أظهر هذا الأسبوع، مرة أخرى، أن كرة القدم الإيطالية تواجه مشكلة عميقة الجذور مع العنصرية والفاشية، حيث تعرَّض المدافع السنغالي لنادي نابولي، كالديو كوليبالي، لهتافات عنصرية طوال مباراة فريقه أمام إنترميلان في ختام مباريات الجولة الثامنة عشرة من الدوري الإيطالي الممتاز على ملعب «سان سيرو» في ميلانو. وفي اليوم التالي، أشارت تقارير إلى أن المشجع الذي لقى حتفه في شجار قبل المباراة بين أفراد «الألتراس» المتعصبين كان عضواً في حركة النازيين الجدد، وينتمي إلى عصابة يطلق عليها اسم «الدم والشرف». ويجب الإشارة إلى أنه لا توجد دولة خالية من العنصرية، وهو الأمر الذي يتضح من خلال قشر الموز الذي ألقى في ديربي شمال لندن الأخير بين توتنهام وآرسنال، والهتافات العنصرية التي تعرّض لها نجم مانشستر سيتي رحيم ستيرلينغ في المباراة أمام تشيلسي. لكن في إيطاليا، لا تكمن المشكلة في حماقات فردية من شخص أو آخر، لكنها تتمثل في تخطيط جماعي على نطاق واسع، ولا تقع الحوادث العنصرية على فترات بعيدة لكنها تحدث بشكل متواصل. وتُستخدم ملصقات تحمل صورة الضحية الشهيرة للمحرقة النازية، آن فرانك، من قبل مشجعي نادي لاتسيو للمطالبة بالموت لمشجعي نادي روما، كما تُستخدم كلمة «السود» بشكل ساخر وتهكمي على اللافتات التي تُرفَع في الملاعب، وتظهر الرموز الفاشية والنازية على اللافتات في المباريات كل أسبوع. وحتى اللاعبون يحتفلون بالأهداف عن طريق إعادة «التحية الرومانية» إلى جماهيرهم، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الإشارة المتكررة التي أداها باولو دي كانيو. ويقود هذا الانجراف نحو اليمين المتطرف جماهير الألتراس في البلاد. وعلى الرغم من أن حركات هذه المجموعات قد ظهرت في المدرجات في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي روابط غير سياسية تحت قيادة مجموعة من صغار المراهقين، فإنها تحولت في منتصف التسعينات إلى عصابات إجرامية متعاطفة مع الفاشية الجديدة. وقاد ألتراس أندية فيرونا ولاتسيو وإنترميلان هذا التوجه، لكن سرعان ما أصبحت مدرجات معظم الأندية الإيطالية تضم «ألتراس» من اليمين المتطرف. وأصبحت المدرجات تتبنى نهج «هم ونحن»، الذي يروّج للكراهية ضد الآخرين، وتحولت الملاعب إلى ساحات للقتال والحروب، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف، وكما حدث هذا الأسبوع، إلى سقوط ضحايا. وفي ظل هذا العالم القاتم، لم يعد هناك معنى لكلمات مثل «التسامح» و«التعددية الثقافية». وفي بلدان أخرى، يشكل هؤلاء المتطرفون نسبة صغيرة من الجمهور، لكن في إيطاليا أصبح المتطرفون هم الغالبية لعدة أسباب، من بينها أن إيطاليا لم تشهد ما يشبه المبادرة التي حدثت في ألمانيا للقضاء على النازية، بالإضافة إلى أن هناك حنيناً دائماً لقائد عسكري قوي، خصوصاً في ظل ضعف الحكومات التي جاءت في فترة ما بعد الحرب. ودائماً ما كانت الأشياء الفاشية معروضة للبيع في جميع أنحاء البلاد، كما أصبحت بريدابيو، مسقط رأس موسوليني، بمثابة مكان مقدس للفاشيين. ولعل الأهم من ذلك كله أن الفاشية قد أصبحت خلال السنوات الأخيرة شائعة بشكل لافت للأنظار في كرة القدم الإيطالية، فأصبحنا نرى الجماهير وهي حليقة الرؤوس وترتدي القمصان السوداء. وخلال السنوات الـ25 الماضية، لم يعد يُنظر إلى الفاشية بالنظرة السابقة ذاتها، فمنذ سقوط جدار برلين، أصبحنا نرى كثيراً من السياسيين الإيطاليين (وعلى وجه التحديد سيلفيو بيرلسكوني ووزير الداخلية الحالي ماتيو سالفيني) وهم يتحدثون بإعجاب شديد عن موسوليني، في الوقت الذي يصورون فيه الشيوعيين والمهاجرين على أنهم أعداء. وقد أدى هذا الأمر إلى ازدهار التعصب، للدرجة التي جعلت الرئيس السابق للاتحاد الإيطالي لكرة القدم، كارلو تافيتشيو، يشكو من أن الدوري الإيطالي قد تعرّض للغزو من قبل «آكلي الموز»، أي العنصريين. وعلاوة على ذلك، تم تشويه النصب التذكارية للهولوكوست، وقام سياسي آخر بتشبيه وزير من أصحاب البشرة السمراء بـ«إنسان الغاب». وقد ارتفع عدد جرائم الكراهية بشكل كبير، وتشير الإحصائيات إلى أن عام 2017 شهد 557 جريمة متعلقة بالعرق. وأصبحت النتيجة هي أن كل اللاعبين من أصحاب البشرة السمراء يلعبون في إيطاليا - ليليان تورام، وباتريك فييرا، وكيفن برينس بواتينغ، وماريو بالوتيلي، وآخرين - يشكون من العنصرية، وقرر كثير من اللاعبين عدم الاستمرار في إيطاليا بسبب العنصرية. ورغم أنه من الصعب معرفة تأثير ذلك على تدني المنافسة في الدوري الإيطالي الممتاز، فمن الملاحظ أنه خلال العشرين عاماً الماضية فازت الفرق الإسبانية بدوري أبطال أوروبا 11 مرة مقابل ثلاث مرات فقط للفرق الإيطالية. ويعني ذلك أيضاً أن الحضور الجماهيري للمباريات بات ينخفض كل عام عن العام السابق، لأن عدداً كبيراً من الناس يرون أن مشاهدة المباريات عبر التلفاز أفضل من الجلوس في المدرجات وسط العنف والكراهية. وفي الدوري الإيطالي الممتاز، لم تشغل الجماهير سوى 60 في المائة فقط من سعة الملاعب، مقابل 95 في المائة في كل من إنجلترا وويلز، و91 في المائة في ألمانيا (هناك، بطبيعة الحال، أسباب أخرى لتدني الحضور الجماهيري، مثل الملاعب المتهالكة، والشعور بالملل بسبب غياب المنافسة الحقيقية للدرجة التي جعلت نادي يوفنتوس يفوز ببطولة الدوري خلال السنوات السبعة الماضية). يأتي كل هذا في وقت يحاول فيه الدوري الإيطالي الممتاز تسويق نفسه في الخارج بشكل جيد. وكان الجميع يتمنى أن يسهم تعاقد نادي يوفنتوس مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في إعادة الدوري الإيطالي الممتاز إلى الواجهة مرة أخرى، بعدما كان في ثمانينات القرن الماضي هو الدوري الأفضل في العالم. لكن المشكلة تكمن في أن هناك قوى أخرى تسير في اتجاه مختلف: ففي الأسبوع الماضي، تم تصوير وزير الداخلية الحالي ماتيو سالفيني وهو يصافح بكل حرارة أحد أفراد جمهور الألتراس بنادي ميلان رغم أنه متهم بإيذاء جسدي خطير وتجارة المخدرات. وطالما كان وزير الداخلية اليميني المتطرف يسعى لكسب ود الألتراس من اليمين المتطرف، فمن المرجح أن تظل كرة القدم الإيطالية تعيش في العصور المظلمة.
مشاركة :