قال الناقد الأدبي محمد صلاح زيد، إنه من المنطقي أن نطرح تساؤلات حول الإبداع الأدبي لنجيب محفوظ، بوصفه كاتبا أثر بقوة في التشكيل الفني لأجيال لاحقة متعددة من الكتاب، وفي البناء الثقافي والحس الوجداني وتشكيل الوعي لدى المتلقين العرب عامة والمصريين خاصة.وأضاف "زيد" لـ"البوابة نيوز"، أن القارئ لنجيب محفوظ يعي جيدا مدى إيمانه مبكرا بثقافة مغايرة، هي نتاج لامتلاكه الوعي الحضاري الحقيقي منذ تكوينه الثقافي والفكري في مطلع القرن العشرين؛ حيث إننا نجد أنفسنا أمام كاتب استثنائي يرى أن الاسترجاع الزمني ينبغي أن ينطلق من الحقبة الفرعونية، تلك الحقبة التاريخية الزمنية المشكلة لأسس الحضارة الإنسانية للعالم القديم، ومن هنا كانت ثلاثيته التاريخية عن مصر القديمة "رادوبيس، عبث الأقدار، كفاح طيبة".وتابع: أن المتأمل لهذه الثلاثية يلحظ جيدا مدى تأثر محفوظ فيها بالكاتب البريطاني "والتر سكوت" الذي قدم التاريخ البريطاني في أربعين عملا أدبيا، ولقد اعترف نجيب محفوظ نفسه لاحقا في أحد حوارته بهذا التأثر، وقال ما معناه أنه كان يريد أن يقدم التاريخ المصري في أربعين عملا أدبيا، لكنه خشي من فكرة تجاوز التطور الكتابي والفني، وتحول عن قصد لمرحلة لاحقة هي المرحلة التي عرفت عنده بالواقعية، تلك التي قدم فيها أفكاره الاشتراكية التي كان يؤمن بها، من خلال إيمان شخوصه بها داخل أعماله.وعن الشخصيات التي أوجدها محفوظ خلال أعماله متمثلة قيم المرحلة الجديدة قال: إن البطل في الثلاثية القاهرية "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية" يؤمن بتلك الأفكار الاشتراكية، ويدافع عنها ويراها قادرة على إحداث التغيير الحقيقي داخل المجتمع. لهذا كانت هذه الفترة الزمنية من حياته هي ما سميت بالمرحلة الثانية لديه، وأهم ما ميزها أنها كانت تستقي الحكايات عبر مساحة زمنية متقاربة لم تتجاوز ثلاثة عقود "١٩١٩_ ١٩٥٢م"، وهي تلك الفترة الزمنية التي شهدت ثورتين مصريتين كبيرتين، كان لهما أثرهما البالغ في تطور الحياة السياسية في مصر وإحداث تغيير حقيقي في المشهدين السياسي والاجتماعي لا سيما ثورة ١٩٥٢م. واستطرد: سرعان ما انقلب على هذا التوجه، وتلك المبادئ الاشتراكية عقب هزيمة ١٩٦٧م، وبانتهاء حكم عبد الناصر كان قد أعلن عن مرحلة جديدة هي ما سميت بالواقعية النقدية وتقاطع فيها مع الرمزية فكانت أعماله النقدية التي انقلب فيها على أفكاره الاشتراكية القديمة، وكان ذلك منه بوصفه ردا طبيعيا على سلبيات المرحلة السابقة، وما أدت إليه من خسائر كبيرة، كان لها تأثيرها المؤلم على الشخصية المصرية والعربية، فقدم لنا رواياته "السمان والخريف، وميرامار، والكرنك"، والمجموعة القصصية الشهيرة "تحت المظلة" التي تحفل بالرمز، والتي بشر فيها بوعي الكاتب المثقف الذكي والمخلص بانيهار النظام السياسي العالمي ذي القطبين، واختصاره في القطب الغربي الوحيد المتمثل في أمريكا.واختتم "زيد" كلامه، أن محفوظ ختم حياته الإبداعية بالمرحلة الأخيرة، هي مرحلة النضج الفني لديه، التي تقاطعت أيضا مع الرمز، وقدم من خلالها عبقرياته الروائية والقصصية "الحرافيش، والحب فوق هضبة الهرم، وأصداء السيرة الذاتية وقشتمر" وغيرها، حتى وصل نتاجه الروائي في نهاية الأمر خمسا وثلاثين رواية، وتسع عشرة مجموعة قصصية.وعقدت الجمعيات الثقافية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، ندوة بأتيليه القاهرة، بعنوان "السرد الروائي عند نجيب محفوظ" ضمن احتفالية الهيئة بالذكرى الـ107 لميلاد الروائي العالمي نجيب محفوظ، بمشاركة الدكتور محمد صلاح زيد، والدكتور شريف حتيتة.
مشاركة :