إدوارد لوس*اليوم يقول شي بينج إن التحالف الصيني الروسي هو العلاقة الأهم على مسرح العالم، لكن الأهم منها هو المسار العكسي للعلاقات الصينية الأمريكية الذي يتدهور بسرعة مفاجئة حتى لواشنطن. توافقت العقول الأمريكية لأول مرة هذا العام في إجماعها على مناهضة الصين. وشمل الإجماع المسؤولين في البيت الأبيض، وأعضاء الكونجرس، والرئيس دونالد ترامب، والحزبين الجمهوري والديمقراطي، والشركات والنقابات، ودعاة العولمة وأنصار النزعة الوطنية والشعبوية. وربما تكون أمريكا في حالة حرب مع نفسها حول كل شيء تقريباً، لكنها اتحدت في خوفها من الصين.والوقوف في وجه بكين هو القضية الوحيدة التي غالباً ما يكون الديمقراطيون فيها على يمين الرئيس ترامب. ويقول تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، في تعليق أثنى فيه على التعرفة الجمركية التعسفية التي فرضها الرئيس على الواردات الصينية: «إنهم أي الصينيون بحاجة إلينا أكثر مما نحتاجهم».ونترك مقولة شومر للمستقبل للحكم عليها، ولكن حتى مع إبرام ترامب اتفاق الهدنة مع شي بينج، تضع الشركات في البلدين خططاً لمواجهة حرب تجارية متصاعدة لا نهاية لها. ويتوقع أمريكيون من دعاة الاندماج مع الصين ومنهم هانك بولسون، وضع «ستارة حديدية اقتصادية»، ويتحدث آخرون عن «حرب باردة جديدة».ويرغب ترامب، المدعوم من إجماع واشنطن الجديد، في أن يتخلى الرئيس شي بينج عن برنامج «صنع في الصين 2025»، الذي يحركه شخصياً، والذي من شأن التخلي عنه أن يفسد سلطته المحلية ويقوض أهداف الأمن القومي الصيني. وهذا يعني أن موافقته على طلب ترامب ستشكل صدمة.وعلى خلفية هذه المعطيات، تتعرض جهود التقارب بين بكين وواشنطن على مدى 40 عاماً لتهديد الانهيار. وليس من السهل تقدير الأهمية الاستراتيجية لهذا الارتداد. فمنذ تطبيع العلاقات عام 1979، أيدت الولايات المتحدة ظهور الصين على المسرح العالمي وحافظت على ثقتها في الصين كشريك أكثر انفتاحاً وأقل تسلطاً.ووضعت أمريكا ثقتها في علاقة ثنائية مفيدة للطرفين، حتى إن باراك أوباما أحب أن يمتحن علاقة قمة تقتصر على البلدين، وتكون ضماناً لحل كثير من مشاكل العالم، لكن بكين اليوم أقل أماناً وأقل انفتاحاً من الزمن الذي دخل فيه أوباما البيت الأبيض.لقد انقلب المنظور اليوم من الفائدة المشتركة إلى تهديد المصلحة الأمريكية. ومن السهل تبديل مواقف ترامب، فمرة يقول إن الصين تغتصب أمريكا، وأخرى يصف الرئيس الصيني بأنه رئيس مدى الحياة. ووسط هذا التأرجح، هناك موقف صقوري راسخ فعندما يلوح ترامب بالقوة، يرقص مؤيدوه طرباً.فقد ألمح الأسبوع الماضي إلى أنه قد يدعم الإفراج عن منج وانزهو، المديرة المالية لشركة هواوي، التي كانت تواجه قرار إبعاد من كندا، مقابل تنازلات صينية. كما تعرض لانتقادات بسبب إلغاء العقوبات في وقت سابق من هذا العام، عن شركة «زد تي إي»، وهي شركة الاتصالات الصينية العملاقة الأخرى. ويتهم كل من شركة «هواوي»، وشركة «زد تي إي»، بأنهما أدوات بيد جهاز الأمن القومي الصيني. وفي كلتا الحالتين، تنهار القواعد العادية للعولمة، ويزداد توتر الشركات العالمية نتيجة تعميق حالة عدم اليقين.وتنعكس هذه السياسات المتخبطة في جانبين؛ الأول هو فك الارتباط الاقتصادي بعد سنوات من النمو السريع، حيث تنخفض استثمارات الصين في الولايات المتحدة بسرعة، لتصل إلى 14 مليار دولار عام 2018، هبوطاً من 56 مليار دولار عام 2016، وتستمر واشنطن في وضع العراقيل أمام دخول الشركات الصينية.وهكذا تتحول استراتيجية الصين في مجال التكنولوجيا من الاستحواذ الأجنبي إلى بدائل محلية. وبدأت سلاسل التوريد العالمية في التفكك، في حين شرعت بكين في العمل على تسريع «توطين» الرقاقات الدقيقة، وتكنولوجيا الطيران والروبوتات.والثاني هو أن الدول الأخرى تجد نفسها مضطرة لتحديد خياراتها، إما مع الصين أو مع الولايات المتحدة. ومعظم الدول تفضل ألاَّ تواجه هذا الخيار. فبعضها، مثل اليابان وسنغافورة، تتحوط في رهاناتها عبر محاولة الاقتراب من كلتيهما، بينما اختارت دول أخرى أهمها روسيا، الخيار الصيني.وهنا يكمن الخلل الاستراتيجي الآخر، فقد تمكن الرئيس ريتشارد نيكسون من كبح الصين عبر الاتحاد السوفييتي عام 1972، وكانت تلك المناورات السبب الرئيسي في كسب واشنطن الحرب الباردة.واليوم يقول شي بينج، إن التحالف الصيني الروسي هو العلاقة الأهم على مسرح العالم، لكن الأهم منها هو المسار العكسي للعلاقات الصينية الأمريكية، الذي يتدهور بسرعة مفاجئة حتى لواشنطن. * «فاينانشل تايمز»
مشاركة :