كيف تؤثر القرارات الاقتصادية العالمية على أسرة مصرية متوسطة الدخل؟

  • 12/30/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عاشت أسرة المحامي المصري إكرامي مجدي، شهرا عصيبا مارس (آذار) الماضي، عندما اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قرارا بفرض رسوم حمائية على ورادات بلاده من الصلب والألمنيوم مستهدفا بكين، رغم أنه لا أحد في أسرته يمت بأي صلة أو قرابة للصين، ولا يعرف مجرد معرفة شخصا من آسيا، وليس لدى أسرته أي ميول اشتراكية. غير أن أحد المستثمرين في العقود الآجلة للنفط، والذي رأى أن أكبر اقتصادين في العالم، ربما يدخلان في صراع تجاري، قرر التخارج من الاستثمارات الخطرة (الأسهم والنفط والعملات) في شهر مارس، بيد أن هذا المستثمر كان عميلا للمحامي المصري بالصدفة، مما تسبب في تأجيل صرف أحد الشيكات المتفق عليها، والتي كان يعول عليها مجدي بشدة خلال نفس الشهر. ومنذ ذلك الحين تتراجع أسعار النفط، تحت ضغط الغموض الذي يكتنف الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، الذي تلا فرض أميركا رسوما حمائية. يذكر مجدي، الأربعيني، لـ«الشرق الأوسط»، التأثيرات السلبية على أسرته خلال هذا الشهر: «كنت منتظرا إرسال دفعة من مبلغ كان متفقا عليه لشغل سابق، ولكن بمجرد تذبذب أسعار النفط في بداية شهر مارس (بناء على أنباء فرض رسوم حمائية من قبل أميركا)، تلقيت رسالة من الزبون (العميل) الذي يعيش في دبي، بتأجيل تحويل المبلغ... حتى تحسن الأسعار». منذ تلك اللحظة أصبحت متابعة أخبار الاقتصاد العالمي شيئا شبه روتيني للمحامي المصري، إذ تتحكم في جزء كبير من مدخلاته الشهرية، حتى أصبحت قراراته المادية وموازنته الشهرية تأخذ في الاعتبار، تحركات الأسواق الدولية، بعد هذه التجربة، التي وصفها بـ«المريرة»، عليه وعلى أسرته، لكنه يقول، وهو متقمص دور خبير اقتصاد دولي: «يبدو أن القادم أسوأ للاقتصاد العالمي... من خلال متابعتي الأخبار اليومية عن الأسواق والأسهم والنفط والصراعات والحروب التجارية... وبالتالي أتوقع تجارب أخرى سيئة». وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم 8 مارس (آذار)، قرارا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على واردات الصلب و10 في المائة على واردات الألمنيوم، لكنه استثنى كندا والمكسيك. واصفا الإغراق بأنه «اعتداء على بلدنا». - ترمب يؤثر مباشرة على متوسطي الدخل في مصر لم يتخيل مجدي يوما أن يتأثر بقرار من رئيس الولايات المتحدة الأميركية يخص الصين، فمنذ أن امتهن المحاماة في مصر منذ أكثر من خمس عشرة سنة، وهو يعمل مع زبائن محليين، إلا أن فرصة عمل مع أحد الزبائن الدوليين منذ عام تقريبا، سهلت له العمل مع آخرين. بغضب يتساءل من مكتبه: «تخيل أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلين في مرحلة التعليم الأساسي، يعيشون في مصر الجديدة، وليس لهم أي علاقة بالسياسة الدولية ولا المحلية... وقرار من رئيس أميركا يؤثر عليهم مباشرة، ويعيشون شهرا عصيبا بسببه». لم تكف يده عن الحركة للأعلى وللأسفل ويمينا ويسارا، وهو يحاول شرح حالة أسرته في هذا الشهر، بصوت ما زالت عليه آثار تلك الأزمة، رغم مرور ما يقرب من 9 أشهر عليها، غير أن المحامي المصري، يعدد المشاكل والأزمات التي تحيط بالطبقة المتوسطة في مصر، بقوله: «احنا مش ناقصين مشاكل الاقتصاد الدولي كمان». لا توجد أرقام رسمية في مصر عن عدد الأسر متوسطة الدخل، لكن المصاعب الأخيرة التي يشتكي منها المصريون نتيجة تداعيات الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، زادت من متاعب معظم الأسر، لكن بالتزامن مع ذلك، أعلنت الدولة عن برامج دعم نقدي للأسر محدودة الدخل في البلاد، بيد أن الطبقة المتوسطة ترى أن الدعم لا بد أن يطالها هي الأخرى، في ظل معدل تضخم بلغ 15.6 في المائة على أساس سنوي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. يرى محمد متولي نائب الرئيس التنفيذي لشركة «إتش سي» للأوراق المالية والاستثمار، أن دخل الطبقة المتوسطة في مصر يتراوح من 10 آلاف (نحو 557 دولارا) إلى 100 ألف جنيه (5.571 دولار) شهريا، وأصحاب المدخرات من 100 ألف حتى 5 ملايين جنيه (278.5 ألف دولار). على أن هذه الأرقام تضم أيضًا ما سماه «upper middle class» الطبقة المتوسطة العليا. غير أن مداخيل الأسر المصرية تراجعت بعد تحرير سعر صرف العملة نوفمبر (تشرين الثاني) العام 2016. نتيجة تراجع قيمة الجنيه نحو 40 في المائة أمام الدولار، يقول مجدي: «تقريبا 30 - 40 في المائة الأتعاب (الإيرادات) تراجعت». ويوضح متولي لـ«الشرق الأوسط»، أن «موجة التضخم التي نشأت بسبب تعويم العملة، تسببت في زيادة الضغوط على كافة الطبقات، وخاصة الطبقة المتوسطة، بسبب ارتفاع الأسعار، وتلا ذلك قرارات إعادة توجيه الدعم، مما تسبب في زيادة كافة أسعار السلع والخدمات بنسب تصل إلى الضعف أحيانا، وتصادف ذلك مع رفع نسب الجمارك وتفعيل تحصيل الضريبة العقارية، وما زاد الضغوط أكثر على الطبقة المتوسطة، عدم تحريك الأجور بنفس نسب زيادة معدل التضخم». وفئة المحامين من الفئات التي ليس لديها دخل ثابت، إذ يعتمد المحامي على دخل القضايا التي يتحصل عليها، وهي متغيرة شهريا، وهناك شهورا تقل فيها أحجام إصدارات الأحكام بسبب تأجيل قضايا، والتي عادة ما تكون مرتبطة بشهور العطلة القضائية. تبدأ العطلة القضائية في مصر رسميًا، في شهر أغسطس (آب) من كل عام وتنتهي آخر سبتمبر (أيلول)، حسب المادة 86 من قانون السلطة القضائية، على أن تنظم الجمعيات العامة للمحاكم إجازة القضاء خلال العطلة، بحيث لا تتجاوز شهرين بالنسبة للمستشارين وشهرًا ونصف الشهر بالنسبة لمن سواهم. يقول مجدي: «بتعدي علينا شهور بيكون فيها الدخل أقل من المطلوب لفتح بيت»، مما يجعله يتحوط أثناء هذه الشهور من خلال استثمار جزء من مدخراته، في شهادات بنكية تعطي عائدا يصل إلى 15 في المائة سنويًا، وهي «فرصة» كما يراها، للطبقة متوسطة الدخل لتعويض تراجع المداخيل، وتساعده في الحفاظ على «العيش في نفس المستوى». غير أن متولي يقول إن «بعض فئات الطبقة المتوسطة هبطت للطبقة الأقل، نتيجة كل هذا (تداعيات الإصلاحات الاقتصادية مع اضطراب الاقتصاد العالمي)». ووفقا لأحدث تقارير البنك الدولي عن مصر، فإنه رغم ارتفاع متوسط دخل الفرد السنوي في مصر من 1300 دولار العام 2000 إلى 3400 دولار في 2015. إلا أن معدل الفقر ارتفع أيضًا من 16.7 في المائة إلى 27.8 في المائة خلال نفس الفترة، غير أن المؤشرات الأولية لبحوث الدخل والإنفاق التي تجريها الحكومة حاليا من خلال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، تشير إلى ارتفاعه إلى 30.2 في المائة، على أن تعلن الأرقام النهائية فبراير (شباط) المقبل. وفي الفترة الأخيرة شهدت مصر مجموعة من القرارات الإصلاحية الصعبة، التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، بداية من رفع الدعم عن الوقود وزيادة أسعار الكهرباء والغاز والمياه وتذاكر مترو الأنفاق، مرورا برفع الدعم عن الدولار الجمركي على بعض السلع التي سمتها الحكومة «استفزازية» كان من بينها أجهزة الكومبيوتر، رغم توجه الدولة نحو الشمول المالي والتعليم الإلكتروني، إلا أن وزارة المالية عادت وحذفت الكومبيوتر من القائمة مؤخرا. يقول المحامي المصري: «نحن أيضًا في الأسرة نضع قائمة شهرية بالمتطلبات في بداية الشهر... ونحذف منها في نهاية الشهر على حسب المتطلبات الأساسية وما يتبقى من الدخل... لكن المستفز فعلا هي القرارات الاقتصادية العالمية المتضاربة... نعلم جميعا أننا في وضع اقتصادي صعب لكن ما يصعب الأمور أكثر هي الأوضاع العالمية». ومؤخرا قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن العالم في حالة تحول قوي ويتغير بشكل ديناميكي. ويمكن أن يفسر ذلك ظهور الشعبوية في عدد من الدول الأوروبية، مثل اليونان وإيطاليا، وهي التي أدت ببريطانيا إلى «بريكست»، فضلا عن السياسة الحمائية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه الصين وعدد من الدول الأوروبية. الحرب التجارية من جديد هذه المتغيرات الدولية لم تكن بعيدة عن أسرة المحامي المصري، الذي أوضح: «خسرت زبونا كانت معاملاته جيدة جدا، بسبب الحرب التجارية الحالية بين أميركا والصين»، موضحا: «بعد انهيار وول ستريت على مدار عدة جلسات... اتخذ العميل قرارا بالتخلي عن كافة أعماله في مصر مؤقتا في الوقت الحالي... وقام بفسخ العقد معي». طالت تداعيات الحرب التجارية بين أميركا والصين، الاقتصاد العالمي بالفعل، وأظهرت أحدث توقعات من صندوق النقد الدولي، أُعلنت في منتجع بالي الإندونيسي، أكتوبر (تشرين الأول)، حيث عقد الصندوق والبنك الدولي اجتماعاتهما السنوية، أن موجة النمو القوية التي غذتها إلى حد ما التخفيضات الضريبية الأميركية وزيادة الطلب على الواردات قد بدأت تضعف، وقال الصندوق في تحديث لتوقعاته الاقتصادية العالمية إنه يتوقع الآن نموا عالميا يبلغ 3.7 في المائة في كل من 2018 و2019. ليتراجع عن توقعاته في يوليو (تموز) بأن تكون نسبة النمو العالمي 3.9 في المائة لكل من العامين. «الحرب التجارية بين الصين وأميركا تؤثر على مصر، كذلك هناك دول كثيرة رفعت معدلات الفائدة بشكل كبير، وكذلك هناك دول خفضت عملتها للتعامل مع الأزمات، لكننا سنحاول قدر المستطاع أن نثبت الاقتصاد المصري». وفقا لتصريحات وزير المالية المصري محمد معيط أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي تؤكد أن التأثيرات العالمية ستطال جميع الأسر المصرية. يوضح نائب الرئيس التنفيذي لشركة «إتش سي» للاستثمار، أن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم أميركا والصين، أثرت بالطبع على الاقتصاد العالمي ورفعت الأسعار عالميا، ومصر تأثرت بالفعل، وتحديدا الطبقة المتوسطة، موضحا أنه عندما فرضت الولايات المتحدة رسوما حمائية على وارداتها من الصين من الفولاذ مثلا بنسبة 25 في المائة، يعني هذا أن أسعار المنتجات التي تستخدم الفولاذ ارتفعت 25 في المائة على المستهلك الأميركي. وعندما اتخذت الصين رد فعل على قرارات الولايات المتحدة بفرض رسوم مماثلة على الواردات الأميركية، ومنها بعض المدخلات في بعض الصناعات التي تصدرها، أدى ذلك إلى رفع أسعار المنتج النهائي، بالنسبة للمستهلك الدولي. والحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، نشبت خصيصا بسبب العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين، لصالح الأخيرة، وفرض ترمب، رسوما حمائية، مما أثار حفيظة الصين التي ردت بالمثل بفرض رسوم على ورادات أميركية. وبعد تطور تلك الممارسات إلى حرب تجارية بين البلدين، توصل الطرفان أخيرا بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) 2018، إلى هدنة مدتها 90 يوما، في محاولة للتوصل إلى حل نهائي بينهما، تخلل هذه تراجعات حادة في بورصتي وول ستريت، والبورصة الصينية. يقول متولي لـ«الشرق الأوسط»: إن تداعيات الحرب التجارية الحقيقية، ظهرت في شكل «موجة جديدة من التضخم العالمي المفتعل». - التجربة الفنزويلية تبعد فنزويلا عن مصر نحو 10.428 كيلومتر مربع، إلا أنها أثرت هي الأخرى على أسرة المحامي المصري، بعد فرض عقوبات عليها في شهر مايو (أيار) الماضي، من قبل الرئيس الأميركي، فقد قرر المستثمر، الذي أجل إرسال الدفعة المستحقة في شهر مارس، تصفية أعماله مع المحامي المصري نهائيا. أوضح مجدي: «قال لي إنه عاد واستثمر مرة أخرى في النفط بناء على تلك الأخبار، إلا أن توقعاته لم تصدق، وحقق خسائر كبيرة، وبناء عليه فسخ العقد». ضاحكا: «بسبب التجربة الفنزويلية». تراجع مزيج خام برنت العالمي إلى 50 دولارا في جلسة الثلاثاء الماضي، وهو أقل سعر منذ يوليو (تموز) 2017. وذلك بعد أن بلغ 86 دولارا، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو السعر الأعلى للخام منذ منتصف العام 2014. يتذكر مجدي مقولة ابنته سيلفيا، التي لم تتعد 10 سنوات، عن تأثير أحداث النفط على أسرته: «أوبك حلوة»، بسبب قرار منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، بتخفيض الإنتاج نحو 1.2 مليون برميل يوميا، مع مجموعة منتجين خارجها على رأسهم روسيا، في السابع من شهر ديسمبر (كانون الأول) 2018. وهو ما أعطى دعما للنفط خلال الثلاث جلسات التالية للقرار، مما جعل المستثمر الذي خسره مجدي يعود إليه من جديد. يضيف مجدي: «أوبك مرتبطة عند أولادي بأنها تدعمنا (الأسرة)». كان ترمب قد طالب منظمة أوبك بعدم تخفيض الإنتاج، للحفاظ على أسعار نفط منخفضة. لكن: «قرارات ترمب ضدي». يختم إكرامي مجدي المحامي المصري: «أنا خايف ننزل للطبقة الأقل... رغم أننا ربطنا الحزام». ومؤخرا قال البنك الدولي إن مصر ضمن 5 دول بالشرق الأوسط واقعة في «شرك الدخل المتوسط»، منذ أربعة عقود، لكنه قال إن ذلك لا يعني ثبات مستوى دخول المصريين عند حد معين، فقد يتحسن مستوى الدخل أو يبقى على حاله في الوقت الذي تزداد فيه الفجوة بين الأغنياء والفقراء داخل المجتمع. وينصح متولي، أصحاب الطبقة المتوسطة في مصر، «بالاحتفاظ بسيولة نقدية تكفي عامين إلى ثلاثة أعوام في ودائع قصيرة الأجل، ومن ثم استثمار الفائض، إذا وجد، في شهادات بنكية أو ودائع بفائدة ثابتة أو أذون خزانة»، مشيرا إلى أن من لديهم استثمارات في قطاع العقارات لديهم حماية طبيعية من التضخم، نظرا لارتفاع أسعار العقارات سنويا في الأجواء التضخمية.

مشاركة :