تتواصل الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» لناشطين من مختلف الطوائف والانتماءات، للتظاهر في ساحة الشهداء وسط بيروت اليوم، احتجاجاً على التدهور المعيشي والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.ويستعير الداعون إلى هذا التحرك «السترات الصفر» الفرنسية، رافعين شعارات تتعلق بالحقوق المعيشية عبر هاشتاغ «أنا_نازل_عالشارع».وكان الشارع اللبناني قد تحرك الأسبوع الماضي مع وفاة الطفل الفلسطيني محمد وهبة في أحد المستشفيات التي رفضت استقباله لعجز أهله عن دفع التكاليف، فنزل متظاهرون إلى الشوارع في عدد من المناطق اللبنانية ينددون بالفساد والسياسة الصحية وتدخلت القوى الأمنية مما أدى إلى سقوط جريحين من دون أن يؤدي هذا التحرك إلى تجييش شعبي يشكل ضغطاً على أي طرف سياسي لبناني.وفي حين لم تعد القضايا الاجتماعية تشكل عاملاً جاذباً للتظاهر والاحتجاج، كما هي الحال لدى التعرض لأحد الزعماء، مما يدفع مناصريه إلى النزول إلى الشارع، استقطب الهاشتاغ ردود فعل تعكس مدى التشرذم الشعبي في لبنان، ما يحول دون أي قدرة على مواجهة الطبقة السياسية التي تتولى الحكم في لبنان. واعتبر البعض ساخراً أن «الهدف من هذه الدعوة هو بيع السترات الصفر، إذ بدأ الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كتب أحد الناشطين أن السترة دون طبعة أرزة ثمنها نحو سبعة دولارات، والسترة مع طبعة أرزة بعشرة دولارات».ويقول النائب ماريو عون لـ«الشرق الأوسط»: «لم أطلع على الدعوة إلى التظاهر، لكن بشكل عام، النزول إلى الشارع يغيّر في الدول التي تتسم بالديمقراطية بكل معنى الكلمة ويحقق أهدافه، أما في لبنان حيث السيطرة للطائفية والحزبية والمصالح الفئوية، فالمظاهرات لا تغير في الواقع السياسي. واللبنانيون فقراء مغلوب على أمرهم ومرتهنون للجماعات السياسية التي ينتمون إليها وفق طوائفهم».واعتبر المغردون رداً على هاشتاغ «أنا نازل عالشارع»، أن اللبناني «إذا ما نزل وتظاهر أمام بيت زعيمه ما بيكون عمل شيء»، ليأتيه الرد: «أنا نازل عالشارع لأني قرفت من الطائفية والزبالة والواسطة والكهرباء والماء والإنترنت والمعاش والطبابة والذل والتبعية والتفرقة»وحملت إحدى التغريدات دعوة «شعوب لبنان إلى الاتحاد»، لتغلب السخرية على تغريدة أخرى، جاء فيها: «لمن يدعونا حتى ننزل نتظاهر نهار الأحد ببيروت بالسترات الصفر... في مانع إذا نزلت أنا ورفاقي بالضاحية بالقمصان السود؟»وفين حين كتب مغرد أن «المظاهرات الأحد ستكون ضد العهد القوي، الأمر واضح والشعب قرف»، لفتت تغريدة المنشد المقرب من «حزب الله» علي بركات، جاء فيها: «نهار الأحد كلنا بدنا ننزل عالشارع»، مما دفع بعض الناشطين إلى اعتبار «أن معظم الداعين للتظاهر يوم الأحد، تقف خلفهم أجهزة وجهات حزبية، ولهم صلات بملحقات النظام السوري في لبنان».وجاء الرد ببيان يعلن موقف «حزب الله» من مظاهرة يوم الأحد، ورد فيه توضيح لـ«الأخوة والأخوات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. بعد تكرار السؤال عن موقفنا من الدعوات للتظاهر، يهمنا توضيح الآتي: نحن لا نشارك بأي تحرك لسنا مشاركين في تنظيمه وقيادته وتحديد أهدافه ومساره والنتائج المرجوة. ونقف إلى جانب الناس في تحقيق مطالبهم المعيشية وتحصيل حقوقهم كمواطنين، ولكننا ندعو في نفس الوقت إلى إعطاء العمل الحكومي (ونحن على أعتاب تشكيل الحكومة) وقته لتحقيق إصلاحات جدية من خلال الوزارات، والعمل التشريعي في مجلس النواب للحد من موارد الفساد ونتمنى من جميع الأخوة والأخوات الابتعاد عن لغة التخوين واحترام خيارات من يود المشاركة في التظاهر».ويقول الناشط السياسي الدكتور وليد فخر الدين لـ«الشرق الأوسط» إن «الانقسام السياسي يفرغ مثل هذه الدعوات من أي تأثير، ولا قدرة لديها على التغيير طالما ليست موحدة. وتحديداً لأن الدعوة للتظاهر ملتبسة هويتها السياسية، فالداعون هم من المنتمين إلى الأحزاب المشاركة في السلطة، ومع هذا يتظاهرون ضد هذه السلطة».ويضيف فخر الدين الذي كان من المؤثرين في تحرك «14 آذار» عام 2005، «لا يصح الحراك في الشارع للمطالبة بالضغط على السياسيين إلا إذا شمل الاعتراض على الطبقة السياسية كلها من دون استثناء. باعتقادي أن الأحزاب السياسية ستتظاهر ضد نفسها بغياب شعار جامع، وليس كما حصل في تحرك عام 2005 وصولا إلى مظاهرة 14 آذار بعنوان واضح جامع ضد الاحتلال السوري واغتيال الرئيس رفيق الحريري وبمواجهة سلطة كانت تمثلها حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي ورئيس الجمهورية السابق إميل لحود.. أو كما حصل في مظاهرات عام 2015 ضد فشل حكومة الرئيس تمام سلام في حل أزمة النفايات. والمحرك للمظاهرتين لم يكن الطبقة العامة، وإنما الطبقة الوسطى والمثقفون والنخب والطلاب الجامعيون، وقد تفاعل اللبنانيون في المرتين لأن الهدف حظي بإجماعهم. أما اليوم فالتحرك ليس بعيداً عن الطبقة السياسية المتناحرة والفاشلة والمسببة بتعطيل الدولة نتيجة صراعات إقليمية أكبر من قدرة أطياف هذه الطبقة، لذا كلما بدأ حل عقدة تُفْتَعل أخرى، وكأن المشهد السياسي السوريالي لم يكن ينقصه إلا هذه الدعوة إلى التظاهر المقتصرة على العالم الافتراضي، بغياب شخصيات محدد انتماؤها لتقوده».ويضيف فخر الدين أن «شكل المظاهرة (اليوم الأحد) سيكون فلكلورياً مع نزول مجموعات من دون عنوان واحد، بحيث لن يؤدي تحركها إلى تحقيق أي هدف لتنتهي مفاعيلها مع خروجها من الشارع، فلا بداية لحراك يستكمل بالمتابعة. ومزاج الناس ليس للتظاهر ولكن للتعطيل والاحتفال بالأعياد، مع إشارة إلى نقمة مسيحية على الداعين للاحتفال عشية عيد الميلاد وكأن الدعوة تستهدفهم طائفياً. والأهم أن كل طرف ممن يشجع على النزول إلى الشارع يحمل أجندة خاصة به، مما يحول التظاهر إلى مجموعة غايات شخصية لا تجمعها أجندة واحدة تتعلق بالشأن العام».
مشاركة :