العربية.. لغة تواصل وحضارة

  • 12/25/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

احتفلت مؤخراً منظمة «اليونيسكو» باليوم العالمي للغة العربية من خلال تنظيم مؤتمر في مقرها في باريس بالاشتراك مع المندوبية الدائمة للمملكة العربية السعودية لديها. وأهمية ما جاءت به هذا العام يتمثل في المحور الجامع الذي اندرجت تحته أبواب المؤتمر وهو «اللغة العربية والشباب». وبهذه المناسبة، صدر كتاب «اللغة العربية والشباب»، باللغتين العربية والفرنسية، وجاء غنياً بالمساهمات التي شاركت فيها صفوة من الباحثين المرموقين، وقد تمحورت حول جدلية اللغة والهوية، إذ ناقشتها عشر مساهمات بالعربية من أصل 15 مساهمة. كتبت في مقالة لي ضمن الكتاب أنه إذا كان من المسلمات اليوم تعلم الإنسان لغةً أجنبيةً ثانية بعد لغته الأم، بل وحتى لغتين أو ثلاثة، وإلا كان خارج التاريخ، فلعلنا بغير حاجة إلى أن نؤكد أن اللغة الأم تعتبر في أي وطن مقوماً أساسياً للهوية، ومن ثم فإن وعي أي مجتمع هو شعوره العميق بهويته أي بذاته وشخصيته. ونظراً لهذه العلاقة الوطيدة فإن الإساءة إلى اللغة أو محاولة الحط منها، لا تلبث أن تنعكس على الذات وعلى فكر الناطقين بها. واللغة العربية في هذا المضمار هي لغة تواصل وحضارة تغتني بغيرها من اللغات، كما تغني لغات وثقافات العالم. ولعل افتتاح وزيرة خارجية النمسا، كارين كنايسل، خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة العربية، كان أفضل مثال على ذلك. فللغة العربية عوامل قوة كثيرة مكنتها من البقاء في وجه التحديات التي عصفت بالبلاد الإسلامية من احتلالات أجنبية متتالية بدءاً القرن السابع الهجري وانتهاء بالعصر الحديث، وشكلت هذه العوامل أنساقاً حية مدتها بعوامل البقاء: الاشتقاق، والمجاز، والتعريب، والإعراب. ولا يخفى على كل متتبع فطن أن التوافق والتداخل والاشتراك بين اللغات في بعض الكلمات، أمر معروف ومألوف، وقد قرره دارسو علم اللغات قديماً وحديثاً، ومسألة التلاقح والتفاعل بين اللغة العربية واللغات الأخرى مسألة ليست وليدة اليوم، إنما ترقى جذورها إلى العصور التي سبقت الإسلام، فقوافل العرب التجارية كانت تشد رحالها في الصحراء قاصدة الحبشة وبلاد فارس، وكثير من الشعراء العرب كانوا ينزلون بلاطات حكام تلك البلدان، على نحو ما وصلنا من أخبار أسفار النابغة الذبياني والأعشى، واتخاذ ملك الفرس «ابرويز» تراجمة له من العرب، مثل عدي بن زيد الذي كان مقيماً في الحيرة. وقد لفت انتباهي ما جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي حول تفسير كلمة «هيت لك» في سورة يوسف، نقلا عن الواحدي أن‏ هيت لك بالعبرانية هيا، أي تعال، عرّبها القرآن، وقال الفراء: إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى بكة فتكلموا بها. وقال ابن الأنباري: وهذا وفاق بين لغة قريش وأهل حوران كما اتفقت لغة العرب والروم في «القسطاس» ولغة العرب والفرس في «السجيل» ولغة العرب والترك في «الغساق» ولغة العرب والحبشة في "«ناشئة الليل».. وهي كلمات جاء بها القرآن الكريم. ولا مناص من الإشارة إلى بعض العوائق التي ظهرت منذ أوائل عصر النهضة، والتي عرقلت تطور العربية وازدهارها، ومنها الدعوة إلى اتخاذ الحرف اللاتيني بدلاً من الحرف العربي، والمناداة بإلغاء التراث وتجاوز قواعد النحو والصرف، وباستخدام العامية حتى في الكتابات الأدبية. والحق أن هذه الدعوات لم تكن تسعى إلا إلى إضعاف الانتماء العربي ووضع القطيعة مع التراث، من دون إغفال تأثيرها السلبي على التنمية، ليس فقط في جانبها الثقافي، لكن في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية كذلك. إن تطور اللغات مرتبط بتطور الناطقين بها، لذا على الإنسان العربي تطوير ذاته أولاً لتتطور لغته حتى يفكر بعد ذلك كيف يستثمرها لمنفعته مادياً ومعنوياً. ولابد من التذكير هنا بأن الاختراق الثقافي لا تكون له أي قوة على اللغة إذا توافرت على المناعة الذاتية، وأصبحت ثقافة جماهيرية، أي عندما تجد الجميع يستهلكها.

مشاركة :