لا أحد يتوقع أن واحدة من أكثر المناطق الشعبية ازدحامًا، التى ربما يكون آخر ما يشغل أذهان قاطنيها القراءة، تحوى كنزًا ضخمًا من المعرفة، فى غرفة مساحتها لا تتجاوز الأمتار العشرة بمنطقة صفط اللبن، يتربع فيها رجل مسن، بينما يغفو تاريخ بأكمله، وتسكن ثقافة وأدب وحضارات على يمينه ويساره، وكأنه يعيش فى جزر معزولة، على هامش الحياة، كان يحق له أن يكون هادئًا لولا صيحات وضجيج المارة والغوغاء من حوله.هناك فى ذلك الركن يجلس مالك المكتبة السبعينى سيد هاشم قاسم، وسط قرابة الـ30 ألف كتاب أو بالأحرى 30 ألف صديق، جمعوا علوم الأرض وفنونها، فى «صراع الحضارات»، و«الثقافة»، والفن»، و«علوم الهندسة والطب»، وإصدارات نادرة منذ عقود طويلة.يقول عم سيد إنه ينوى أن يصنع أرشيفًا إلكترونيًا لحفظ هذه الثروة، كونها تجمع كتب منوعة وتحوى مؤلفات مختلفة، مشيرًا إلى أنه دعم المكتبة بمستودعين، إذ إن المعروض جزء بسيط من حصيلة ضخمة يمتلكها.بدأ عم سيد حديثه، قائلًا: المكتبات المنزلية من أقدم المكتبات التى كان ينشئها الملوك والحكام والأغنياء والعلماء والوجهاء فى قصورهم وبيوتهم منذ العصر القديم، وظل هذا التقليد سائدًا حتى عصرنا الحالى من قبل الأعيان والمثقفين، الذين يمتلكون المال مع رفاهية الاختيارات بغض النظر عن مراكزهم العلمية أو السياسية أو الاجتماعية. واوضحً أن مكتبته العتيقة لا تكمن قيمتها فى أسعار كتبها بل فى ثراء ما تحتوية وما تمثله لحقب تاريخية ماضية، ففى مكتبتى مؤلفات نادرة الوجود، وتشمل فى الغالب تخصصات متنوعة، ولم أشترِ الكتب حسب أهوائى وميولى فى القراءة فقط بل ما يحتاجه أقرباء وأصدقاء لى، ولدى العديد من المخطوطات النادرة التى لا يمتلكها أحد غيرى، وكل ذلك ليس للوجاهة ولكنه للعلم والمعرفة فقطوتابع: أفتح مكتبتى البسيطة وغير المتطورة أمام شباب الباحثين والمهتمين والمثقفين، فتقدم لهم خدماتهم، هذا يسعدنى للغاية، وأقوم بتدوين الأسماء وحفظها فى ملف خاص بالمستعيرين الكتب، وأقوم بالاتصال بهم لأطمئن على كتبى أنها ما زالت فى حوزتهم لأننى أعى تمامًا مدى أهمية تلك الكتب.مشيرًا إلى أهمية المكتبة التى تحتوى على جميع أنواع الكتب سواء الدينية الثقافية، والقصص، والروايات، وكتب الأطفال، وكتب اللغة الإنجليزية، والتاريخ، وكتب السياسة، والشعر، والطبخ، والفلسفة، وغيرها من الكتب.وعند سؤاله عن مصادر الحصول على تلك الكتب، أوضح أن المصادر تختلف، حيث يتم إحضارها من المكتبات الخاصة، والمنازل، وغيرها من المصادر الأخرى التى تثرى المكتبة. وأكد أن الكتاب ما زال يمثل أحد رموز التراث الثقافى، وسجل الأمة الواعى على مر العصور، وهو الوعاء الذى يحفظ الفكر البشرى مهما زاحمته التقنية الحديثة، فأنا كنت أقرأ منذ السبع سنوات، وكنت عند ذهابى إلى بائع الصحف والكتب أسأله عن سعر الكتب الثقافية، فأعلم السعر وأعود لمنزلى لكى أضع عبوة كبريت فارغة بين جدران الحوائط لاحتفظ بالملاليم المخصصة لمصروفى الأسبوعى وأمتنع عن الطعام لكى اشترى كتابًا كل شهر ثمنه قرشان، فكان هدفى القراءة والاحتفاظ بالكتب بعد قراءتها.وفيما يتعلق بمرتادى المكتبة من المثقفين والأطباء والمهندسين، أوضح أن الجميع يزور المكتبة دون دفع أى أموال سواء كانوا أساتذة جامعات، أو مهندسين، أو أطباء، وغيرهم، إضافة إلى زوار من جنسيات مختلفة للحصول على كتب باللغة الإنجليزية، والبعض منهم يأتى ليرى عملات مر على صدورها سنين عديدة، وهى تراث لن يتكرر، وذو قيمة تاريخية العديد من الأجيال لم يعاصرها، وعن اختيار موقع المكتبة بمنزله البسيط المكتظ بجميع الأشياء، رد عم سيد مستشهدًا بحديث شريف نص على «تباركوا بالنواصى والأقدام» أى محل ما تمشى الناس على أقدامها، أو سياراتها، مشيرًا إلى أن هواياته لاقتناء الكتب هى نوع من الحفاظ على الهوية المصرية. وأضاف أن هناك كتبًا لا توجد فى المكتبات الأخرى، لأن طباعتها توقفت نهائيًا، مشيرًا إلى أن المكتبة تحتوى على روايات الأدب العالمى، مثل روايات ماركيز، ومجموعة كتب محمد حسين هيكل، وروايات لعبدالرحمن الجعفرى، وأبوتراب الظاهرى، إضافة إلى الروايات الحديثة ممثلة بالكاتب ياسر حارب، وسلطان الموسى، مصطفى لطفى المنفلوطى، محمد عثمان الخشت، إبراهيم المويلحى، محمد علاء الدين، محمد مرسى أبوالعباس، محمد سليمان عبدالملك، محمد حسنين هيكل؛ وفى مجال الشعر والأدب، أكد وجود مؤلفات لأحمد شوقى، وأليا أبوماضى، ومحمود درويش. يقول مالك المكتبة: كنت أثناء زيارتى للمناطق كسور الأزبكية وبين السرايات أجدهم يقومون ببيع الكتب بالطن فى حال عدم الحاجة إليها، لاسيما تلك الكتب غير المتخصصة، مشيرًا إلى أن سعر الطن للكتب غير الصالحة وصل إلى ٦٠٠ جنيه، ويحتمل أن يكون به كتاب واحد سعره بسعر الطن بأكمله، ولفت إلى أن المصريين أكثر اقتناء وشراء للكتب سواء الدينية، أو الثقافية، وغيرها من الكتب المتخصصة، ولفت إلى أن المكتبة الخاصة به هى إرث لأبنائه الطبيب والآخر الذى يعمل فنى أشعة فهما قارئان جيدان، خصوصًا فيما يتعلق بالأحداث التى تتعلق بالمؤلفين والمثقفين، والأدباء، وغيرهم من المهتمين بالكتب.حصل عم سيد على شهادة دبلوم الصناعة، ومن بعده تطوع فى الجيش ليشارك فى حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، وكان حينذاك يشترى الكتب ويقرأها لتكون معينة له ومؤنسة فى وسط كل هذه الحروب والشدائد، واهتم دائمًا بجمع الكتب النادرة والمهمة والعملات القديمة للكثير من دول العالم والتى تسجل فى حفظها تاريخًا.
مشاركة :