ترامب بين حصاد 2018 وهواجس 2019

  • 1/1/2019
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

قبل بضعة أعوام عثرت على قصيدة شعرية تعود إلى فترة الجاهلية -ما قبل انبلاج فجر الإسلام- وفيها وصف لناقة تعدو بين كثبان الرمال، فجأة توقفت الناقة وكأن الدماء قد تجمدت في عروقها ثم ألقت نظرة إلى الوراء في وجل وقد بدا عليها الخوف مما كان يطاردها، ثم ما لبثت أن نظرت إلى الأمام وكلها خوف مما هو آت؛ أي من المجهول ومما يخبئه لها قدرها. لقد استحضرت هذه الصورة الشعرية الكلاسيكية البليغة ونحن نودع سنة 2018 ونستقبل العام الجديد. وجدتني أجلس إلى مكتبي وأدون تأملاتي عن سنة ولت وانتهت وسنة أخرى جديدة تحل بين ظهرانينا ورحت أتساءل عن المجهول الذي تخبئه لنا. لقد كانت سنة 2018 التي ولت وانتهت مليئة بالعواصف والاضطرابات بكل المقاييس، وذلك بسبب تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي يصعب توقعها. لقد كان الرئيس ترامب في كلمة واحدة رئيسا مُتعِبًا. لقد بدأنا سنة 2018 وها نحن ننهيها والإدارة الأمريكية مشلولة بسبب إصرار الرئيس دونالد ترامب على موافقة الكونجرس على تمويل الجدار الجديد الذي يريد أن يشيده على طول الحدود مع المكسيك المجاورة، رغم معارضة الديمقراطيين وبعض قادة الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه أيضا. عندما عرض الديمقراطيون على البيت الأبيض الموافقة على تمويل جزئي للجدار والتوصل إلى حل وسط حول إصلاح الهجرة أعرض الرئيس ترامب عن العرض الذي تقدم به الديمقراطيون وتمسك بمواقفه بل واشترط أيضا وقف العمل بعملية السحب المتعدد الإثنيات لقبول المهاجرين ووضع حد لقانون لم شمل العائلات، أطلق الرئيس ترامب أيضا عدة تصريحات مسيئة للمهاجرين الذين ينحدرون من القارة الإفريقية. لقد عمد الرئيس ترامب أيضا إلى تقليص أعداد اللاجئين الذين يسمح لهم بدخول الأراضي الأمريكية كما فرض شروطا جديدة مجحفة على طالبي اللجوء، من دون أن ننسي سياسة فصل أفراد العائلات التي تنتهجها إدارة الرئيس ترامب، وهو ما تسبب في معاناة مأساوية كبيرة لآلاف الأطفال الصغار الذين انتزعوا من آبائهم في الحدود وأرسلوا إلى مواقع بعيدة. مع نهاية سنة 2018 تعرضت الإدارة الأمريكية للإغلاق، حيث إن سلطات واشنطن ترفض أي حل وسط ما لم يوافق الكونجرس الأمريكي على تمويل بناء الجدار على طول الحدود مع المكسيك. في سنة 2018 تسبب الرئيس ترامب أيضا في توتر العلاقات الدولية، التي أثارت استياء الحلفاء من الشرق والغرب. فقد أحبط أوروبا عندما قرر الانسحاب -من جانب واحد- من الاتفاق النووي مع إيران، وأثار سخط الدول العربية عندما قرر نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس. لم يقف الرئيس ترامب عند ذلك الحد بل إنه فرض أيضا ضرائب جديدة مشددة على واردات الألمنيوم والصلب، غير«علاقة الحب» الغريبة الأطوار مع ديكتاتور كوريا الشمالية كيم يون أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي أثار حفيظة دول الحلف الأطلنطي، وكوريا الجنوبية واليابان. مع نهاية سنة 2018 أبى الرئيس ترامب إلا أن يفاجئ الجميع بالإعلان عن سحب القوات الأمريكية من سوريا كما قرر خفض القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان. شهدت سنة 2018 حدوث هزات كبيرة حتى في صلب الإدارة الأمريكية نفسها. فقد خسر دونالد ترامب كلا من وزراء الدفاع والخارجية والصحة والخدمات الإنسانية وقدامى المحاربين والداخلية، إضافة إلى المدعي العالم والمسؤول المكلف بإدارة وكالة حماية البيئة ومستشار الأمن القومي والسفيرة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة وكبير موظفي البيت الأبيض والمستشار القانوني ومدير الاتصال، إضافة إلى أكثر من عشرة من كبار المسؤولين الآخرين في البيت الأبيض. خلال هذه الفترة، أمضى الرئيس ترامب هذه السنة وهو محاصر بالأخطار المتزايدة والتي تتهدد رئاسته بسبب تقدم التحقيقات التي يقودها المحقق الخاص روبرت مولر، وهي تحقيقات أفضت حتى الآن إلى إدانة خمسة من المسؤولين الذين عملوا سابقا في حملة دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية. لقد أدين هؤلاء بعدة جرائم تشمل التآمر والشهادات الكاذبة وحنث اليمين. أما المحامي الذي عمل طويلا لصالح دونالد ترامب فقد أقر بارتكاب عدة جرائم مالية، الأمر الذي ورَّط دونالد ترامب أيضا فيما تتواصل التحقيقات على قدم وساق. لم يكف دونالد ترامب كل ذلك بل إنه أمعن في إثارة حفيظتنا وتوتيرنا بسبب تغريداته المستفزة التي يطلقها عبثا. فقد ظل الرأي العالم يصحو كل صباح على ما يطلقه دونالد ترامب من اتهامات صارخة وثلب وشتائم من مختلف الأنواع والأصناف. من المؤسف حقا أن المحطات الإخبارية ظلت تسهم في نشر هذه التغريدات، حيث ظلت تخصص الجزء الأكبر من برامجها اليومية وتسهب في الحديث عن هذه التغريدات المسيئة وتناقشها وكأنها تمثل «أخبارا عاجلة». في خضم حالة الفوضى العارمة نجح دونالد ترامب في مواصلة أجندته الرامية إلى تفكيك وتقويض الكثير من الإنجازات التي حققها من قبله سلفه الرئيس باراك أوباما. فقد خفض الضرائب، ما أعاد توزيع الثروة بما يفيد الأثرياء وقوض الإجراءات التي تحمي المستهلكين والبيئة وجودة الهواء والماء وتعنى بمعايير الصحة والسلامة. أنهى دونالد ترامب أيضا العمل بالسياسات التعليمية التي أرساها من قبله باراك أوباما وفكك قانون الرعاية الصحية، الذي صدر في ظل إدارة سلفه، علما أن هذا التشريع الصحي المهم بات اليوم مهددا بالانهيار. لم تكن كل الأخبار سيئة. فقد أبدى دونالد ترامب دعمه لإصلاح القانون الجنائي وهو التشريع الذي حظي أيضا بدعم كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كما أنه أعاد التفاوض من أجل التوصل إلى إبرام اتفاقية تجارية جديدة مع كل من المكسيك وكندا. على الرغم من هذه الإنجازات، التي كانت في أغلبها سيئة، باستثناء بعض المسائل الجيدة، فإن حالة الفوضى هي التي ظلت تسود الأخبار في هذا الصدد، فإن الرئيس دونالد ترامب لا يلوم إلا نفسه. كان ذلك قدرنا الذي عشنا أطواره خلال سنة 2018 التي نودعها اليوم. خلال هذه السنة التي ولت وانتهت، لم نكد نركز على أزمة حتى تتجه أنظارنا إلى أزمة جديدة طارئة؛ عملية إطلاق نار جماعية أودت بحياة الكثيرين (خلال سنة 2018 لم يكد يمر يوم واحد من دون أن تحدث عملية إطلاق للنار)، إضافة إلى الهزات التي تحدث في البيت الأبيض والاتهامات والإدانات الجديدة التي تصدر عن المحقق مولر، من دون أن ننسى التغريدات النارية التي يطلقها ترامب، وهو ما جعلنا دائما نعيش في حالة توتر دائمة. وإذا أمعنا النظر إلى الوراء، إلى السنة التي نتركها خلفنا فيما تشرئب أعناقنا إلى سنة جديدة لا ندري ما تخبئه لنا نكون أشبه ما يكون بذلك الجمل الذي وصفه الشاعر الجاهلي، فنحن نعدو لا نلوي على شيء لاستقبال سنة ،2019 لكن المخاوف الكبيرة تظل تخالجنا وتقض مضاجعنا من المجهول. قبل وقت طويل تعلمت أن الاختبار الحقيقي الذي نواجهه في الحياة لا يتمثل في الكيفية التي سنحقق بها الأهداف التي نضعها لأنفسنا. لقد علمتني الحياة أن الاختبار الحقيقي يتمثل في كيفية مواجهة التحديات التي لا نتوقعها والتي تعترضنا في طريقنا. يمكننا فقط أن نتوقع بعض الأمور التي قد تحملها لنا سنة 2019 التي تهل علينا اليوم. في سنة 2019 يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب وينغصون حياة دونالد ترامب كما أنه سيبدأ العام الجديد بإدارة أمريكية مغلقة ورئيس يصر على تخصيص مبلغ 5 مليارات دولار في الميزانية من أجل تشييد الجدار (علما أنه كان في الماضي يصر على أن المكسيك هي التي ستسدد تكاليف بناء الجدار). يجب أن ننوه أيضا إلى أن أي حل وسط قد يتوصل إليه مجلس النواب مع سلطات البيت الأبيض سيكون أيضا في حاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون. ستشهد سنة 2019 أيضا إعلان نتائج التحقيقات التي يجريها روبرت مولر بشأن الدور الروسي المشبوه في الحملة الانتخابية الرئاسية التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سنة 2016. إضافة إلى معرفة ما إذا كان دونالد ترامب قد حاول عرقلة العدالة والحيلولة دون إجراء التحقيقات. سيتعين على الديمقراطيين أن يتجاوبوا مع نتائج تحقيقات روبرت مولر وردود أفعال الإدارة الأمريكية (على سبيل المثال السعي لإزاحة المحقق مولر أو دفن التقرير المذكور) على نتائج التحقيقات قبل أن يقرروا بعد ذلك ما إذا كانوا سينظمون جلسات استماع تتعلق بأنشطة سلطات البيت الأبيض بشأن هذه المسائل المثارة في التحقيقات. خلال سنة 2019 لن تخف وطأة أزمة الهجرة على حدودنا الجنوبية كما أن التحديات ستظل تواجه مسألة إصلاح الرعاية الصحية بسبب الأحكام القضائية والتي قوضت استقرار النظام الصحي الحالي. سنظل أيضا نعيش على وقع العديد من الأزمات من دون أن نتوقع ما ستؤول إليه الأمور بشأنها في نهاية المطاف. هل ستستفيد تركيا من قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من سوريا وتهاجم القوات الكردية في سوريا؟ هل ستهاجم إسرائيل لبنان؟ هل ستؤدي انتهاكات المليشيات المدعومة من إيران في المناطق «المحررة» إلى عودة «داعش2»؟ هل ستعتبر حركة طالبان أن تقليص القوات الأمريكية في أفغانستان يمثل فرصة لإطلاق هجوم الربيع العسكري؟. هل سيفوز بنيامين نتنياهو من جديد وهل ستتم إدانته وهل سيرد الفلسطينيون الفعل على الضغوط الكبيرة التي يتعرضون لها تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الغاشم؟ هل سترى «صفقة القرن» النور خلال سنة 2019؟ ماذا أيضا عن النزعات التوسعية الصينية والتداخلات الإيرانية الإقليمية السافرة واستمرار العدوان الروسي على أوكرانيا، إضافة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ هذا غيض من فيض التحديات التي لا تتسع إليها هذه القائمة لكنها تحديات تكفي لكي تجعلنا ندرك أننا نتجه إلى مستقبل غامض، قد تملؤه المخاوف والهواجس وتحف به الأخطار والتحديات الجسيمة. ستكون هناك خلال سنة 2019 أيضا الكثير من التطورات التي ستشتت الجهود وتقوض التركيز على الأزمات والمسائل الجوهرية. سنتوقع أيضا الكثير والكثير من الإعلانات بشأن ترشح عشرات الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية علما أن كل إعلان سيمثل في حد ذاته «خبرا عاجلا» ومادة دسمة للشبكات الإخبارية. سنشهد أيضا خلال سنة 2019 سيلا من التغريدات التي سيطلقها الرئيس دونالد ترامب. أنا أفهم الناقمة وأتفهم مخاوفها وهواجسها. أنا متوتر ومرهق بعض الشيء. ‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :