فى غرفته المستأجرة بضاحية السيدة زينب، كان الصديقان صلاح جاهين والملحن سيد مكاوى يُتابعان ليالى إحياء مولد السيدة، وكان جاهين مستمرًا فى تدوين خواطر شعرية مستوحاة من فقرات المولد المتعددة، كانت عيناه تجوبان تفاصيل المولد وأذناه تفصل الأصوات العديدة المُتداخلة، بينما قلبه كان مشغولًا بتلك الحالة العظيمة التى تلتف حول مقام حفيدة رسول الله وابنة الإمام علي. كانت السطور تزيد والشيخ مكاوى يستمع إلى صديقه بينما تتكون الألحان فى ذهنه. يروى جاهين عن «الليلة الكبيرة» أنه ظل يشعر بالغربة عن القاهرة بعد أن عاد إليها من الريف طيلة «عشر سنين» حسب قوله، كان يحشد الصور التى يخاف منها فى زحمة القاهرة وينقلها إلى عمل فني. فعلها مثل إنسان الكهف الذى رسم الحيوانات التى خاف منها على الجدران كمحاولة للتغلب على خوفه.. بعد عدة جلسات صارت الوجبة الفنية جاهزة للجمهور، عشر دقائق فحسب كانت بداية «الليلة الكبيرة» التى قام الصديقان - اللذان كانا بحاجة إلى المال وقتها- بتسجيلها فى الإذاعة المصرية مقابل بضعة ملاليم؛ لكن الأغنية التى تمت إذاعتها بصورة مستمرة منذ تسجيلها، تعلق بها آلاف المستمعين، منهم طالب فى كلية الفنون الجميلة يُدعى ناجى شاكر استمع إليها فى عامه الجامعى الأول، وهو الشاب الذى صار فيما بعد رائدًا لمسرح العرائس المصري، بعدما سافر ليدرس وينقل لبلاده ذلك الفن الذى لم تكن تعرفه، فقد كان الأمر مقتصرًا على الفنون الشعبية التى تعتمد على الدمى مثل الأراجوز وخيال الظل.. ٤٥ عروسة خرجت للنور من عشر دقائق فى الراديو لتصير أبرز عمل فنى مسرحى شعبي، حفظه الكبير والصغير فى الشوارع، بعد ما يقرب من ٦ أشهر لكتابة السيناريو وتحويل الشخصيات الكثيرة فى الأوبريت إلى عرائس منحوتة بدقة لتعبر عن كل شخصية؛ كان الأمر يستحق أن يترك شاكر دراسته فى ألمانيا ليعود للعمل على ذلك المشروع الضخم الذى حصد مع عرضه الأول الجائزة الأولى فى مهرجان بوخارست للعرائس. فى واحد من لقاءاته أشار شاكر إلى أن عروسة «رجل النشان» كانت الأظرف من وجهة نظره، حيث تقترب من شخصية صلاح جاهين الذى وصفه المخرج المسرحى صلاح السقا بـ«أراجوز مصر الأول»، لأن كليهما، كما يرى، كان «مليان وخفيف وبيرقص»؛ أما العروسة الأصعب فكانت الراقصة التى تمايلت على «طار فى الهوا شاشي»، التى حركها ثلاثة أشخاص لتظهر بهذه الصورة.
مشاركة :