لطالما تساءلت كيف يمكننا أن نهذب الأجيال التي وقعت في فخ الانفتاح المتوغل بالانحلال الأخلاقي والانحراف الديني والاستخفاف بالقيم والمبادئ النبيلة؟ وكيف لنا أن نوقف موجة ضعف الايمان، والالتفات لشهوات الدنيا كالشهرة والمال وغيرها من الأمور المغرية؟ وكيف لنا أن نواجه موجة استيراد طقوس غريبة من نوعها من ديانات شرقية تعبد الأصنام، وتؤمن بالآلهة بأشكالها واختصاصاتها المختلفة؟ الجواب بلا أدنى شك هو اللجوء لكلام الله عز وجل المتمثل بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.ألا يمكن أن نقرأ سيرته العطرة، فنتعلم دروسا مهمة يمكنها أن تكون منهجاً لحياتنا؟ ونحن نعلم أنه قد تخلق عليه السلام بالقرآن. حديث جميل لايمكننا أن نمل منه، لنبدأ بالحديث عن صفاته عليه السلام، فقد وصفت لنا كتب السّيرة والحديث صفات الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الخَلقية والخُلقية، وجاء في وصفه عليه الصلاة والسلام وصف كتّاب السّيرة النّبوية أنّه كان شعر رأسه ولحيته وحاجبيه موصولا ما بين اللبة، والسرّة بشعر يجري كالخيط، وأنّه كان عليه الصلاة والسلام أشعر الذّراعين والمنكبين وأعالي الصّدر، وقد قال هند بن أبي هالة التميمي للحسن بن علي رضي الله عنهما حين سأله عن وصف النّبي صلّى الله عليه وسلّم وقد كان وصّافاً، فقال:«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخماً، مفخماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر إن تفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرين، له نور يعلوه يحسبه من يتأمله أشم، كثّ اللحية، سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخيط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، يبدر من لقي بالسلام». ولكن ماذا عن صفات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الخُلقية؟ لقد خصّ الله سبحانه وتعالى رسوله المكرم صلّى الله عليه وسلّم بأجمل الصفات وأحسنها وأبلغها في الظّاهر والباطن، ولعل أبرز ما خصّه به الله تبارك وتعالى من الخلق العظيم هو الحياء والكرم والشّجاعة والصّفح والحلم، وغيرها من مكارم الأخلاق وجمالياتها. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله بعثني لأتمّم حسن الأخلاق»، وهو حديث صحيح رواه مالك في الموطأ، وقال عليه الصلاة والسلام: «أدّبني ربّي تأديباً حسناً، إذ قال: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، فلما قبلت ذلك منه قال: وإنّك لعلى خلق عظيم»، وقد سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، عن خلقه فقالت: «كان خلقه القرآن»، رواه مسلم، وهنا نجدها رضي الله عنها قد أوجزت ووفّت في وصفه اختزالا، وقصدت بوصفها أنه لا يوجد أي خلق حسن يأمر به القرآن ويدعو إليه إلا وقد أخذ به الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ولا يوجد فيه خلق سيئ مشين وقد نهى عنه القرآن إلا وتجنبه وابتعد عنه وأمّا عن صفاته الخَلْقية فقد روى البخاري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يصف النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقال:«كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ». وعن أنس رضي الله عنه قال:«ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا شممت ريحاً قطّ أوعرقاً قطّ أطيب من ريح أو عرق النّبي صلّى الله عليه وسلّم»، رواه البخاري، وقد وصفه كعب فقال:«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنّه قطعة قمر وكنّا نعرف ذلك منه»، رواه البخاري.وهكذا فإن الأخلاق الحميدة الفاضلة والقيم الرفيعة السامية هي صفة لازمة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد أرسل الله تبارك وتعالى نبيّه عليه الصلاة والسلام إلى الناس كافّةً برسالة الإسلام الذي ختم به الرسالات السماويّة، فبلّغ الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام الرّسالة وأدّى الأمانة كما ينبغي له ونصح الأمة، وأنار لها الطريق المستقيم الذي لن تضل بعده، وقد شكّلتْ حياته صلى الله عليه وسلم أحسن أنموذج وأفضل قدوة، وأجمل مثال يُحتذى في كلّ مسارات الحياة وزواياها، وكانت الأخلاق الرفيعة والقيم العالية هدفاً مقصوداً لبعثته صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ». وقد برزتْ أخلاقه عليه السلام في حديثه وتعامله وسلوكه مع النّاس، وكان خلقه وكانت صفاته الجليلة دافعا ومحفزا لدخول الناس في الإسلام. ولاشك أنه لايمكننا أن نصف أخلاق ومنهجية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المقال، فهو أمر لايمكنه أن يتحقق، فله عليه الصلاة والسلام تُفرد المجلدات، والكتب التي لايمكننا حصرها، ومانكتبه اليوم ماهو إلا جولة سريعة في رحاب السيرة العطرة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. كرم الرسول عليه السلام: وإن تحدثنا عن كرمه عليه الصلاة والسلام فإننا نشهد جانباً وضاحا يشرق بنور كرمه لم يشهده كافة العرب، فقد كان كرمه الكبير في سبيل الله وابتغاء مرضاته جل وعلا، وكذلك من أجل نصرة الدعوة الإسلامية، وعُرف عنه عليه الصلاة والسلام أنه ماسئل إلا وأعطى، وكان يخجل أن يردّ من يطلبه ويسأله حاجته.ولنا أن نذكر هذا الموقف الإنساني الرائع، فقد جاءه رجلٌ وسأله مالاً، فأعطاه صلى الله عليه وسلم غنماً ملأتْ ما بين جبلين، فرجع إلى قومه، وقال: «يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة»..ومما يميز الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم صدقه، فقد كان صادقاً مع ربه جل وعلا، ومع نفسه، ومع الناس أجمعين بكل أصنافهم وطباعهم وأمزجتهم النفسية وتوجهاتهم الفكرية، برّهم وفاجرهم، فهو الصادق الأمين منذ صباه، لم ينقل أحد عنه كذبة واحدة، ولم يتشكّك في كلام منقول عنه باستثناء جحود قريش والمشركين حينما جاءهم بنبأ الدعوة الإسلامية، هنا فقط كذّبوه وشككوا بكلامه عليه الصلاة والسلام ظلماً وطغياناً، وقد صبرعلى الأذى والإساءة التي تلقاها منهم. ولكنه مع الأذى يزداد ثباتاً ويتعاظم صبراً وصموداً مسترشداً هدي الله جل وعلا بالتزام خلق الصبر، حيث قال تبارك و تعالى وقوله الحق: «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ» وقوله جل وعلا «فَاصْبِرْ كَمَاصَبَرَ أُوْلُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ». ومن صفاته العدل، وقد دعا عليه الصلاة والسلام إلى نصرة المظلوم، وقهر الظالم، يُحكى أن امرأة مخزومية كانت قد سرقت، فاهتمّ قومها لشأنها، وأرادوا حمايتها من حد السرقة، فكلّموا في أمرها أسامة بن زيد رضي الله عنه كي يكون وسيطهم عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: «أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ، ثم قامَ فخطبَ، قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّما ضلَّ مَن كان قَبلَكم، أنهُم كانوا إذا سرَقَ الشَّريفُ تَرَكوه، وإذا سَرَقَ الضَّعيفُ فيهِم أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنتَ مُحمدٍ، سَرَقَت لَقطَعَ مُحمدٌ يَدَها». وهناك صفة جميلة تغيب في عالمنا المعاصر، بسبب كثرة الخصومات والمشاحنات، وهي العفو التي تحلى بها الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام، وعندما سأله أصحابه أنْ يدعو على المشركين يوم أحد، قال: «إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمةً». ولنا وقفة مهمة مع شجاعة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد كان أشجع الناس كافة، وقدوة يُحتذى بها في ميادين الشجاعة والبطولة، ولاتخفى علينا تلك المعارك الجهادية التي خاضها عليه الصلاة والسلام والتي فرّت فيها قادة وفلول أعداء الإسلام، ونستشهد هنا بأم المؤمنين السيدة عاشة رضي الله عنها التي وصفت شجاعته بقولها: «ما ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا قطُّ بيدِه، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهدَ في سبيلِ اللهِ، وما نِيلَ منهُ شيء قطُّ فينتقمُ من صاحبِه، إلا أن يُنتهك شيء من محارمِ اللهِ، فينتقمُ للهِ عزَّ وجلَّ». كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف شجاعة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القومَ، اتَّقَينا برسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ -، فما يَكونُ منَّا أحدٌ أدنا مِنَ القومِ منهُ؟» ونختم بصفة التواضع التي تخلق بها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي فيها مسلك كبير يعطينا دروسا ذهبية في التعامل مع الآخرين. وهكذا كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم رمزاً عظيما يُحتذى به، فهو الذي به تنير دروب حياتنا بعد كتاب الله عز وجل، وما ضل إنسان طريقه وفي قلبه القرآن العظيم، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المنيرة بمكارم الأخلاق.
مشاركة :