جين لينجلان، موظفة مكتبية في شنغهاي، دفعت للتو مبلغا مقدما على سيارة عندما أدركت أن مدخراتها انتهت. مثل كثير من الصينيين الناجحين، استثمرت جين في منتجات مالية تعد بتحقيق معدل عائد مرتفع. ومثل كثير من زملائها المستثمرين، أيضا، اكتشفت على نحو مؤلم أن مالها اختفى بسبب حالات الإعسار المتكررة في سوق مصرفية الظل في الصين. الخسائر التي تكبدتها عائلات الطبقة الوسطى في بلد مشهور بالمدخرين المثابرين تسببت في عدة أضرار مالية وعاطفية. كثير من حالات الفشل كانت في منصات إقراض النظير للنظير. قروض النظير للنظير غير المسددة في الصين بلغت في الربع الأول من العام الذي انتهى أمس 1.2 تريليون رنمينبي "174 مليار دولار"، قبل أن تنخفض إلى نحو 800 مليار رنمينبي مع إغلاق مئات من منصات النظير للنظير، وفقا لتقرير صدر عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني. كل هذا يعني أن جين لن تكون قادرة على شراء تلك السيارة. شركة الإقراض الاستهلاكي عبر الإنترنت التي أفلست في تموز (يوليو) أخذت معها نحو 90 ألف دولار من أموالها. قالت "كان هذا كل ما ادخرته منذ الجامعة". وتابعت "أخبرت والدي بذلك، لكننا قررنا عدم إخبار والدتي. خشينا ألا تتقبل الأمر". كشف مستثمرون أجرت "فاينانشيال تايمز" مقابلات معهم، قصصا عن أضرار لحقت بالعلاقات الشخصية، إضافة إلى الأوضاع المالية. إحدى المتقاعدات بإمكانيات متواضعة، خسرت مبلغا يقارب 200 ألف رنمينبي كانت تأمل في منحه ابنتها وصهرها البريطاني لترميم منزلهما الجديد في الخارج. امرأة أخرى قررت ألا تغضب من زوجها، بعد أن خسر ما يُعادل راتب عامين من رواتب أعوامها السبعة الماضية. أحد كبار المديرين في مكتب تابع لشركة تكنولوجيا أمريكية كبيرة في بكين، لم يرغب في أن يعلم رئيسه أنه قضى أيام إجازته في الاحتجاج خارج المكاتب الحكومية. من الصعب وضع أرقام دقيقة لحجم قطاع مصرفية الظل في الصين، الذي يجذب مدخرات الأفراد والشركات بتقديمه معدلات فائدة أعلى من معدلات فائدة الودائع الادخارية، ويقرض المال بأسعار فائدة أعلى حتى من ذلك. مؤسسات مصرفية الظل لا تقتصر فقط على منصات النظير للنظير، بل تشمل أيضا شركات الائتمان التي تبيع منتجات إدارة الثروات، وشركات التكنولوجيا المالية عبر الإنترنت، ومكاتب الرهونات، ومجموعة كبيرة ومتنوعة من مقرضي الأموال غير الرسميين. ما هو مؤكد أن القطاع شهد كثيرا من النمو. نحو 169 مليون صيني، نحو 12 في المائة من السكان، استثمروا في منتجات إدارة الثروات عبر الإنترنت في عام 2018، بزيادة 66 في المائة عن العام السابق، وفقا لتقرير "موديز" الذي نُشر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وفي الأساس، يضعون أموالهم في نظام مصرفية الظل. إحصاءات أخرى أوردتها "موديز" تشير إلى أن الأموال التي تديرها منصات النظير للنظير تضاعفت خلال السنتين أو الثلاث الماضية. وقالت "إن الارتفاع الحاد في الاستثمار عبر الإنترنت يعكس الرغبة في تحقيق عوائد أعلى من معدلات الودائع النقدية". الأفراد والشركات الذين لديهم مدخرات - بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة وبعض الشركات الأجنبية المستثمرة - يقرضون سوق التمويل غير المصرفية. ومن جانب الاقتراض هناك الشركات الصغيرة التي تعاني ضعف الخدمات التي تقدمها لها المصارف الرسمية، والأفراد الذين لا يملكون بطاقات ائتمان، والمؤسسات الأكبر التي استنفدت قدرتها على الاقتراض من المصارف المملوكة للدولة. ليس كل المقترضين صغارا. أظهر تحليل لـ "فاينانشيال تايمز" أن المجموعة العملاقة "إتش إن أي" التي يتضمن نشاطها مجالات تمتد من التمويل إلى الطيران، جمعت مليارات من خلال منصات النظير للنظير وقنوات تمويل أخرى غير مصرفية. في آب (أغسطس)، وفي خضم زيادة في عمليات إغلاق منصات النظير للنظير، فشلت في تسديد مدفوعات إلى مجموعة من المستثمرين الأفراد، بمن فيهم بعض موظفيها. تنبهت الحكومة الصينية لأول مرة للمخاطر التي تشكلها مصرفية الظل خلال سلسلة من الإخفاقات في عام 2015، وفي أعقاب عدد من الاحتجاجات الصاخبة وحتى احتجاز مواطنين من قبل مستثمرين من الطبقة المتوسطة. في نيسان (أبريل) 2017 أعلن الرئيس الصيني، شي جينبينج، أن "الأمن المالي جزء مهم من الأمن القومي". وأصبحت الحكومة أكثر حذرا بشأن الاحتجاجات بعد ذلك. حتى إن الشرطة أغلقت المنطقة المالية في بكين في آب (أغسطس) بعد ارتفاع حالات إغلاق منصات النظير للنظير في تموز (يوليو). ويفضل معظم المواطنين من الطبقة المتوسطة الأكثر راحة، في الصين أن يتحملوا خسائرهم بدلا من مخاطرة اعتقالهم. وبدلا من الاحتجاجات، كانت أساليب التعامل مع المشكلة هذا العام قد تبلورت على شكل محادثات أسرية مؤلمة حول الاقتصاد في الإنفاق. اكتشف هي وييتو، وهو موظف يبلغ من العمر 25 عامًا يعمل في شركة محترمة للتكنولوجيا المتقدمة في شينزن، أن والديه كانا متفهمين بشكل مفاجئ عندما اعترف بأنه فقد ثلث راتبه السنوي بعد أن استثمر في شركة إقراض عبر الإنترنت للحصول على عوائد أفضل. كان لا يزال شابا، كما قالا، ويمكنه كسب المال مرة أخرى. قال هي "في البداية كنت متحمسا جدا لمطاردة أموالي، لكن لم يكن هناك أي تقدم منذ عدة أشهر". وأضاف "ماذا بإمكاني أن أفعل؟ يجب عليّ أن أركز على حياتي، وأعمل بجد ولا أسمح لهذا الأمر بالتأثير فيّ بشكل كبير".
مشاركة :