مصدر الصورةGetty Images لا تتساقط الثلوج عادةً على بريطانيا في فترة عيد الميلاد أو "الكريسماس"، فلِمَ لا نزال نعتبر أن أجواء "عيد الميلاد المثالي"، هي تلك التي يكسوها الثلج الأبيض؟ كان ذلك يوم الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، حينما هرع الطفل الصغير جورج آدمسون إلى النافذة، آملاً في أن يجد عالماً يكسوه اللون الأبيض على الجانب الآخر من المنزل. لكن بمجرد أن أزاح الستائر، أصيب بخيبة أمل، فقد جاء كريسماس آخر بلا ثلوج. الآن يدرك آدامسون، بعدما صار محاضراً في الجغرافيا في كلية "كينجز كوليدج" بلندن، من هو الشخص الذي ينبغي أن يلام بسبب تلك التوقعات التي كانت في غير محلها، إنه الروائي تشارلز ديكنز الذي جعل قصصه تغص بمشاهد تصوّر الحياة وقد كستها الثلوج خلال فترة عطلة عيد الميلاد. لماذا ينبغي ألا نكذب على أطفالنا بشأن "بابا نويل"؟هل مواليد الألفية الجديدة هم الجيل الأكثر ثراء؟ ليس آدامسون وحده من كان يتخيل فترة أعياد الميلاد وقد غطت الثلوج فيها كل شيء. ودائماً ما يثير هؤلاء اهتمام وإعجاب هذا الرجل. ففي المملكة المتحدة التي نشأ فيها لا تتساقط عادة الثلوج في ديسمبر /كانون الأول، ورغم ذلك تجد المحال هناك تبيع بطاقاتٍ بريديةً تحمل صوراً للبلاد وقد غمرتها الثلوج في عيد الميلاد. كما تتزين المطاعم بثلوجٍ اصطناعية أو زخارف على شكل ثلوج. فمن أين استمد الناس هذه التوقعات، إذا لم يكونوا قد عايشوها بالفعل من قبل؟ مصدر الصورةAlamyImage caption يتصور الكثيرون منّا - منذ العصر الفيكتوري - أن عيد الميلاد المثالي هو ذاك الذي تكسوه الثلوج يعتقد الباحثون أن تلك التصورات نابعةٌ من مفاهيم ثقافية تم تناقلها عبر العصور، ونبعت بشكلٍ أساسيٍ من السنوات العشر شديدة البرودة التي بدأت عام 1810. ثم أعقب ذلك، تغلغل كتابات ديكنز المرموقة والشهيرة في مخيلتنا. وفي هذا الصدد، كتب عالم الأنثروبولوجيا بريان فيغَن في كتابه "العصر الجليدي المُصغر" يقول إن ديكنز "نشأ خلال العقد الأكثر برودة في إنجلترا، منذ العقد الأخير من القرن السابع عشر. ويبدو أن قصصه القصيرة وروايته القصيرة `آيه كريسماس كارول` (أنشودة عيد الميلاد)، تدين بالكثير لسنواته تلك" التي كان يسهل خلالها التأثر بالعوامل المحيطة به. كان الطقس بالفعل قارس البرودة في بواكير حياة ديكنز، إلى حد أن مياه نهر التيمز تجمدت في فبراير/شباط من عام 1814، وهي السنة التي احتفلت فيها لندن بآخر كرنفال لـ "التيمز المتجمد"، وقد تضمن إقامة البعض خياماً على الجليد لمدة أربعة أيام، واقتياد فيلٍ لعبور النهر المتجمد تحت جسر بلاكفايرز. وهكذا فلا بد أن "الكريسماس" - بالنسبة لديكنز الصغير الذي وُلِدَ عام 1812 - كان تجربةً شديدة البرودة. وبعد سنواتٍ من ذلك، عندما عكف ديكنز على كتابة رواياته وقصصه القصيرة، جعلها تحتشد بذكرياته بشأن ما كانت تبدو عليه فترة عيد الميلاد في طفولته.أسطورة عيد الميلاد "الأبيض" لكن هذا التفسير لا يعني أن ما يمكن أن نُطلق عليه مفهوم "عيد الميلاد الأبيض" أو "الكريسماس الأبيض" كان شائعاً في العقود التي تلت ذاك العقد قارس البرودة الذي تحدثنا عنه. بدايةً، قد يكون من قبيل المفارقة أن نعلم أن تعريف "عيد الأبيض" الذي قد يبدو بديهياً، هو أمرٌ شائكٌ ومثيرٌ للجدل، وهو ما يجعل تحديد عدد المرات التي شهدته فيها بريطانيا مسألةً معقدةً على نحوٍ مدهش.مصدر الصورةAlamyImage caption في 1814 احتفلت لندن بآخر كرنفال خاص بتكون الجليد على نهر التيمز عندما تجمدت مياهه في فبراير/شباط من ذلك العام فـ "عيد الميلاد الأبيض"، بحسب حسابات مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، هو ذاك الذي تُرصد فيه "قطعة ثلجٍ واحدة"، وهي تسقط في أي مكانٍ في البلاد، خلال الساعات الأربع والعشرين التي يتألف منها يوم الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول. وبمقتضى هذا التعريف، سنجد أن ظاهرةً مثل هذه ليست شديدة الندرة على الإطلاق، إذ ستكون قد حدثت أكثر من 30 مرة على مدار العقود الخمسة الماضية. لكن يتعين عليك أن تشرح ذلك المفهوم والمعيار المستخدم لتعريف "الكريسماس الأبيض"، لفتاةٍ صغيرة تنظر من النافذة في يوم عيد الميلاد، باحثةً عن الثلوج المتساقطة من السماء. ويقول آدامسون: "إذا حدث هذا لن يقول أحد إن ذلك هو عيد ميلاد أبيض". رغم أنه كخبيرٍ في المناخ، يتفهم أنه من الضروري أن يكون لدى مكتب الأرصاد في بريطانيا تعريفٌ رسميٌ لمثل هذا الأمر. وقد طلبت "بي بي سي فيوتشر" من مسؤولي المكتب تزويدها بمزيدٍ من المعلومات بشأن تساقط الثلوج على بريطانيا في عيد الميلاد، بحسب ما يرد إليهم من أكثر من 200 محطة تابعة لهم في مختلف أنحاء البلاد. الإجابات التي حصلنا عليها أكدت أن ما ساورنا من شكوكٍ كان صحيحاً. فقد تبين أن الحالة الشاذة التي لا يُقاس عليها، هي تلك المتعلقة بأن تغمر الثلوج بريطانيا، كما حدث عام 1982حينما أبلغ مسؤولو الأرصاد في 260 موقعاً مختلفاً عن وجودها على الأرض. أما في غالبية الأعوام، فلم يزد عدد المحطات التي أبلغت عن ذلك عن 20 محطة. مصدر الصورةAlamyImage caption بطاقة خاصة بعيد الميلاد تعود إلى عام 1880 وعليها صورة قرية كستها الثلوج ويوضح مسؤولو الأرصاد في بريطانيا السبب في ذلك بالقول إن فرص تساقط الثلوج في هذا البلد تزيد كثيراً في الفترة بين شهريْ يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، عنها خلال ديسمبر/كانون الأول. لِذا لماذا لا نزال نرسم في أذهاننا صورة "عيد الميلاد الأبيض" هذا، طالما لم يكن ذلك متحققاً أو دقيقاً في بريطانيا لفترةٍ من الزمن؟ وكيف يمكن أن يتأتى لكتابات رجلٍ واحدٍ أن تغير فهمنا الجماعي لظاهرةٍ مُناخية؟ من المفيد لفهم ملابسات هذه المسألة أن نعلم أن ديكنز هو الرجل الذي يُنسب إليه الفضل - خاصةً في بريطانيا - في جعل "عيد الميلاد" وإحياء طقوسه أمراً جذاباً للعامة من جديد. فمع بدء عصر الثورة الصناعية في ترسيخ أقدامه، وتنقل البريطانيين من هذه المنطقة إلى تلك بداخل بلادهم، أصيبت التقاليد بالوهن وتلاشت العادات أو فُقِدَتْ. وفي العقود الأولى من القرن التاسع عشر، رثى كلٌ من الشاعر والروائي والكاتب المسرحي الاسكتلندي السير وولتر سكوت والكاتب والمؤرخ والدبلوماسي الأمريكي واشنطن إيرفينغ كيف ضاعت المهرجانات والاحتفالات والأعياد التي كان يحتفي بها الناس قديماً. مصدر الصورةAlamyImage caption رسمت رواية "أنشودة عيد الميلاد" - حينما كُتِبَت منتصف القرن التاسع عشر - ملامح الطقس الذي يُتوقع أن يسود هذا اليوم لأجيالٍ قادمة وهكذا فعندما نشر ديكنز روايته القصيرة "أنشودة عيد الميلاد" عام 1843، تشبثت بريطانيا الفيكتورية بما أورده فيها من وصفٍ لعطلة عيد ميلادٍ مثاليةٍ ومُفعمةٍ بالسعادة والهدوء والسلام، إذ نظر الكثير من البريطانيين - ممن كانوا في منتصف العمر آنذاك - بحنينٍ غامرٍ إلى الماضي، ليتذكروا احتفالاتهم بعيد الميلاد خلال فترة شبابهم. وربما يجدر بنا في نهاية المطاف الإشارة إلى رأي بيتر أكرويد، كاتب سيرة ديكنز، بشأن ما وصفه بـ "الحقيقة التي تفيد بأنه من الممكن القول إن ديكنز ابتكر وحده تقريباً الصورة الحديثة السائدة لعيد الميلاد". ويضيف أكرويد أنه إذا وضعنا هذه الحقيقة في الاعتبار "فمن المثير للاهتمام أن نلاحظ هنا أنه خلال الأعوام الثمانية الأولى من حياته (ديكنز) حدث `عيد ميلادٍ أبيض` في واقع الأمر كل سنة، لذا ففي بعض الأحيان تكون الحقيقة موجودةً بالفعل، قبل الصورة التي تُضفى عليها صفات المثالية والكمال". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Future. ------------------------------------------------- يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.
مشاركة :