نكمل اليوم ما كنا نقوله في المقال السابق الذي نُشر يوم السبت. .. وفي البروتوكول العاشر يصف كتاب حكماء صهيون أهمية صفة القائد الأوحد الذي يدير دولة وحيداً لهم، فيقول: إننا حين نختار القادة الذين يديرون الحكم بسلطتهم الفردية المطلقة، فإن أفضل نوع منهم يصلح لنا القائد الفاسد الذي يمكن تسجيل فضائحه، أو إعدادها له ليقع فيها، كصُنع الصفقات السرية الكبرى في التجارة والسلاح والبناء بعمولات دسمة، فالقائد من هذا النوع أكثر من يريحنا بإدارته بلا تعب ولا تردد لأنه يخشى التشهير بفضائحه. وترون أدواتهم للتحكم في الناس بطرق عديدة، أوّلها التحكم في الدول التي تفقد روح الحكم المشترك والأخذ برأي الشعوب، فتكون المنصة عادة التي تنطلق منها كل خطط اليهود الصهاينة. لنضع كل هذه الحقائق الآن جانباً لا لننساها، بل للتعمق فيها وجعلها دوماً في ناصية وعْيِنا واهتمامنا، ونتكلم عن حقائق إن لم نعترف بها فهي تدل على نفسها بنفسها، ومن الحسن أن نعرف طرق نجاح خصومنا، وتطورهم، وهي أول الأسباب التي ستسهم في فوزهم علينا إن تركناها بلا اهتمام، ومن الأفضل لمصيرنا أن نتعداهم ونتجاوزهم. دعني أقول شيئاً، إن من أبجديات الحياة الواعية المدركة ألا تقلل أو تنكر مزايا في خصمك، حتى لو أنكرتها فهي لن تُمسح من الواقع، بل ستستمر، تبدأ بإهمالك لتطور خصمك من دون عمل شيء، لتتكفل طبيعة ومنطق الحياة بحفر مزالق لك. علينا أن نعلم أن سيادة القانون في الدولة اليهودية وقوة القضاء وشدة عنفوانه تبدأ من استقلاله لحظة تعيين القاضي من قِبل المحكمة ليخرج تماماً من حضنها، بل حتى من أي هيمنة لها عليه، بل يقف ضدها ويعطي الحكم ضدها، إن رأى الحكومة تعدّت وأخطأت إما معنوياً وإما شخصياً. أي أن الحكومة تقدمه ليخرج تماماً عن مدارها فلا تكون قادرة على نقله، ولا إقالته، ولا حتى ترقيته. ويمكنك أن تقرأ ذلك في ما وضحه الدكتور أحمد الفنجري في أكثر من مقال من سنوات طويلة. إن المحكمة العليا الإسرائيلية تمثل مجلس الدولة، وحكمها نافذ في الحال على الحكومة. وأنصح بالعودة لكتابات العقل الكبير د. عبد الوهاب المسيري الذي يعتبر مختصاً نوعياً فريداً في الشأن اليهودي ــ للقاضي في الأمور المستعجلة وبعيداً عن الروتين الإجرائي الذي يتطلب وقتاً في قضايا طبعها السرعة، أن يصدر أي حكم مستعجل، وهو كما يقول أهلنا في مصر منشكح في بيته، وإن أراد هز قراراً حكومياً من أكبر رأس، وهو يمضغ لحم ضأن مطهي يوم السبت خاضع للكوشير اليهودي نظام الطعام الحلال. خذ هذه القصة الواقعية كما أوردها الدكتور الفنجري من عقود عدة. عُيِّن في ذلك الوقت وزيرٌ يميني متديّن لوزارة الإعلام، فأصدر أمراً من واقع اجتهاده وحماسته الدينية بقفل التلفزيون الإسرائيلي يوم السبت - وذلك قبل الإنترنت، وثورة محطات الفضاء، فلا يكون المصدر إلا تلفزيوناً حكومياً وحيداً. اشتكى فردٌ إسرائيليٌ للقاضي أن يوم السبتَ يوم راحته الوحيد، فكيف يُمنع من وسيلة ترفيهه الوحيدة، التلفزيون؟ فما كان من القاضي من منزله إلا أن أصدر حكما يُطبق فوراً. وفي لحظةِ أُلغي أمرُ الوزير فعاد البث التلفزيوني قبل أن يجفّ حبر القرار. وعندما اجتمعت المحكمة العليا بعد ذلك أيّدت حكم القاضي المستعجَل.. وأكل الوزيرُ هواءً! القضاء، الذي أولاه المشرّع الإسلامي اهتماماً خاصاً، هو الحجر الأول الذي تُبنى عليه بقية أحجار جدار الأمة.. إن وُضع خطأً، تعرفون الباقي. الآن، أظن، فهمتم قصدي.
مشاركة :