فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي في خطبة الجمعة: استسلام النفس للهمّ والحزن يحطمها ويُذهب اطمئنانها

  • 12/29/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في خطبته ليوم الجمعة بجامع أبوحامد الغزالي بقلالي أمس تحدث فضيلة الشيخ أحمد مهنا السيسي خطيب الجامع عن الاستسلام للهم والحزن يحطم النفس البشرية ويذهب اطمئنانها فقال: إن الاستسلام للهم والحزن يحطم النفس البشرية ويُذهب اطمئنانها، فيجعلها في حيرة وانكسار، ويتلف صحة البدن ويكثر علله، لا سيما إذا تعلق الإنسان بالأسباب ووُكِل إلى نفسه، وأعرض عن ذكر ربه وحرم نفسه من لذة مناجاته، فكيف إذا كان هذا في زمن اشتداد الكروب والخطوب ونشوب الحروب التي تهدف إلى إسقاط الشعوب، أي في أحلك الساعات التي تستدعي اللجوء إلى الله، لا الإعراض عن ذكره، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا). لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يستعيذ بالله من الهم والحزن وهو خير خلق الله وأحب خلق الله إلى الله، والوحي ينزل من لدن خالقه مواسيا له مثبتا لقلبه. كان أنس بن مالك يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول رضي الله عنه: فَسَمِعْتُهُ كَثِيرًا مَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» وليس من الهمِّ المذموم الهَمُّ بالآخرة مع حسن الظن بالله وعدم القنوط، فإن ذلك محفزًا للتزود للدار للآخرة بالأعمال الصالحة، وكذا الهم بأحوال الأمة والعمل على رفعتها والذود عنها والتضرع إلى الله تعالى لكشف محنها وكفِّ شر أعدائها، فإن ذلك يدل على الشعور بالجسد الواحد ذي المصير الواحد الذي يتداعى بعضه بعضا في ظل تقلبات الحياة. وليس الهمّ المحذور ما يلم من كدر طارئ، سرعان ما يزول ويندثر، وهذا لا يسلم منه أحد من الناس، وهو من مكفرات الذنوب لمن صبر واحتسب أجره على الله تعالى، وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه». أما الهمُّ المذموم فهو ذلك الذي يلازم الإنسان دون انفكاك، فيُظلِم القلبُ ويسوء الحال، نتيجةً لتراكم الذنوب وإيثار الدنيا على الآخرة (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ إذا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ» «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ». ومن الهموم المذمومة ما يكون بسبب إساءة الظن، فتسوء العلاقات ربما مع أقرب المقربين بسبب تضخيم الوقائع وصرفها عن حقيقتها البينة الواضحة. وكذا ما يقع في النفس من خواطر من وسوسة الشيطان الرجيم فتشغل الإنسان عن أي نشاط مثمر وعمل منتج، فيمرض مرضًا يعز التعافي منه، إلا من رحم الله، فلنحذر من الهم والحزن وجميع أسبابهما، ولنأخذ بجميع أسباب السعادة للدارين لتنشرح صدورنا، وتطمئن قلوبنا، ذلك بالبعد عن الذنوب والمعاصي والإقبال على ذكر الله تعالى والاستعانة به والتضرع إليه بما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعاء. والحذر من مراقبة الناس في أرزاقهم وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله فإن الحسدَ يعذب صاحبه لأنه غير راض بقسمة الله بين عباده. فمن قنع بما آتاه الله، وعاش على قدر كفايته وطاقته وهبه الله الرضا والراحة وبارك له في رزقه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» ولنكثر من الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنها زادٌ عظيم لكفاية الهمِّ وغفران الذنوب وتفريج الكروب وقضاء الحوائج.

مشاركة :