الشارقة: علاء الدين محمود تواصلت أمس الأول فعاليات الدورة الرابعة عشرة من مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، في يومه الثالث، بتقديم عرض «مدينة الألوان» لمسرح دبي الشعبي، من تأليف وإخراج وسينوغرافيا عبد الله صالح الرميثي، والعرض عبارة عن حكاية رمزية بسيطة للأطفال تحمل رسالة تدعو لنبذ الغرور والتكبر، وضرورة الصبر على التعلم والمعرفة، والتصرف الصحيح في الوقت والمكان المناسب، وقد جعل مخرج العرض من خشبة المسرح لوحة زاهية بالألوان الجذابة، والإضاءة التي تعكس الأجواء والحالات المختلفة للعرض.ينفتح العرض على مشهد احتفالية تقيمها مدرسة «النجاح» الابتدائية لتوزيع الجوائز على اللوحات الفائزة في منافسة الرسم والتلوين، وتتوقع الطالبة «أماني» أن تكون هي الفائزة إما في الرسم أو التلوين على أقل تقدير، فهي تظن أن لوحاتها هي الأجمل، كما أنه لا يوجد في المدرسة من هو أفضل منها في الرسم، غير أن النتيجة أتت بغير ما توقعت، وكانت بمثابة صدمة لها عندما تلا رئيس الفصل «أحمد المحمدي» أسماء الفائزين ولم تكن هي من ضمنهم، لتحتج أماني وتصرخ بصوت عال، في رفض شديد لتلك النتيجة التي اعتبرتها ظالمة، ويخرج الجميع من المدرسة في نهاية المسابقة إلا أماني التي نسيها الجميع داخل الفصل، وفاتتها الحافلة، فقد كانت غاضبة جدا، وفي البدء أخذت تلوم المدرسين المنحازين ضدها، ثم لامت الألوان، وسرحت في عوالم من الخيال، فخرجت الألوان من علبتها لتعاتب أماني بهذا الظن السيئ بها، ويخبرونها أن المشكلة ليست في الألوان والأدوات بقدر ما أن المشكلة في اليد التي تستخدمها، والمهارة اللازمة، والتعلم، وتطلب الألوان من أماني أن تذهب معهم إلى مدينة الألوان حيث تطلع هنالك على ذلك العالم الجميل، وتتعرف على طبيعة عمل كل أدوات الرسم.في مدينة الألوان يتعرض كل من اللون الأحمر والأصفر إلى تعنيف شديد من رئيسة المدينة «الفرشاة»، باعتبارهما المتسببين في جلب الفتاة أماني إلى هذا المكان السري الافتراضي، وهذه عملية مرفوضة جدا، حيث إن الألوان تحتجز لنفسها حياة ومكاناً لا تريد لأحد الاطلاع عليه، لكن الأحمر والأصفر يشرحان للفرشاة كيف أن هذه الفتاة المسكينة صاحبة موهبة معقولة لكنها لا تجيد توزيع الألوان، فتجعل السماء صفراء والشمس حمراء، تضع الأشياء في غير مكانها، فتقتنع «الفرشاة» بالأسباب، وتقرر أن تعلم الفتاة أشياء جديدة، وفي مبتدئها ضرورة الاقتناع والرغبة في التعلم، وترك الغرور والتكبر، والتعامل مع الآخرين بأريحية، وإلى جانب كيفية الرسم وتوزيع الألوان تتعرف الفتاة على أعضاء مدينة الألوان، وإلى جانب الأحمر والأصفر، هنالك «قلم الرصاص»، ومهمته هي وضع الخطوط الرئيسية للوحة، واللون «الأزرق» و«الأخضر» و«الوردي»، وهنالك «المزيل» ومهمته مسح اللوحات. وفي المدينة تعقد الفرشاة دروساً يومية للألوان، حيث تطلع على أهم المدارس الفنية في العالم وروادها، ومكتشف ألوان ضوء الشمس، وتقوم أماني باستيعاب كل تلك الدروس، وتبذل جهودا كبيرة في سبيل تحسين مستواها في الرسم والتلوين، وتنشأ رابطة قوية بينها وبين الألوان والأدوات، وتسهم في حل المشاكل التي تثار بين الألوان الأساسية والأخرى الثانوية، والأدوات التي تراجع دورها مثل قلم الرصاص والمزيل، وتتعلم أن التعاون شيء مهم في النجاح وخدمة البشرية، وتقوم أماني بتطبيق كل ما تعلمته من مهارات في لوحة، وعندما تكشف عنها يكتشف الجمهور أن اللوحة هي للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليتفاعل الجمهور مع هذا المشهد كثيراً، الذي رافقته أغنية وطنية، وفجأة تنتبه أماني إلى أنها تأخرت عن موعد الذهاب من المدرسة، وهي ذات اللحظة التي يدخل فيها رئيس الفصل، والذي يعتذر لها بشدة على تركهم لها داخل الفصل، لكن أماني تخبره أن بقاءها داخل الفصل كان لخير أكيد وكبير، حيث تعلمت الكثير من الأشياء التي كانت تجهلها، وأهمها الاجتهاد في كل شيء، والتعامل الجيد مع زملائها وأساتذتها بعيدا عن الغرور الذي يقتل المواهب.لجأ عبدالله صالح إلى كثير من الحلول الإخراجية المتميزة، ليتناسب العمل مع استيعاب الأطفال، فقد قام بتبسيط رسالة النص عبر توظيف الرموز، بصورة غير معقدة، كما قام بتوظيف الألوان بشكل رائع حتى تصبح الخشبة محتشدة بالروائع والجمال، ولعبت الإضاءة والأزياء دورا كبيرا في إنجاح العرض، ثم كان الدور الكبير للممثلين الذين تحركوا بأدائية عالية في كل شبر من خشبة المسرح، فكانوا في غاية التلقائية والخفة، مع انضباط كامل بالأدوار، وجاءت مدينة الألوان وهي زاهية ساطعة يشيع فيها جو من الاحترام والتعاون، وجاءت خلفية المشهد الأخير وهي تحمل لوحة الشيخ زايد، لتلقي في عقل الأطفال ضرورة التمعن في الحكم الذي رسخ له الوالد المؤسس، والأقوال التي صارت منهجاً للتربية والحكم، وهكذا بث العرض رسالة تحمل الكثير من القيم النبيلة، لتسهم في إعداد أجيال المستقبل على منهج سليم.كما قام المخرج كذلك بتوظيف الأغنيات والأناشيد الوطنية التي رددها الحضور من الأطفال والأسر، والأهازيج التي تدعو إلى مكارم الأخلاق، وقد نجح في خلق حالة مسرحية مميزة، حققت شروط الفرجة عبر ذلك التفاعل الكبير الذي وجده العرض.
مشاركة :