الثقة كانت تغمرني، تقدمت بخطوات سريعة لتنفيذ الكرة الثابتة، رأيتها تعانق الشباك قبل أن أسددها".. كلمات نابعة من ذكريات تسكن قلب المدافع محمد عبدالجواد، استحضرها من مواجهة المنتخب الوطني أمام قطر في بطولة أمم آسيا 1984 التي استضافتها سنغافورا. آنذاك، رسم عبدالجواد لوحة فنية طغى عليها الإبداع ممزوجًا بمهارة كبيرة، عندما صوّب ضربة ثابتة سكنت الشباك القطرية، مدركًا التعادل ليحفظ حظوظ "الأخضر" ويقوده لاحقًا في تخطي دور المجموعات. في تلك النسخة من أكبر بطولات القارة الآسيوية، تخطى الأخضر دور المجموعات متصدرًا بست نقاط لمجموعة ضمّت الكويت وقطر وسوريا وكوريا الجنوبية، ثم أطاح بمنتخب إيران في الدور نصف النهائي بالفوز بضربات الترجيح، كان لـ"عبدالجواد" نصيبًا في إحداها، ومن ثم لامس الصقور المجد بالفوز في المباراة النهائية على المنتخب الصيني بهدفين نظيفين، محققًا لقب البطولة للمرة الأولى. يفتح المدافع الفذ، أرشيف الذكريات، متحدثًا عن تلك الكرة الثابتة التي عرف السعوديون لاحقًا دورها المهم في صناعة تاريخ سعودي على رأس القارة، فيقول: "كنت أتدرب في حصة ترفيهية قبل مباراة قطر على الكرات الثابتة مع صالح النعيمة وماجد عبدالله، وأجدت في كل مرة أصوب.. خلال المباراة تهيأت الفرصة بحصولنا على خطأ قريب من مرمى قطر، تقدمت مسرعًا لإقناع النعيمة بأن أسدد لإيماني الكامل بالتسجيل، ووفقت بفضل الله في ترجمة الفرصة إلى هدف". "عبدالجواد" تشهد له الضفة اليسرى على أناقته في السير بالكرة، ورشاقته في قطع المسافات بين مناطق الدفاع ومواقع الهجوم، ذلك الباسل حينما يذود عن مرمى فريقه، والجسور إذا اتّجه نحو شباك المنافسين، كان ورقة رابحة أينما حلت المواعيد، يتجلى ذلك في مشهد خفقت من أجله القلوب فرحًا، عندما انقضّ بشجاعة في "نهائي آسيا 1984" على المهاجم الصيني ممتصًّا الكرة في أبهى صورة، ثم يرسلها برؤيته الشاملة إلى ماجد عبدالله الذي سجل مستثمرًا التمريرة بعد أن "كسّر طاقم دفاع الصين"، كما كسّر عبدالجواد من قبله محاولات هجومه، ليكتب مع "الصقور" في سماء الذهب ويحقق "الأخضر" اللقب الأول. يوضح ظهير الأهلي السابق أهم أسرار تألق "الأخضر" آنذاك: "العمل تراكمي، والإنجاز لم يتحقق صدفة، فكل خطوة كُتبت سطورها على ورقات الدراسة المتأنية وخطط الحالة البدنية لدى اللاعبين، والرصيد اللياقي لدى عناصر المنتخب دفعتنا لمجابهة الخصوم من دون كلل". ويتابع: "كان المطر يهطل كل يوم في سنغافورا، وكنا نلعب في ميدان من الوحل وأرض مبللة، الأمر الذي يضاعف أوزان اللاعبين.. كنا نلعب كل المباريات من دون استثناء في هذه الأجواء غير الكروية، في وقت لا نعتاد على حالة طقس مماثلة، لكن ذلك يحسب لأفراد الجهاز الفني الذي حرصوا على أن تكون لياقة اللاعبين مكتملة". لم تنتهِ القصة، أربع سنوات من الانتظار ثم صناعة مجد سعودي آخر، كان هذه المرة في البطولة التي استضافتها قطر، ولم يتأثر "الأخضر" بالضغوط لكونه شارك حاملًا لعرش البطولة، فاستطاع تكرار الإنجاز صانعًا تاريخًا من ذهب، فكرّر الإطاحة بإيران من الدور نصف النهائي، ثم رفع كأس البطولة بالفوز على كوريا الجنوبية بركلات الترجيح، يومها أضاع "عبدالجواد" ركلة لكنّ حلم "الصقور" لم يخب، وتسيّدوا على عرش القارة. يقول "عبدالجواد" عن تلك التجربة: "كان متعهد ركلات الترجيح ماجد عبدالله، ومن بعده أسدد أنا، وهذا جعلني أكثر ثقة.. أمام كوريا (في النهائي) حان دوري للتسديد.. لاحظت أنّ الحارس الكوري لا يقفز عاليًّا فقررت التصويب بأسلوبه في منتصف الزاوية لكن لم أوفق وأهدرت الكرة". مرّت تلك اللحظة قاسيةً على لاعب الأهلي السابق: "لا أتذكر ماذا حدث في أعقاب ذلك.. كانت لحظة قاسية، فكل منا كان يحمل حلم وطن، لكن بفضل من الله، أعدنا الكأس الغالية إلى البلاد مجددًا".
مشاركة :