إيمان خوان غويتيسولو الصوفي بالأدب

  • 12/28/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» عرف العالم العربي «خوان غويتيسولو» روائياً عالمياً، تمكن من خلال حياة حافلة بالتوترات، من أن يرج لغته الإسبانية، ويحدث بداخلها انقلابات مدوية، وأن يلتقط تفاصيل تاريخ فجائعي، تاريخ رخص فيه الإنسان، وعرف أيضاً كمخاطر كبير ورحالة انتزع شهادات تاريخية مؤثرة من ممالك دمار عديدة كالبوسنة والهرسك والشيشان والجزائر، إبان يوميات الفردوس الدامي، وقال بصوت مجلجل رأيه في من يقودون العالم نحو بربرية جديدة، تكبر فيها الجيوش والوسائل الفتاكة، وتصغر فيها القيم والمواثيق الدولية والأعراف.لكنه بالكاد يعرف كناقد متمكن، لا تصدر قراءته عن مدرسة نقدية معينة، وإن كان عارفاً جيداً بتاريخ وواقع النقد الأدبي عالمياً، بل تعتمد على تجربته الطويلة في الكتابة والقراءة، لذلك فإن هذا الكتاب الصادر تحت عنوان «عصافير تلوث عشها» عن دار آفاق للنشر والتوزيع لخوان غويتيسولو والذي ترجمه إلى العربية عبد الكريم جويطي، يعوض سلطة المفهوم النقدي بسلطة كيمياء داخلية مشكلة من حدس صادق وذكاء ورهافة حس وذاكرة نصية خصبة، والأهم من هذا كله، إيمان صوفي بالأدب وقدرته على تجديد الإنسان.يحكي هذا الكتاب رحلة الأدب عموماً والرواية تحديداً المضنية والشيقة في ابتداع لغة جديدة وغصن جديد لشجرة الأدب، فالكاتب الذي يولد بلا طموح إغناء شجرة أنسابه وجعلها مورقة ليس بكاتب، وفي هذا الكتاب تطالعنا مقالات مكثفة عن مفهوم الأدب الحداثي الذي يبلوره غويتيسولو من خلال قراءاته وتجربته الإبداعية التي تضرب بجذورها في أعماق النصوص الأدبية العالمية القديمة والحديثة، شرقاً وغرباً، وتتجاوز في مقارناتها ألف ليلة وليلة بدون كيخوتا والنصوص الصوفية بروائع فلوبير وجويس وتوماس مان وبورخيس وكونديرا، ذلك أن أساس الإبداع عند كاتبنا - كما يرى د. محمد برادة في تقديمه للكتاب - هو الحوار المفتوح الدائم، مع الإبداعات القديمة والجديدة، والقراءة هي أيضاً مغامرة مفتوحة تمارس من خلالها حرية القبول والرفض، التماهي والتضاد عبر سيرورة تجري وراء سراب أجوبة توحي بها عوالم نصية منسوجة بلغة هروب تلمح أكثر مما تؤكد، مستظلة دوماً بحكمة اللايقين، التي تعلمنا إياها الرواية المستحقة لاسمها، تبعاً لرأي كونديرا.تنبني إحدى دعائم الثقافة الإنسانية على التفاعل والتمازج وتبادل التأثير ما يجعل خلفية ثقافات الشعوب متداخلة في مكوناتها العميقة، وتدعيماً لهذه الفكرة الأساس، يقدم لنا غويتيسولو قراءة مقارنة لرائعة سرفانتس «دون كيخوتا» عبر أربع محاضرات متميزة تكشف الجوانب التي تجعل من سرفانتس مدشن الحداثة الروائية كما ذهب إلى ذلك كونديرا في كتابه «الستار» عام 2005 والجميل في هذه المحاصرات - كما يوضح برادة - أن صاحبها لا يتوارى خلف مصطلحات ومفاهيم تختزل النص بل يسلك سبيل المقارنة بين نصوص تنتمي إلى أزمنة متباينة.

مشاركة :