضة والتنوير الأوروبي، فكان المشهد يميل إلى الظلامية، حيث تعتبر تيارات اليمين المتشدد، الهجرة «قنبلة اجتماعية جاهزة للانفجار» ما سيؤثر عكسياً على عدد اللاجئين والمهاجرين إليها لاسيما من العالم العربي المليء ببؤر التوتر والصراعات، حيث وعد الكثيرون بطرد المهاجرين غير الشرعيين الفارين من ويلات الحروب في بلادهم. واليمين المتطرف مصطلح سياسي يطلق على الجماعات والأحزاب لوصف موقعها من المحيط السياسي، والفرق بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف أن الأول يسعى للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، والثاني كذلك، ولكن الاختلاف يكمن في أن الثاني يدعو للتدخل القسري واستخدام العنف للحفاظ على تلك التقاليد والأعراف. كما أن الشعبوية تيار مهم بين الجماعات اليمينية. وبحسب تعريف المركز الأوروبي لمصطلح «الشعبوية» هو تيار سياسي يقوم على تقديس الطبقات الشعبية ويتبنى خطاباً سياسياً قائماً على معاداة مؤسسات نظامه السياسي ونخبه المجتمعية. وقد تكاثرت أحزابه وحركاته في البلدان الغربية خاصة، ما أجج مخاوف من آثار ذلك على استقرار النظم الحاكمة فيها، وأصبحت الأحزاب والحركات الموصوفة بـ«الشعبوية» قوة سياسية واجتماعية حاضرة بقوة بأنحاء أوروبا خاصة في أوساط اليمين المتطرف. الجذور.. فاشية ونازية الواقع أن وجود اليمين المتطرف في الأنظمة السياسية الأوروبية ليس ظاهرة جديدة، ذلك أن الفاشية والنازية والقومية المتطرفة هيمنت على أوروبا في حقبـة مـا بـين الحربين العالميتين، ودفعتهـا نحو الحرب. أما في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فقد بدأ اليمين المتطرف في الاختفاء عملياً مـن الساحة. وهمشت الحركات والأحـزاب المنتميـة لليمـين المتطـرف في أغلـب الـدول الأوروبيـة، وهنــاك سـببان رئيسان لهــذا الرفض، فمــن جهــة عـدت الأيديولوجيتان الفاشـية والنازيـة والحركات الــتي جسدتهما أو دعمتهما مسـؤولة بدرجـة كبـيرة جـداً عـن كارثـة الحـرب العالميـة الثانيـة، ومـن جهـة أخـرى فقـد اتهمت وأدينت القوى السياسية لليمين المتطرف في البلدان التي احتلتها ألمانيا النازية، حيث انتهجت تلك القوى في أغلب الأحيان سلوكاً تعاونياً مع المحتل. وبحسب المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية فإن من عوامل صعود هذا التيار التغيرات الكبيرة التي حدثت في أوروبا مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك الكتلة الشرقية متمثلة في «حلف وارسو» وتأسيس الاتحاد الأوروبي نتيجة معاهدة ماستريخت 1992، ما أدى إلى عودة بعض الدويلات التي ظهرت من انهيار الاتحاد السوفييتي إلى أصولها العرقية وهو ما ساهم في ظهور النزعة القومية عند الكثير من الأوروبيين وانضمام مثل هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد. ومع بداية الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي اعتبرها البعض الأسوأ منذ الكساد الكبير 1929، انتشرت البطالة والركود الاقتصادي، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم في وظائفهم وخاصة المسلمين، وهنا ظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم. وتعـد الهجـرة أحـد الأسـس المهمـة في خطـاب اليمـين المتطـرف في أوروبا، فقـد كـان لتوظيـف قضـية الهجرة دور كبير في نهضة أحزاب اليمين المتطرف، وفضـلاً عـن ذلـك فـإن البطالـة، والتـدهور الاقتصـادي، وفداحة الضـرائب، ورخـاوة العدالـة، والمسـتوى السـيئ للنظـام التعليمـي طرحـت في خطـاب اليمـين المتطـرف أشـبه مـا تكـون بـ«الحزمـة الشاملة». وفي 2008 أيضاً، قامت الأحزاب اليمينية في أوروبا بخطوة جديدة في معاداة المهاجرين وخاصة المسلمين فقامت بإنشاء منظمة تهدف لمكافحة «الأسلمة» في أوروبا والتي حملت اسم «المدن ضد الأسلمة». ومن أهم عوامل صعود اليمين المتطرف أيضاً أن زيادة سرعة الاندماج الأوروبي أدت إلى زيادة المخاوف من أن ذلك الاندماج سيأتي على حساب الخصوصية الوطنية والمحلية. مع بداية ما عرف بالربيع العربي، ظهرت صراعات في الشرق الأوسط من الأزمة السورية إلى الأزمة الليبية واليمنية وظهر تنظيم داعش الإرهابي وتدهورت الأحوال المعيشية للمواطن العربي. كل ذلك أدى إلى زيادة الهجرة واللجوء لأوروبا، إضافة إلى تصاعد الهجمات الإرهابية من حادث تشارلي إيبدو إلى باريس إلى بروكسل وغيرها من الهجمات، ما دفع انتشار الفكر المتطرف إلى دعم الفكر اليميني المتطرف بين قادة الرأي العام الأوروبي، ناهيك عن أن زيادة منافسة المهاجرين على الوظائف الموجودة وفي ظل وجود نسبة بطالة، أدى لزيادة المخاوف عند الكثير من الأوروبيين على هويتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم وعلى العرق الأوروبي وأيضاً الخوف من اختفاء ما يسمى دولة الرفاهية. «الشعبوية».. الأرقام تتكلم في يونيو 2018، أكد تقرير لمؤسسة «يوغوف» تقدّم «حزب ديمقراطيي السويد» اليميني المتطرّف على بقية الأحزاب السياسية، في يمين ويسار الوسط، وذلك قبيل الانتخابات البرلمانية في سبتمبر، مستغلاً ملفات الهجرة واللجوء، لتحقيق غاية زعيمه جيمي أكيسون، تولّي رئاسة الحكومة. وأظهرت نتائج استطلاع رأي حصول هذا الحزب على نحو (28.5%) من أصوات الناخبين، وتقدّمه من 23% إلى 28.5%، متجاوزاً بذلك أكبر وأعرق الأحزاب في يسار الوسط «الحزب الاجتماعي الديمقراطي» الذي لا تمنحه الاستطلاعات أكثر من 22%، ومتجاوزاً أيضاً أكبر أحزاب يمين الوسط «حزب الاعتدال»، والذي منحته الاستطلاعات حوالى 17%. وفي المجر، حصد فكتور أوربان ولاية ثالثة على رأس الحكومة، بتحقيق حزبه القومي المحافظ في الانتخابات فوزاً ساحقاً في أبريل 2018، ما عزز قدرته على الإمساك أكثر فأكثر بالسلطة ومواصلة مواجهاته مع الاتحاد الأوروبي. وجاء الفوز تاريخياً، بحسب النتائج لحزبه القومي المحافظ «التحالف المدني المجري» (فيديس) الذي أسسه 1988، بعد أن حصل على 48,8 % من الأصوات. وفي إيطاليا، فاز التحالف الشعبوي المناهض للاتحاد الأوروبي والمهاجرين بنحو 37% من الأصوات في الانتخابات التشريعية. وقال محللون إن الانتخابات طبعت برفض الناخبين للأحزاب التقليدية والنخبة، والتململ من التباطؤ الاقتصادي، والتوتر حول موضوع الهجرة والاتحاد، ما جعل إيطاليا تنضم إلى خط معاد للاتحاد. وفي ألمانيا، أثبتت نتائج الانتخابات التشريعية أنّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» بات ثاني أكبر قوة بعد حزب المستشارة ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حيث حصل على ما نسبته 22.8% من الأصوات، بينما حصل الاتحاد المسيحي على 28.6% ، فيما حصد حزب اليسار 17.1% والحزب الاشتراكي الديمقراطي 13.8%. بينما تولى حزب اليمين المتطرف النمساوي في ديسمبر 2017 ثلاث وزارات سيادية في الحكومة الائتلافية هي الدفاع، والخارجية، والداخلية، وأكد رئيسه هاينز-كريستيان شتراخه أنه وبطلب من حليفه في الحكومة سيباستيان كورتز، لن يلجأ إلى الاستفتاء الشعبي فيما يخص الخروج من الاتحاد الأوروبي. أوروبا.. انقسام غير مسبوق يرى خبراء أن الاتحاد الأوروبي ربما يبقى ويتم إنقاذه في اللحظات الأخيرة أمام التيار الشعبوي الصاعد. بينما يعتبر آخرون أن الانهيار قريب، فصعود التيارات الشعبوية جاء بعد فشل الاتحاد في توفير ما يحتاجه المجتمع الأوروبي، وبالتالي الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أقوى بكثير من أن يقف أحد أمامه، ويؤكد هؤلاء أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والسترات الصفراء في باريس والنجاحات المتعددة للتيارات الشعبوية في الدخول إلى البرلمانات الأوروبية المختلفة والتواصل المستمر بين قادة هذه الأحزاب المتطرفة ومن أبرز هؤلاء مارين لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، التي أعلنت مراراً رغبتها في خروج فرنسا من الاتحاد، وعزمها تنظيم استفتاء مشابه لما حدث في بريطانيا إذا فازت في انتخابات الرئاسة، وخيرت فيلدر زعيم حزب الحرية في هولندا الذي دعا إلى الخروج من الاتحاد، وتمكن في الانتخابات الأخيرة من زيادة مقاعد حزبه في البرلمان غير أنه لم يتمكن من الفوز بالانتخابات. هذه الشعارات تؤكد إحباط هذه الأحزاب واحتقانها ومن يؤيدها من فكرة الوحدة الأوروبية، كما أن هناك من يعتبر أن صمود الاتحاد معناه نجاح ألمانيا في السيطرة على أوروبا بعد أن فشلت محاولاتها عبر عقود طويلة في السيطرة عليه. من يشحن الأحزاب الشعبوية؟ وحذر مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية جاسم محمد من اجتياح اليمين للمشهد في أوروبا حيث أكد أن اليمين المتطرف شهد تمدداً كبيراً خلال العامين السابقين، ولفت أن هناك عمليات انتخابية مهمة جرت عام 2017، وهذا الاتجاه في فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا، سيسرع من نجاح الأحزاب الشعبوية المشككة في البناء الأوروبي والمعادية للهجرة في إعادة تشكيل المشهد السياسي في القارة. وقال محمد في تصريحات لـ«الاتحاد» في اتصال هاتفي من ألمانيا إن زعماء الأحزاب الشعبوية يشحنون المجتمع لهدم الاتحاد وتفكيكه، فعلى سبيل المثال قامت مارين لوبن في فرنسا بالكشف عن هدفها، في أعقاب تظاهرات «السترات الصفراء» بالقول: «في فرنسا، هدفنا هو هزيمة ماكرون والعمل مع حلفائنا، الجماعات القومية الأخرى، على تكوين أغلبية تنأى عن الاتحاد الأوروبي المتهالك وتتحرك صوب تعاون بين الدول مع الاحترام المتبادل لتنوعها وهويتها». وبحسب محمد فإن لوبن والتيارات الشعبوية الأخرى تهدف إلى إجبار بروكسل (مقر الاتحاد) على إعادة السلطات إلى الدول الأعضاء وهو ما يقول أنصار الاتحاد إنه يؤذن بانتهاء الوحدة السياسية والنقدية لأوروبا. وحذر محمد من صعود اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا الذي أصبح يشارك الآن في حكومات العديد من دول أوروبا، منها دول أوروبية شرقية مثل المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، وفي أوروبا الغربية نجدهم في حكومات هولندا وإيطاليا والدنمارك والنمسا، وفي ألمانيا يشكل اليمين الشعبوي المتمثل بحزب «البديل من أجل ألمانيا» القوة البرلمانية الثانية بعد حزب ميركل. وكشف عن تقرير حكومي صدر في يونيو 2018 بأن المملكة المتحدة تواجه تهديداً إرهابياً متزايداً مصدره اليمين المتطرف، وقال إنه خلال السنوات الخمس الماضية، وقعت 4 هجمات إرهابية في المملكة المتحدة ارتكبها أفراد مدفوعون بدرجات متفاوتة من إيديولوجيات يمينية متطرفة. وأكد أن العاصمة التشيكية براغ احتضنت مؤخراً اجتماعاً مثيراً للجدل لقادة أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، تمسكوا خلاله برفض سياسات الاتحاد الأوروبي المتبعة في قضايا الهجرة واللاجئين. فيما دعت مارين لوبن إلى الثورة على قوانين الاتحاد الأوروبي وتدميره من الداخل. وكشف محمد أن «ستيف بانون» مدير حملة ترامب الانتخابية، ومستشار سابق للبيت الأبيض، ينشط بشكل جاد من داخل بروكسل للتأثير على الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة. وأكد أن بانون يأمل بالتعاون مع «الحركة» التي يركزها في بروكسل، في توحيد صفوف الحركات المتطرفة، على الرغم من الاختلافات التي تعاني منها. ويمتلك بانون شبكة مهمة من العلاقات مع التجمع الوطني في فرنسا، وعلى وجه الخصوص مع ماريون ماريشال (لوبن)، ومع فيكتور أوربان في المجر عن طريق الرابطة الإيطالية، أو الأحزاب المتطرفة في السويد وألمانيا. ولفت أن دخول روسيا وتركيا هي الأخرى، على أوروبا من بوابة النمسا، كونها الدولة الأوروبية، التي لا تقع تحت حماية الناتو. وأضاف «ما يجري الآن هو عودة أوروبا إلى التمترس القومي، إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية». وقال إن وجود بانون في بروكسل، مؤشر إنذار إلى أوروبا، والذي ستظهر نتائجه في انتخابات البرلمان الأوروبي، خلال شهر مارس 2019، ورجح أن يشهد اليمين المتطرف صعوداً أكثر. وهذه المرة التهديد هو «تغيير» يأتي من قلب أوروبا، بشكل ناعم ومشرع، ولا يمكن استبعاد «بانون» عما يجري في باريس أبداً، من خلال عمله المشترك مع لوبن. أوروبا التقليدية ماتت إكلينيكياً ورأى حسين وائلي الباحث السياسي بالاتحاد الأوروبي أن الاتحاد أمام تحديات سياسية واقتصادية وأمنية ضخمة وهناك تحديات جديدة هي التحديات السوسيولوجية وهي الحركات الاجتماعية مثل السترات الصفراء في فرنسا. لكنه استبعد انهيار الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي وإن توقع عدم صمود هذا الاتحاد خلال العقد المقبل إذا استمرت تلك التحديات في الصعود، وقال إن هذه المؤسسة تحتاج إلى إعادة هيكلة لمنطقة اليورو. وقال وائلي في تصريحات لـ«الاتحاد» عبر الهاتف من بروكسل إن التيار السياسي الاجتماعي الجديد الذي يقوده الشباب يكتسح التيار التقليدي الكلاسيكي ويحاول مواجهة البنوك والديكتاتورية المالية التي تهيمن عليها مجموعة شركات وبنوك، وهنا يقف الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍّ كبير ويصعد السؤال: هل يصمد الاتحاد؟. وأكد مرة أخرى أن الاتحاد لن يصمد، لأنه ليس لديه نية للتغيير، فهناك انتخابات على الأبواب في مارس 2019 في البرلمان الأوروبي، وإذا ما اكتسحت التيارات الشعبوية هذه الانتخابات ستكون حاسمة في انهيار الاتحاد العجوز. وقال وائلي إن الإشكالية ليست فقط في صعود التيارات الشعبوية ولكن أيضاً في الأزمة الاقتصادية التي لم يستطع الاتحاد الأوروبي الخروج منها. فارتفاع نسبة البطالة في دول الاتحاد حتى في أقوى دولها، وهناك تحدٍّ دولي آخر متمثل في الصين وروسيا والهند وأميركا، ولذا نرى بريطانيا لا تريد أن تبقى في البيت الأوروبي داخل هذا التراجع. ورأى أن الاتحاد لن يلحق بالركب إذا لم يحدِّث مؤسساته وسياساته، ولكن هذا التحديث أيضاً سيواجه بصدام كبير مع حكومات أوروبا التي يسيطر عليها التيار الشعبوي الآن. وربط وائلي بين صعود التيار اليميني في الولايات المتحدة وصعوده في أوروبا، وقال إن مستشار الرئيس الأميركي قد افتتح مؤسسته في أوروبا وحظي بالدعم من مارين لوبن في فرنسا ووزير داخلية إيطاليا الذي يقود اليمين المتشدد هناك، ويبدو أن هناك رابطاً بين صعود التيار الشعبوي في أميركا وأوروبا لأن حركة الشارع والأزمة الاقتصادية والاجتماعية أقوى كثيراً مما يتوقع البعض فالهجرة والأمن والإرهاب وهناك انفجار في ستراسبورج وما زالت التظاهرات مستمرة في باريس. كما أن التدخل الروسي في صعود التيار الشعبوي يتمثل في الوكالات الإعلامية والحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي. ورأى أن الحلول تتمثل في الانتخابات القادمة التي يجب أن تفوز فيها الدول المعتدلة بأغلبية المقاعد وإعادة هيكلة الاتحاد حتى يتماشى مع الواقع الجديد والثورة التكنولوجية. فالاتحاد الأوروبي لم يعِ الثورة التكنولوجية حتى هذه اللحظة، ولم يعِ التطور الهائل في التكنولوجيا في الهند وروسيا والصين، وظل مراوحاً مكانه خلال الفترة الماضية. فأوروبا الكلاسيكية التقليدية لم تعط الشعوب ما تريد، فالشعوب بحاجة إلى مقاربة سياسية واقتصادية جديدة. ضغوط خطيرة وقال خطار أبو دياب إنه في بدايات القرن الحادي والعشرين كان الاتحاد الأوروبي يعتبر نموذجاً للرخاء الاقتصادي والاندماج وواحة سلام، بعدما حفل القرنان السابقان بحروب إقليمية وعالمية دامية. وكان اليورو العملة الموحدة من التجارب النادرة في التاريخ. لكن منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 بدأ خط تراجعي في مسار العمل الأوروبي المشترك وصل إلى بريكست في 2016. ومما لا شك فيه، أن مما أسهم في ذلك مناخات الفوضى الاستراتيجية في العالم، وفي القلب منها انعكاسات الصعود الروسي وأزمات اللجوء والهجرة والأحادية الترامبية (في إشارة إلى الرئيس الأميركي). وأدى هذا الوضع إلى تراجع الفكرة الأوروبية وصعود قوى شعبوية ومن خارج المؤسسات في عدة دول منها إيطاليا والنمسا والمجر والتشيك وبولندا، مع ما يعني ذلك من تهديد لكل المشروع الأوروبي، خاصة أن قوى مماثلة من أقصى اليمين والشعبويين تسجل حضوراً أكبر من ألمانيا إلى هولندا وفرنسا وغيرها وستكون لحظة انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2019 اختباراً حقيقياً يضع الاتحاد الأوروبي على المحك. ولذا يأتي حراك السترات الصفراء في وقت غير مناسب للمشروع الأوروبي، إذ لا يعني رفضاً لخطوات ماكرون الإصلاحية في الداخل، بل يشكل ذلك تعطيلاً أو إعاقة لاندفاع ماكرون الأوروبي. وفي الأسابيع الأخيرة بدا المشهد الأوروبي مربكاً وأخذت أوروبا وكأنها تتحول من الواحة الأكثر استقراراً في العالم إلى موجة احتجاج عارم في فرنسا، وحقبة ميركل التي أخذت تنتهي، وإيطاليا التي تلعب لعبة خطرة مع الاتحاد الأوروبي. بينما تقوم روسيا في مواجهة أوكرانيا، وتخرج بريطانيا من الاتحاد الذي يستنزفه الصعود الشعبوي الرافض له. لا انهيار للاتحاد واستبعد فواز جرجس فوزي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن فكرة انهيار الاتحاد الأوروبي رغم معاناته من ضغوط خطيرة للغاية، ولكنه رجح أنه يواجه مشكلة وجودية. وأقر في تصريح صحفي لـ«الاتحاد» أن اليمين المتشدد في صعود هو والتيارات الانفصالية وأوروبا منقسمة على نفسها بشكل غير مسبوق، ولكن أكد أنه حتى هذه اللحظة لا يواجه تحدياً وجودياً وأرجع أسباب صعود التيار الشعبوي أو «القومية الفجة» أو «التيارات المتطرفة» إلى فشل النخب السياسية والاقتصادية التقليدية في توفير الأمن والاستقرار لشعوبها، ورأى أن السبب الثاني وراء صعود هذا التيار هو «العولمة» التي أدت إلى تراكم الثروات في أيدي القليلين وتهيش قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة. وأوضح جرجس أن السبب الثالث هو «الثورة المعلوماتية» التي أدت إلى زعزعة الأفراد في المجتمعات متعددة الثقافات، معرباً عن اعتقاده بأن ما نشهده الآن هو صراع هويات وحنين إلى الماضي وإلى الهوية الأصلية لتلك الشعوب، لافتاً إلى أن تلك الأسباب أدت إلى صعود التيارات الشعبوية في أوروبا، مؤكداً أن انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة يمثل قمة الصعود الشعبوي. واعتبرت الباحثة الاجتماعية السويدية ييتا سفينسون أن التقدم الذي طرأ على شعبية الأحزاب الشعبوية في اسكندنافيا سببه تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. وغياب مشروع أحزاب الوسط الديمقراطية الاجتماعية وتناغم بعض هذه الأحزاب مع اليمين حتى لا تخسر أصوات الناخبين، وتابعت موضحة: «السلطة ليست دائماً من أهداف الشعبويين الآنية، إنهم يزحفون ببطء ويفرضون على الأحزاب التقليدية تبني مواقف متطرفة يحدث هذا في السويد والدنمارك والنرويج».
مشاركة :