خطوة تتبعها خطوات

  • 12/28/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ترافق كل تحول كبير في مسيرة شخص خطوات ومراحل تكون تجريبية وغير موثوقة النتائج.. وقد يصاحب كل ذلك مخاطر وربما اقتراب من حافة الهاوية، إن لم يحسن العقلاء والحكماء تدارك الأمور وتقويم مسار هذا التحول وصولا لأقرب بر للأمان. كان التحول في المشهد العراقي كبيرا وقويا وصادما، ويكاد المصطلح المسرحي «دراماتيكي» أن يكون الأدق والأقرب لتوصيف ما حصل.. فمن نظام غاية في الشمولية والدكتاتورية والفردية والوحشية لبديل غاية في العشوائية والفوضى وضياع المحددات، وتعدد الرؤوس والقيادات، وكثرة اللاعبين المؤثرين محليا وإقليميا ودوليا. بالرغم من كل ذلك وفداحة الثمن الذي دفعناه ولا زلنا نفعل في طريق التحول الديمقراطي.. فهناك بصيص أمل أننا نسير بالاتجاه الصحيح.. وكل الدلائل تشير لمن ينظر بعين الإنصاف والموضوعية والتجرد من التحيز وبمقياس واقعي من خارج إطار التأثر، إلى أن التجربة تقدمت بشكل أسرع مما كان يتوقعه أكثر المراقبين للشأن العراقي. صحيح أن الوضع لا زال هشا وأن التقدم في كل المستويات لا زال بطيئا، وهناك كم من المشاكل يفوق طاقة أي حكومة أو جهة تتصدى للقيادة، لكن هناك تقدم نسبي بما يخص الشؤون الإستراتيجية للبلد، فهناك تطور واضح وانتقال لا يمكن تجاهله فيما يتعلق بوعي المواطن وانتباهه لدوره بالشأن العام.. وبنفس السياق يظهر بوضوح انتقال المواطن من دور المتفرج المشارك في تكريس الطائفية إلى صانع للحدث، من خلال احتجاجات شبه تلقائية، كادت أن تطيح بالحكومة، ودفعتها للرضوخ لمطالبها ولو جزئيا. قابل هذا التطور نضوج نسبي في طريقة تعاطي معظم الطبقة السياسية وهي استجابة «قد تكون إجبارية».. فبعد أن كانت لدينا عشرات التحالفات والقوائم برز لدينا تحالفان هما «الإصلاح والبناء»، لديهما القدرة على التنافس، وقدما أفكارا لكيفية إدارة الدولة. رغم أنهما يتباينان في قابليتهما على الصمود والبقاء.. فالإصلاح يحاول الاعتماد على قدرات السيد عمار الحكيم في تنظيم ومأسسة تحالفهم بما لديه من خبرة وتجربة سابقة في التحالف الوطني، ومحاولة جعله مؤسسة لها آليات عمل وسياقات معروفة ورصينة.. تقابلها محاولة السيد هادي العامري لجمع قوى تحالفه والحفاظ على تماسكه، مستفيدا من دعم إقليمي ومشتركات لتلك القوى في مطالبها وتطلعاتها. أهم ما يميز هذين التحالفين هو وجود تنوع «طائفي» حقيقي وليس شكليا أو عدديا للزينة كما حصل سابقا، فهناك قوى «سنية» مؤثرة في تحالف ظاهره شيعي، وهذا تطور نوعي يجب أن يقيم إيجابيا.. ورغم أن القوتين الكرديتين الكبريين لم تعلنا انضمامهما لأيهما، لكن تقارب الديمقراطي من البناء وتوافق الاتحاد مع الإصلاح ليس خافيا على أحد. رغم كثرة التوقعات بعدم قدرة تحالف البناء على الاستمرار بناء على معطيات تتعلق بكثرة تطلعات قادته لزعامة المشهد عموما، والتحالف خصوصا.. والتوجهات المتنافرة والمتباعدة لقواه، وكثرة داعمي التحالف واختلاف أجنداتهم، وصعوبة قبول قادة قوى التحالف لأن يقادوا.. لكن قوة داعميه ورغبتهم ستتيحان له البقاء قطبا ثانيا يتحكم باللعبة السياسية العراقية. المنجز الأهم للعملية السياسية على عيوبها وعلاتها هو استجابة القوى السياسية «اضطرارا أو اختيارا» لتقليل عملية الفوضى السياسية، والتوجه نحو تحالفات قليلة متنوعة الانتماء، وتمثل واقع حال الشعب العراقي، وتمنع عمليا الشد والجذب القومي والطائفي. هي خطوة ليست معجزة، لكنها خطوة متقدمة بالاتجاه الصحيح، يجب أن تتبعها خطوات.

مشاركة :