قرار دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة قرار تاريخي، ونظرة استراتيجية تربوية اقتصادية ثاقبة وموفقة، تؤكد الاستثمار في التميز في التعليم لتحقيق الميزة التنافسية واستدامتها على مستوى المدخلات والعمليات، وضمان مخرجات منسجمة مع المعايير المحددة، بما فيها متطلبات سوق العمل التنافسية. ففي ظل التحولات التي تشهدها البيئة التنافسية زادت الأهمية الاستراتيجية للموارد البشرية. وإن المدخل التطوري لوزارة التعليم اليوم يؤكد دور الكفاءات البشرية وما تمتلكه من معارف ومهارات وقدرات كعنصر محدد لتحقيق التنافسية، يتضمن بشكل أساسي محاولة تغيير طريقة التفكير في العنصر البشري من كونه مجرد عنصر مكلف إلى كونه عنصراً استثمارياً وميزة استراتيجية. وإن إدارة العنصر البشري وكيفية التعامل معه في الوقت الحاضر تعدّ في غاية الأهمية، وستتزايد في المستقبل، ويكون ذلك بتبني استراتيجية واضحة لتنمية الموارد البشرية مبنية على اعتبار العنصر البشري رأس المال الحقيقي من خلال المعرفة التي يمتلكها، واعتباره أيضاً العنصر الرئيسي في إحداث عملية التغيير، كما يمثل مصدر قوة وعنصراً مهماً من عناصر الإنتاج، وبالأخص في مؤسسات التعليم، باعتبارها مؤسسات معرفية (والمعرفة تقوم في الأساس على رأس المال الفكري). كما أن الموارد البشرية يمكن أن تساهم بدرجة عالية في اكتساب مؤسسات التعليم للميزة التنافسية إذا توافر فيها مرتكزان، هما: أن تكون الموارد البشرية ذات جودة عالية، وأن تتميز إدارة تلك الموارد بالطابع الاستراتيجي. وهذان المرتكزان يحتاجان إلى إدارة فاعلة لرأس المال البشري من خلال التوجهات الاستراتيجية لرفع دور الموارد البشرية في قدراتها التنافسية، من خلال تعزيز قيم ثقافية تركز على التفوق والاحترافية في الأداء، واتباع سياسة لاستقطاب الكفاءات والقدرات المتميزة، وتوفير مناخ تنظيمي معزز ومحفز، والتوجه نحو الإثراء الوظيفي عبر تطبيق سياسة التمكين، ودعم بيئة المبادرة والابتكار والإبداع، وتوفير معايير عادلة وواضحة للتقويم والمحاسبية وللترقيات والمكافآت، وتوفير التدريب والتطوير المهني المستمر، والحرص على سياسة التكوين المستمر للموارد البشرية، بمن فيهم المسؤولون، لمسايرة التطور التنظيمي والتعديلات في المنظومة التعليمية الجديدة، ويقتضي أن تكون أهداف التكوين ترجمة لاحتياجات وزارة التعليم ومؤسساته التعليمية. وكلما كانت القدرات البشرية مؤهلة كانت قادرة على التأقلم مع المتطلبات الحديثة والمتوجب عليها. وسوف تواجه وزارة التعليم اليوم تحديات ضخمة على مستوى فلسفة وطبيعة وإدارة مؤسسات التعليم الجامعي ومؤسسات التعليم العام. والسبيل الأهم لمواجهة تلك التحديات هو رفع القدرة التنافسية لهذه المؤسسات في قطاع التعليم المحلي والدولي. هذا الأمر يتمثل في: - منح مؤسسات التعليم الاستقلالية الإدارية والمالية وتحقيق مرونة أكبر وإعطاء المزيد من الصلاحيات. - التعامل مع مستجدات وزارة التعليم التخطيطية والتنظيمية والتعليمية والمالية كمشاريع مجزأة؛ لكي يسهل التعامل معها بسلاسة، وهذا هو الأفضل. - الوعي بالمتغيرات البيئية الخارجية والداخلية وتأثيراتها على مؤسسات التعليم ومستقبلها. - الإيمان بأهمية التعامل مع مفاهيم وآليات السوق وتأثيرها على منهجية التعليم. - العمل على بناء استراتيجي مُحكم قوامه الشراكة المميزة مع قطاعات الإنتاج المختلفة في الدولة. - التحوُّل نحو بناء مجتمع المعرفة في المؤسسات التعليمية بما يدعم تحقق اقتصاد المعرفة في الدولة. - تعزيز دور نتائج البحوث والدراسات العلمية والعطاء المعرفي؛ كي تصبح مفيدة وقابلة للتحول إلى منتج أو خدمة بما يعود بالنفع على العملية التعليمية والتربوية. - العمل على تحقيق الشراكة المجتمعية، عبر ربط مخرجات التعليم ومنجزاته التأهيلية والبحثية باحتياجات المجتمع المحلي، وحل مشكلاته، والعمل على تطويره وتنميته. - الاهتمام بمبدأ العالمية للجودة والتميز لإدارة عمليات التعليم وتعزيز فرص تنافسية لمخرجاته دولياً. فإن الطموح يتجه نحو تطوير نوعي للتعليم ذي تميز وجودة عالية، يستوعب كل من يستحق من أبناء الوطن على اقتناع من الجميع بهذا التطوير المنشود. وليكن العمل في المنظومة التعليمية متكاملاً ومترابطاً ومتناسقاً، يحقق تطلعات المجتمع وأبنائه، ويضع المملكة في المكانة المرموقة التي تستحق بين الأمم، وتحقق تطلعات قيادتنا الرشيدة التي تسعى دائماً لما فيه الخير والصلاح للمواطن والوطن. حفظ الله قائد الأمة الإسلامية سلمان بن عبدالعزيز على هذه القرارات الصائبة، وأمنياتنا لمن نالوا الثقة الغالية بالتوفيق والسداد لما فيه خير البلاد والعباد.
مشاركة :