عاطف الغمري إن ما يتم الترويج له الآن عن نظام إقليمي جديد للشرق الأوسط، وتحديداً للمنطقة العربية بالدرجة الأولى، ليس طرحاً لفكرة جديدة، لكنه مشروع يظهر من وقت لآخر. وهو مشروع يبتعد في مضمونه عن القضية الفلسطينية، وكأنه يجذب الأنظار إلى ناحية أخرى، أو كأنه يوحي بأن الحل يمكن أن يأتي بصورة ما، عن طريق مثل هذا النظام الإقليمي. ويغيب عن الذين يطرحون هذه الفكرة، أن هناك متلازمين ضروريين لأي وجود لمثل هذا المشروع، أولهما، التشخيص الموضوعي لأوضاع المنطقة ودولها، والثاني، إمكانية إقامة النظام الإقليمي الجديد. اللافت للنظر أن الأفكار التي تطرح لنظام إقليمي جديد، تأتي دائماً من خارج المنطقة، مع أن المشاكل والأزمات التي اجتاحت دولاً في الإقليم، مصدرها الخارج، باعتراف مؤسسات بحثية وأكاديمية، وكتّاب لهم ثقلهم في بلادهم، قدّموا من خلال مؤلفاتهم حقيقة هذه الأزمات، من سلسلة الحروب التي اشتعلت في دول عربية، إلى الاضطرابات، والفوضى، وإثارة الخلافات الطائفية والمذهبية، ومساندة الإرهاب المتنقّل عبر الحدود. وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في إقامة نظام إقليمي جديد، فكان ينبغي أن يسبق ذلك حل هذه المشكلات، وتجفيف منابعها، حتى تكون البيئة الإقليمية مهيأة فعلاً للقبول به. والمعروف أن الدعوات لنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، كانت تقدّم صياغات تعرّف الشرق الأوسط، من وجهة نظر غربية، وإن تعددت أشكال هذه الصياغات من وقت لآخر. وكأن أمر هذا المصطلح يخصّ الغرب، وليس شعوب هذا المكان. وضمن المعاني التي قصدوا بها هذا التعبير، ما كان قد حدده مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي أعلنته الإدارة الأمريكية عام 2004، وسعت من خلاله إلى توسيع الحدود المعروفة مسبقاً لما يطلق على هذه المنطقة، والتي تضم الدول العربية، بالإضافة إلى دول إقليمية مثل إيران، وتركيا، وكذلك «إسرائيل»، وإن كانت العقلية السياسية «الإسرائيلية»، تعبّر في بعض الأحيان عن أنها تنتمي للغرب أكثر من انتمائها للمنطقة. وكان التوجّه الأساسي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، يعمل على صياغة إطار متغيّر لما يسمى بالشرق الأوسط، يضم دولاً تمتد جغرافياً من أفغانستان شرقاً، إلى شمال إفريقيا غرباً، وفي إطاره الدول التي عرفت تاريخياً بدول الشرق الأوسط، وكان ضمن أهداف المشروع، تقليص محورية القضية الفلسطينية، في هذا التمدد الذي تتشعب فيه المشاكل والأزمات. وكانت قد سبقت ذلك محاولة أخرى في أوائل التسعينات، ظهرت في أوراق وزارة الخارجية الأمريكية، تهدف إلى توسيع المظلة التي تحتوي الشرق الأوسط التقليدي جغرافياً، لتضم إلى جانب هذا الامتداد من أفغانستان إلى شمال إفريقيا، الدول الإسلامية في آسيا الوسطى، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق قبل استقلالها. وكان الهدف أساساً استراتيجياً، واقتصادياً، لما تحتويه منطقة آسيا الوسطى من احتياطات هائلة من البترول والغاز الطبيعي. إن مثل هذا المصطلح المطروح مؤخراً، والذي يركز على إدخال «إسرائيل» ضمن مكوناته، يحتاج قبل ذلك إلى إشراك جميع الأطراف في المنطقة، بما يساعد على توفير الفرص لمشاركة جماعية في إيجاد تسوية للنزاعات القائمة، في إطار مناقشات أوسع مدى لنظام مستقر سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، واجتماعياً، تعقبه مبادرة سياسية لإطلاق التحرك العملي في اتجاه النظام الإقليمي. وهذا المشروع لا بد أن يصدر عن فكر شعوب المنطقة، الذين تكون قد تواجدت لديهم الإرادة لإيجاده، بناء على توافر حقيقي لتبادلية المصالح، وليس لشعور طرف بأن هناك في الدائرة نفسها، طرفاً آخر ينزع عنه حقوقه المشروعة، ويسلبها لنفسه. وهنا نسأل، هل يمكن للوضع في سوريا البعيد عن التسوية السياسية، أن يهيئ لها الدخول في هذا النظام، خاصة أن سوريا طرف أساسي من دول الإقليم؟. وهل يمكن أن تتوافق مواقف الدول العربية، مع طرف «إسرائيلي»، لا يزال يعرقل تسوية القضية الفلسطينية، ويصرّ على استمرار ابتلاعه للجولان السورية؟.. ثم كيف يكون هناك منطق لسريان حركة هذا المشروع الذي تطرحه الإدارة الأمريكية، في حين أن قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، قد أقام سداً قوياً أمام أي تحرك في مثل هذا الاتجاه؟. وهو موقف يباعد بين الأطراف المدعوّة لهذا المشروع، ولا يقرّب بينها. وليس معقولاً إقامة نظام إقليمي جديد بينما القضية الفلسطينية لا تطرح على بساط البحث عن حل وفق الشرعية الدولية. وكيف يمكن إيجاد نظام إقليمي تشارك فيه أطراف متنازعة وليست متناغمة، ولم يتوفر لها الأساس الذي يضمن قيام هذا المشروع على أرضيته، بحيث يكون هناك ضمانات البقاء على قيد الحياة.
مشاركة :