التعديل الوزاري السعودي.. محاولة الخروج من أزمة خاشقجي؟

  • 12/28/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تعددت قراءات المشهد السعودي بعد التعديل الوزاري الأخير للملك سلمان دون المساس بسلطات ولي العهد بين الاعتقاد بأنه محاولة فاشلة للخروج من ظل أزمة خاشقجي، وبين من يعتقد أنه خطوة أولى على طريق تطهير المملكة لنفسها من الفوضى. تغييرات مثيرة في عدد من المواقع الهامة بدوائر الحكم السعودية تمت خلال الساعات الماضية. صحيح أن الكثير من المراقبين توقعوا حدوثها بعد "زلزال خاشقجي" لكن المثير للجدل كان في بعض الأسماء التي أزيحت جانباً والأسماء الأخرى التي حلت محلها. ولا يخفى على أحد حجم الضرر الهائل الذي أصاب صورة السعودية والعائلة المالكة بعد الإعلان عن تفاصيل تعقب واغتيال الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي. ومع بروز عدد من الأسماء التي تشير أدلة متواترة إلى ضلوعها في الجريمة، توقع مراقبون أن يتم إخراج هؤلاء من الصورة تباعاً ليبدو الأمر وكأن المملكة تطهر نفسها بنفسها، فيما هي تستعد لتقديم هؤلاء ككباش فداء لتخفيف الضغط على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي قد ينصب ملكاً على البلاد في أي وقت، خاصة بعد تزايد الضغوط الدولية على المملكة وما يشبه حملة المقاطعة الدولية لولي العهد. حملة "ملكية" لتنظيف الفوضى؟ في هذا السياق غردت كارين عطية محررة مقالات الرأي بصحيفة الواشنطن بوست وصديقة الصحفي السعودي الراحل قائلة: "إن التغييرات السياسية في المملكة العربية السعودية هي في الأساس محاولة من الملك سلمان لتنظيف الفوضى التي أحدثها ابنه بعد أن قتل ولي العهد جمال خاشقجي. لكن علينا ألا نخطئ فمحمد بن سلمان لا يزال هو المشكلة". كما ذهب آخرون إلى القول بأن ما حدث هو محاولة من الملك وبعض الأجنحة داخل العائلة المالكة لقص أظافر ولي العهد الطامح لاعتلاء العرش الملكي. لكن الصحفي الجزائري أنور مالك لا يرى هذه التغييرات في هذا السياق، ويرى أن "حادث مقتل خاشقجي كان أمراً كبيراً للغاية وفي أي دولة وبعد أحداث كهذه تحدث تغيرات، فالإعلام السعودي على سبيل المثال لم يكن في مستوى التحدي وكذلك الخارجية فكان التغيير متوقع تماماً". ويؤكد مالك في مقابلته مع DW عربية على أن  "هذه التغييرات تدخل في إطار استعداد السعودية لبدء مرحلة جديدة بعد أن عاشت مرحلة الدفاع عن النفس وهذا ما سيتضح خلال الفترة القادمة مع الوجوه الجديدة التي تولت الحقائب والمسؤوليات". الكاتب والمحلل السياسي الجزائري أنور مالك ولعل استبعاد وجوه مثل سعود القحطاني وأحمد عسيري وغيرهما ممن تحوم حولهم شبهات قوية بضلوعهم في مقتل خاشقجي ليلحق بهم اليوم آخرين يأتي في سياقين، أحدهما محاولة الدولة السعودية لإبعاد هؤلاء عن الصورة بعد ما أصاب البلاد من ضرر شديد بسببهم، والآخر هو تقديمهم ككباش فداء عوضاً عن رؤوس أكبر يخشى من أن تتسبب الضغوط في الوصول إليها والإطاحة بها. تغييرات لإحكام القبضة أم استجابة لضغوط؟ على جانب آخر، هناك من يرى أن هذه التغييرات لا يمكن بحال أن تصدر إلا بأمر مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأنه تم استبدال عدد من الموالين بآخرين لديهم القدرة على إبداء قدر أكبر من الولاء والتوافق مع رؤى وأطروحات ولي العهد الشاب. وبالتالي فإن هذه التغييرات في مواقع السلطة تهدف إلى مزيد من إحكام قبضة ولي العهد على مفاصل الحكم في البلاد. ويستبعد الدكتور سعد الفقيه المعارض السعودي رئيس الحركة الإسلامية للإصلاح أن يكون للملك سلمان علاقة بهذه التغييرات، "فالملك فعلياً في حالة صحية وعقلية متدهورة ولا يمكنه أن يتخذ مثل هذه القرارات وبالتالي فصاحب هذه القرارات هو ولي العهد بهدف ترسيخ نفوذه في الدولة استعداداً لتوليه مقاليد الحكم" بحسب ما قال خلال مقابلته مع DW عربية. لكن أيضاً هناك من يرى أن هذه التغييرات ربما قد أتت استجابة لضغوطات سواء داخلية أو دولية، فتركي آل الشيخ المسؤول الأول عن الرياضة في السعودية أثار جدلاُ كبيراً داخل وخارج السعودية بتصريحاته وأدائه ما جعل إزاحته من هذا المنصب أمراً ضرورياً ولأنه شخص ترى فيه العائلة المالكة بعض الأهمية فلم يتم استبعاده بشكل تام وأسندت إليه مهمة أخرى . العساف والجبير.. مثال على التغييرات المثيرة للجدل عادل الجبير وزير الخارجية السعودي السابق ولعل أكثر ما شد انتباه المتابعين للشأن السعودي هو إقالة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي من منصبه ليحل محله إبراهيم العساف والذي كان قد تولى منصب وزير المالية لفترة طويلة خرج بعدها من الوزارة ليلحق بباقي معتقلي فندق الريتز كارلتون ويصبح واحداً ممن وجهت لهم تهم بالفساد لكنه أفرج عنه لاحقاً. ويعتقد مراقبون أن تولي العساف هذا المنصب الرفيع قد يقوض من محاولة المملكة لتحسين صورتها في العالم بعد أن تولى خارجيتها شخص حامت حوله شبهات بالفساد. لكن الصحفي الجزائري أنور مالك يرى أن "وزير الخارجية السعودي الجديد لم توجه له أي اتهامات صريحة وواضحة، كما أن الرجل عاد الى بيته دون أن نشاهد أي تحرك قضائي ضده وبالتالي فلا يمكن أن يغامر الملك وولي عهده باختيار شخص قد يسيئ توليه لهذا المنصب إلى صورة المملكة خاصة وهو منوط به تمثيل الدولة في المحافل السياسية الدولية". لكن الدكتور سعد الفقيه المعارض السعودي البارز يرى أن اختيار العساف كوزير للخارجية أمر سلبي للغاية "فالرجل اتهم بتلقي رشى والحصول على جزء من الأموال المخصصة لتوسعة الحرمين ثم أطلق سراحه ولم يرد اعتباره ولم يبرأ من التهم إلى اليوم وأعيد الى مجلس الوزراء كوزير بلا وزارة بعد شهرين وقيل إنه أعيد لأن البنوك العالمية رفضت التعامل مع النظام السعودي لكشف ما لديها من معلومات حول إيداعات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين لديها لأن من كان يتعامل معها مسجون في الريتز، فأعيد إلى المشهد حتى تقتنع البنوك العالمية والمؤسسات المالية بفتح ملفاتها أمام السلطات السعودية وفشلت هذه الحيلة". ويشير الفقيه إلى طبيعة اختيار العساف كوزير خارجية  فيقول إن "الجبير ليس له القدرة على أن ينسجم مع اندفاعات ولي العهد وتصرفاته المفاجئة، لذا كانت إزاحته متوقعة خاصة بعد أن فُرض عليه مؤخراً أن يأخذ التلقين من سعود القحطاني والذي كان يوجهه يومياً بماذا يقول وكيف يرد ويتصرف حيال مختلف القضايا، فيما كان الجبير يرى في نفسه أنه وزير خارجية ناجح وممثل جيد لدولته تعامل مع القضايا المختلفة بحنكة وحكمة ولباقة، ما جعل الرجل يشعر بالإذلال فبدت عليه آثار ذلك وكان لابد من التخلص منه، أما العساف فهو ليس من النوع المتكلم أو طلق اللسان وليس له قدرة على التعامل مع قضايا العلاقات الخارجية بل هو من النوع الكتوم وهو المطلوب في الفترة الحالية". لكن الكاتب الصحفي اللبناني على مراد المختصّ بالشؤون السعودية والخليجية رأى الأمر من زاوية مختلفة تماماً: ويرى مراد أن ما حدث هو محاولة سعودية لإصلاح الخلل الذي أصاب العلاقات الأمريكية-السعودية مؤخراً على الرغم من كون الجبير يتمتع بعلاقات متميزة مع الأمريكيين لم تساعده على إصلاح هذا الخلل ما حدا بالسعودية إسناد ملف إصلاح العلاقات إلى شخص آخر ترى فيه القدرة على تنفيذ المهمة. عماد حسن

مشاركة :