ننشر كلمة بطريرك الكاثوليك في عيد الميلاد: البشرية بحاجة ملحة للسلام

  • 12/25/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ترأس غبطة البطريرك إبراهيم اسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك، مساء اليوم الإثنين، قداس عيد الميلاد المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء مريم بمدينة نصر بحضور محمد نجم نائبا عن الرئيس عبدالفتاح السيسي.. وتنشر "البوابة القبطية" نص كلمة بطريرك الكاثوليك في عيد الميلاد:"من البطريرك إبراهيم إسحق بنعمة الله، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيّة للأقباط الكاثوليك، إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة، إلى أبنائنا الأعزّاء القمامصة والقساوس، الرهبان والراهبات والشمامسة، وإلى جميع أبناء الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة فى مصر وبلاد المهجر. النعمة والبركة والسلام فى المسيح ملك السلام «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة» ( لوقا 2: 14) بتلك الكلمات استهل البطريرك عظته فى ليلة الميلاد.وأضاف ما الذى يحتاج إليه الإنسان والأسرة البشرية، حاجة ماسة وملحّة ومتصلة؟ إنها الحاجة إلى السلام، فهو هبة من الله لكل إنسان نقى القلب وهو الدليل الأكيد على حضوره فى قلب الإنسان. السلام هبة الله وعمل البشر «طوبى لصانعى السلام فإنهم أبناء الله يدعون» (متى5: 9)، هو عطش روحى دائم بدونه لا تستقيم حياة الإنسان، وهو غاية الحياة وسبيلها إلى الارتقاء والتنمية، فلا حضارة ولا أمن ولا استقرار دون سلام حقيقي.أولًا: السلام مهدّد من اللامبالاةاللامبالاة هى موقف من يُغلق قلبه حتى لا يضع الآخرين فى عين الاعتبار، ويغلق عينيه حتى لا يرى ما يحيط به، فلا تلمسه مشاكل الآخرين، وللأسف فى عصرنا تخطى هذا الموقف الإطار الفردى ليأخذ بعدًا عالميًا.إنَّ أول مظاهر اللامبالاة هى تجاه الله، والتى منها تنبع اللامبالاة تجاه القريب والخليقة. يمر عالمنا المعاصر بموجات تحاول أن تطفئ نور الله فى أعماق الإنسان، فهناك دعوة إلى الحياة من أجل الحياة فقط، فلا دينونة ولا مكافأة للصالحين، إذ يعتقد الإنسان أنه صانع ذاته وحياته والمجتمعَ، وبالتالى بأنه مكتف ولا يدين لأحد بشىء إلا لنفسه، ويدّعى أنه يملك حقوقًا فقط، وهناك من لا يرى فى الإنسان إلا حزمة غرائز تنهش وجدانه وتزلزل كيانه، ناسيًا أنه مخلوق على صورة الله ومثاله، خلقه الله عن محبة وأحبه لذاته ومصيره اليه.أمَّا اللامبالاة تجاه القريب فلها وجوه متعددة، هناك من هو مطلع بشكل جيد، يستمع ويقرأ ويشاهد البرامج، لكنه يقوم بذلك بطريقة فاترة، وكأنه فى حالة إدمان؛ بمعنى أنه يعرف ما يصيب البشر من مآس، ولكنه لا يشعر بها، ويبقى نظره وعمله موجهان إلى نفسه فقط. إن نمو المعرفة والمعلومات فى زمننا لا يعنى بحد ذاته الاهتمام بالمشاكل، ما لم يرافقه انفتاح الضمير، أى أن يتحول إلى تضامن حقيقيّ.وجه آخر من اللامبالاة من يفضل عدم البحث وعدم الاستعلام، عائشًا فى رفاهيته وراحته غير مبال لصرخة ألم البشرية المعذبة، كما لو كان كل شىء هو مسئولية غريبة ليست من اختصاصه كيف يمكن للإنسانيّة أن تمتلك سلامًا حقيقيًّا، وغالبية البشر فى فقر وألم وعوز، وربما فى جهل. يقول الوحي: «العدل والسلام تلاثما» (مز 85: 10) فلا سلام دون حياة صالحة، ولا حياة صالحة بارة دون تضامن حقيقيّ.أما اللامبالاة تجاه الطبيعة، فإن تلوث الماء والهواء والاستغلال العشوائى للخيرات ودمار البيئة هى غالبا ثمرة لا مبالاة الإنسان تجاه الآخرين. فكل شئ مرتبط ببعضه البعض.هناك ارتباط وثيق بين تمجيد الله وسلام البشر على الأرض، لأن اللامبالاة تجاه الله والقريب تسبب انغلاقًا وتهربًا من الالتزام، وبالتالى غياب السلام مع الله والقريب والخليقة.ثانيًا: طوبى لصانعى السلام فإنهم أبناء الله يدعونإنَّ قيم الحرّيّة والاحترام المتبادل والتضامن، يمكن نقلها منذ سنوات الطفولة الأولى، فإن كل بيئة تربوية يمكن أن تكون مكانًا للحوار والإصغاء، يشعر فيه الشباب بقيمة قدراته وغناه الداخلي، يتعلم كيف يتذوق الفرح النابع من العيش اليومى للمحبة للقريب، ومن المشاركة فى بناء مجتمع أكثر إنسانية وأخوة. تشّكل العائلة المكان الأول لزرع ثقافة السلام والتضامن؛ حيث تعاش وتنقل قيم المحبة والأخوة والتعايش والاهتمام بالآخر، إن العائلة كما يشير سينودس العائلة وسينودس الشباب هى البيئة المميزة لنقل الإيمان، بداية من أولى بودار التقوى البسيطة التى تعلمها الأمهات لأبنائهن.يتعلق الأمر بعد ذلك بالمربين والمكونين فى المدارس ومراكز التجمعات للأطفال والشباب، وعلى هؤلاء أن يدركوا أنّ مسئوليتهم تتعلق بالأبعاد الروحية والخلقية والاجتماعية للشخص.أما العاملون فى الحقل الثقافى والإعلامى ووسائل الاتصالات الاجتماعية، فإن مسئوليتهم كبيرة فى مجال التربية والتنشئة نظرًا إلى اتساع إمكانية الدخول الى هذه الوسائل، ويقوم واجبهم فى أن يضعوا أنفسهم فى خدمة الحقيقة لا المصالح الخاصة، فالتربية تؤثّر إيجابا أو سلبّا على تنشئة الأجيال كلها.ثالثًا: المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السّلام وفى الناس الفرح والمسرة «لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع، سلامى أعطيكم، ليس كما يعطى العالم أعطيكم...» (يوحنَّا 27:14) هذه كلمات السيد المسيح إلى تلاميذه؛ وكذلك بعد القيامة بادرهم بقوله «السلام لكم» فى كل مرة يظهر لهم (يوحنَّا 20:19-21). وفى بشارته لمريم بادرها الملاك بقوله «السلام لك يا مريم» وبالتالى افرحى يا مريم، لأن السلام يولد الفرح، كما يقول القديس أغسطينوس: «لا توجد كلمة تبعث فينا السرور وتهزنا من الأعماق عند سماعها أكثر من كلمة السلام».والقديس بولس فى أغلب رسائله يبدأها «النعمة والسلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح «1كورنثوس 3:1؛ غلاطية3:1» فسلام الله يفوق كل عقل (فيلبى 7:4).ولكنّ السلام مسيرة حياة، تبدأ من قلب الإنسان التائب عندما يكتشف المتناقضات فى داخله؛ بين الرغبة فى النمو الذاتى والغيرة من الآخرين، بين فهم الوداعة والاعتقاد بأهمية القوة والسلطة، يبدأ السلام عندما يعترف الإنسان بوجود عدم قبول لبعض الأشخاص لاختلافهم عنه، وعندما يكتشف مشاعر عنف تجاههم ورغبة فى رد الضربة بأشّد منها، خاصة تجاه مَن أساءوا إليه وجرحوه.إنّ طريق السلام يبدأ حين يقبل الإنسان ذاته ويثق بأنّ الله يحبه كما هو، ويدعوه إلى التصالح مع غضبه وتاريخه وصعوباته، وإلى خلق جسور تفاهم وتقابل بين الناس فلا يتحول الاختلاف إلى صراع ونزاع، ولا يصبح العنف حلًا للخلافات، فإنّ الإنسان الآخر أهم من موضوع الخلاف، لن يسعنا أن نكون صانعى سلام إلا بالتأمل فى شخص الرب يسوع صاحب هذا العيد وفى كلماته وأفعاله، وبفضل صلاة صادقة حارة وملحة لننال نعمة السلام فى قلوبنا.هذا هو عيد الميلاد الذى نحتفل به، فالمجد لله بتجسد الكلمة الأزلي، وعلى الأرض السلام بشريعة المحبة، وللإنسان الفرح والمسرة لمحبة الله له.نرفع صلاتنا متحدين مع قداسة البابا فرنسيس الذى يصلى من أجل شرقنا العزيز، وبدأ زيارته لمنطقتنا العربية مصر وقريبًا الإمارات.... ليؤكد وحدة الجنس البشري، فليبارك الرب خطوات المحبّة والسّلام. نتحد مع الآباء المطارنة وكُلّ بطاركة وأساقفة كُلّ الكنائس فى الصّلاة والفرحة. من هذه الكنيسة نصلى من أجل وطننا الغالى مصر، ومن أجل سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى ونبعث إليه برسالة محبّة وتقدير على جهوده من أجل نهضة مصر وازدهارها وبناء السلام فى العالم. تحية إلى قواتنا المسلحة ورجال الشرطة وإلى كل شرفاء هذا الوطن، ولا ننسى شهداءنا فهم إكليل مجد للحاضر والمستقبل. نصلى من أجل الأمهات والآباء الذين يسهرون على تربية أبنائهم ويبذلون حياتهم لبناء مستقبلهم، ونبعث رسالة المحبة والسلام الى أبنائنا فى بلاد المهجر ونقول لهم إنّ مصر بخير وفى طريق التقدم والبناء. تهنئة وبركة إلى كل الشباب الذى كان موضوع صلاة وتفكير ودراسة سينودس الأساقفة الكاثوليك فى أكتوبر الماضى بروما، وستواصل الكنيسة الكاثوليكية فى مصر بتكريس عام ٢٠١٩ للصلاة والعمل مع الشباب ومن أجله. فباسم الكنيسة نؤكد لهم أنهم جزء أساسى وحيوى منها وكما أنّ لهم حقوقًا فعليهم مسئولية، تحية لكل الشباب الذى يتحد للقيام بأعمال تضامن وبناء لفائدة القريب المحتاج، لأنهم كفاعلى سلام سيدعون أبناء الله (متى9:5). فى الختام أجدد الدعوة لعدم فقدان الرجاء بنعمة الله وقدرة الإنسان على تخطى الشر وعدم الاستسلام، فهيّا نتغلب على اللامبالاة ونكسب السلام.

مشاركة :